جنيف – قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن المعلومات التي كُشف عنها مؤخرًا بشأن احتجاز عدد من النساء في العاصمة اليمنية صنعاء بطريقة تعسفية، تمثل انتهاكًا جسيمًا للقوانين الوطنية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتحديدًا في سياق ما يتعلق بالإجراءات الأمنية التي استهدفت نساء دون إذن قضائي، وفي غياب تام لضمانات المحاكمة العادلة.
اطلعت سام على منشور نشره المحامي وضاح قطيش عبر صفحته على “فيسبوك” – قبل أن يحذف منشوره لاحقًا – حيث أفاد فيه بتلقيه اتصال من سيدة مسنة عند الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً، أبلغته فيه بأن ابنتها وصديقاتها جرى اقتيادهن من منازلهن إلى قسم الشرطة عند منتصف الليل، على خلفية مزاعم تتعلق بتهريب امرأة إلى خارج اليمن.
وأوضح قطيش أن عملية القبض تمت دون أوامر ضبط قهرية صادرة عن النيابة العامة المختصة، ودون حضور شرطيات نساء، في مخالفة صريحة لقانون الإجراءات الجزائية اليمني، الذي يشترط وجود إذن قضائي صريح لتنفيذ عمليات القبض أو التفتيش، لا سيما في الحالات التي تخص النساء.
وأشار إلى أن الفتيات احتُجزن في قسم شرطة يفتقر إلى المرافق الملائمة لاحتجاز النساء، كما أنه لا يضم طاقمًا نسائيًا مؤهلًا، ما يشكل مخالفة واضحة للمادة (11) من قانون تنظيم السجون اليمني، وكذلك المادة (10) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على ضرورة الفصل بين النساء والرجال المحتجزين، وتوفير ظروف احتجاز إنسانية ومناسبة للنساء.
وأضاف أن مأموري الضبط القضائي الذكور تولوا استجواب الفتيات منذ ما بعد منتصف الليل حتى ساعات الفجر، دون إشراف النيابة العامة، ودون حضور أولياء الأمور أو محاميات بالشكل القانوني المطلوب، مما يمس جوهر ضمانات المحاكمة العادلة والحق في الدفاع.
وأوضح أيضًا أن الفتيات أُحلن لاحقًا إلى النيابة العامة وهن في حالة إنهاك شديد بعد ليلة كاملة من الاحتجاز دون نوم أو راحة. وأفاد أن التحقيق استُكمل بحضور خصوم الفتيات، الذين تولوا توجيه الأسئلة والتأثير على مسار التحقيق، بينما التزم عضو النيابة الصمت. وفي نهاية المطاف، صدر قرار بحبس الفتيات احتياطيًا، رغم وجود أدلة قطعية تنفي التهم المنسوبة إليهن، من بينها جواز سفر صادر عن السفارة الأمريكية بتاريخ 24 يونيو 2025، يؤكد مغادرة المرأة المعنية للأراضي اليمنية، إلى جانب مقاطع مصورة توثق وصولها إلى الولايات المتحدة.
وفي سياق متصل، أدلت زينب يحيى علي الماوري، وهي مواطنة يمنية تحمل الجنسية الأمريكية، بشهادة مصورة نشرتها على صفحتها في “فيسبوك”، أوضحت فيها أنها كانت ضحية لسلسلة من الانتهاكات الجسيمة على يد ابن عمها (م. ع)، الذي قام باختطافها واحتجازها قسرًا، ومارس ضدها التعذيب النفسي والجسدي، كما صادر جواز سفرها الأمريكي ومنعها من مغادرة اليمن.
وأضافت الماوري أن الجاني أدخلها قسرًا إلى مَصحة نفسية لمدة ستة أشهر، ثم أجبرها تحت التهديد والإكراه على توقيع تعهد بعدم محاولة الهروب أو طلب المساعدة، لكي يسمح لها بالخروج. وأكدت أنها خرجت من المصحة وهي لا تزال خاضعة لسيطرته، حيث واصل احتجازها في المنزل وممارسة العنف اللفظي والجسدي والتحرش الجنسي بحقها.
وقالت إنها لم تعد قادرة على احتمال الوضع، فلجأت إلى الهرب بمساعدة إنسانية من بعض الصديقات، مؤكدة أن هؤلاء الفتيات لم يرتكبن أي جرم سوى تقديم يد العون لها، وأن “المجرم الحقيقي هو ابن عمها، وهو السبب الوحيد لهروبها”، على حد تعبيرها.
تناقلت وسائل إعلام محلية تفاصيل الحادثة، مسلّطة الضوء على الظروف الغامضة للاحتجاز، والانتهاكات التي رافقت عملية القبض والتحقيق، في ظل غياب أي تعليق رسمي من الجهات الأمنية أو القضائية. وتؤكد التغطيات الإعلامية المتداولة أن القضية أثارت موجة من القلق والاستنكار في الأوساط المجتمعية والحقوقية، لما تنطوي عليه من تجاوزات خطيرة تمس كرامة النساء وحقوقهن المكفولة قانونًا.
وأكدت منظمة سام أن هذه الحادثة ليست استثناءً، بل تعكس نمطًا متكررًا من الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في اليمن، سواء في المجال الأسري أو في تعامل الأجهزة الأمنية والقضائية معهن. وقد وثقت المنظمة، على مدى السنوات الماضية، عشرات الحالات التي تم فيها اعتقال نساء تعسفيًا، أو خضعن لانتهاكات جسيمة دون محاسبة، وهو ما يكشف عن فجوة خطيرة في منظومة الحماية القانونية والعدالة الجنائية.
ورأت المنظمة أن تكرار مثل هذه الانتهاكات يعكس مناخًا من الإفلات من العقاب، ويقوض أي حديث عن سيادة القانون أو احترام كرامة الإنسان، ويكشف عن حجم الانتهاكات الممنهجة التي تتعرض لها النساء في اليمن، في ظل غياب الإشراف القضائي الفعّال، واستخدام مؤسسات الدولة الأمنية كأداة قمع لا تخضع للرقابة.
وشددت سام على أن ما جرى يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق النساء وكرامتهن، ويتطلب موقفًا حازمًا من السلطات، بدايةً بالإفراج الفوري عن الفتيات المحتجزات دون مسوغ قانوني، وضمان سلامتهن الجسدية والنفسية، وتقديم تعويض عادل لهن، إضافة إلى محاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات، سواء من الجهاز الأمني أو من الجهات القضائية التي قصّرت في أداء دورها.
ودعت منظمة سام سلطات الأمر الواقع في صنعاء إلى إجراء إصلاحات شاملة في منظومة العدالة، وإعادة بناء الثقة بين المواطن والسلطات، من خلال الالتزام الصارم بالقانون، واحترام كرامة الإنسان، وإنهاء كافة أشكال الانتهاكات الممنهجة، خاصة تلك التي تستهدف النساء.