أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات، اليوم الأحد تحقيقا استقصائيا، ضمن أنشطة الحملة الدولية التي أطلقتها المنظمة بعنوان "دون عدالة" وهي حملة موجهة للفت انتباه المجتمع الدولي لقضايا المحتجزين على خلفية التعبير عن الرأي، والمعتقلين تعسفيا.
ويتناول التقرير انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالحق في المحاكمة العادلة، والتي أقامتها أطراف الصراع في اليمن بمستويات متعددة أبرزها حركة أنصار الله، بالإضافة إلى ظروف احتجازهم القاسية في السجون، وقد غطي الفترة من يناير 2017 وحتى ديسمبر 2022، وهي فترة تعتقد المنظمة أنها شهدت أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان فيما يتعلق بإهدار الحق في المحاكمة العادلة.
وأوضحت المنظمة أن التقرير الذي استغرق اعداده ثلاثة أشهر، وحمل عنوان "دون عدالة" ، عمل على (34) واقعة لمحتجزين سياسيين و/ أو على خلفية التعبير عن الرأي، في صنعاء (24) وعدن (6) وحضرموت (2) ومأرب والساحل الغربي (2). وتوزع الضحايا وفقاً لانتماءاتهم إلى (15) من حزب الإصلاح و(6) من حزب المؤتمر و(5) صحفيين و(5) عسكريين و(2) نساء و(2) من الطائفة اليهودية والتيار السلفي. مضيفا أن (20) محتجزا خضعوا للمحاكمة وصدرت بحقهم أحكام و(8) محتجزين ما تزال محاكمتهم مستمرة و(5) محتجزين مفرج عنهم لم يخضعوا لمحاكمة، ومحتجز واحد لا يزال مصيره مجهولا.
وأبرز التحقيق ظروف الاحتجاز خلال الفترة من 2017 حتى نهاية 2022، مشيراً إلى أن كل الضحايا الذين حقق في قضاياهم لاقوا معاملة قاسية. حيث تعرض (24) محتجزا في سجون الحوثي لإخفاء قسري امتد لفترات وصلت لثمانية أشهر قبل أن يُكشف عن مصيرهم، وتعرضوا للتعذيب بالصعق الكهربائي والضرب والإعدام الصوري والحرمان من النوم ومن الاتصال بالخارج. ناهيك عن تدني الخدمات الصحية والغذاء والتهوية، بشكل أدى إلى تدهور صحتهم ووفاة أحد المحتجزين نتيجة للنقص الحاد في الرعاية.
وأكد التحقيق الذي استند إلى شهادات تعرض (7) محتجزين في سجون المجلس الانتقالي والقوات المشتركة و (3) محتجزين لدى الحكومة اليمنية لمعاملة قاسية بالضرب والتعليق على الجدران والتمييز العنصري، وحرمان من التواصل بالعالم الخارجي لفترات تصل إلى عشرة أشهر.
وعن الجهات الفاعلة، ذكر التحقيق أن جماعة الحوثي كانت أبرزها حيث حُوكم (24) شخصا في محاكم خاضعة لها، ثم المجلس الانتقالي الجنوبي بعدد (6) ضحايا متهم باحتجازهم وتقديمهم للمحاكمة، تليه الحكومة اليمنية المعترف بها، بإجراء المحاكمة لـ (3) محتجزين وناشط واحد احتجزته القوات المشتركة.
وخلُص التحقيق الصادر عن (سام) إلى أن الأطراف استخدموا القضاء -بدرجات متفاوتة– للانتقام من المعارضين السياسيين و/ أو من يُعتقد أنهم خصوم، وجعلوا من مؤسساته ساحة للاستقطاب والإضرار بالخصوم، لافتًا إلى أن ذلك صار منهجاً جديداً في ظل استراتيجية اعتمدتها هذه الأطراف لإخضاع اليمنيين بالقوة وقمع أي أنشطة في إطار الهامش السياسي والمدني. كما خلص إلى أن المحاكمات التي نفذتها الأطراف ضد الضحايا، أغفلت مبدأ افتراض البراءة وعدم إكراه المحتجزين على الاعتراف.
ويجادل التقرير بأن أحكام الإعدام التي أصدرتها محاكم خاضعة لحركة الحوثيين قد صدرت بإجراءات موجزة، وافتقرت إلى الحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة المطبقة في النزاعات المسلحة و/ أو الظروف العادية، معتبرا أن الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي أخفقوا في الالتزام بمعايير التقاضي العادل قبل المحاكمة أو أثنائها.
ويرى التقرير بأن اطمئنان مختلف الأطراف من الإفلات من العقاب، والغياب التام لآليات التحقيق الجنائي الدولية، وهشاشة آليات المساءلة المحلية قد ساهم بشكل كبير في ابتكارهم وسائل الانتقام والإضرار بالخصوم. بما في ذلك استخدام القضاء وسيلة للحرمان التعسفي من الحق في الحياة والحرية.
وأورد التحقيق أن البنية التشريعية اليمنية ساهمت في تشجيع الأطراف على ارتكاب هذه الانتهاكات، بتشددها في وضع عقوبة الإعدام على العديد من الأفعال، الكثير منها تنطلق من الحق في حرية التعبير. مطالبًا الحركة الحوثية والأطراف الأخرى إلى تجميد عقوبة الإعدام على المحتجزين في القضايا المتصلة بالنزاع.
يُعتبر التقرير هو الأول في اليمن الذي سلط الضوء على المحاكمات السياسية وظروف الاحتجاز. ويُقدم معلومات عن التدخلات السياسية في عمل أجهزة إنفاذ القانون. ويأتي التقرير ليكشف ما أحدثته هذه الانتهاكات على واقع الحريات السياسية والحق في حرية الرأي والتعبير.
ويُراكم هذا التحقيق الاستقصائي من رصيد كشف الحقيقة في اليمن وحفظ ذاكرة الأجيال؛ ويتطلع إلى لفت انتباه الرأي العام الدولي إلى ما ينتظر عشرات المحتجزين السياسيين من عقوبة الإعدام والحرمان من الحق في الحرية، للضغط من أجل إنقاذهم ووقف المحاكمات التي تفتقر للحد الأدنى من معايير التقاضي العادل والنزيه.