ندوة تناقش آفاق العدالة الانتقالية في اليمن واستلهام التجربة التشيلية
  • 03/11/2025
  •  https://samrl.org/l?a5640 
    منظمة سام |

    نفذ منتدى سفراء سفراء العدالة ممثلا ب منظمة سام للحقوق والحريات ورابطة أمهات المختطفين، الويبنار الأول له  حول العدالة الانتقالية، ضمن مشروع سبارك المدعوم من معهد دي تي، وجاء هذا اللقاء بهدف مناقشة آفاق إرساء مسار عدالة منصف في اليمن، وتسليط الضوء على التجربة التشيلية كنموذج يمكن الاستفادة من دروسه في بناء ذاكرة جامعة وتحقيق مصالحة عادلة تضع الضحايا في صميم العملية.

    شهدت الندوة، المنعقدة ضمن فعاليات «منتدى سفراء العدالة الانتقالية»، نقاشًا معمّقًا بعنوان «من اليمن إلى تشيلي: دراسة حول التجربة التشيلية في العدالة الانتقالية وآفاق الاستفادة منها في اليمن»، في لحظة وصفتها الجهة المنظمة بـ«الفارقة» على وقع تجدد أسئلة المصالحة والمحاسبة في البلاد. واستُهلّت الجلسة بكلمة افتتاحية لرئيسة رابطة أمهات المختطفين أمة السلام الحاج، شددت فيها على أن المنتدى منصة وطنية مستقلة تضم الضحايا والناشطين والخبراء وصنّاع القرار «لتمهيد الطريق نحو سلام مستدام قائم على العدالة والإنصاف والمصالحة»، مشيرةً إلى اتساع عضوية المنتدى لتتجاوز 240 عضوًا، وإلى أهمية التعلم من التجارب الدولية وتكييفها مع الخصوصية اليمنية.

    قدّم المحور الأول الباحث والمحاضر اليمني الدكتور عادل دشيلة، الحاصل على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي والمتخصص في أدب السجون السياسية والباحث الزائر بجامعة توركو الفنلندية، مستعرضًا دراسته الصادرة ضمن مشروع «سبارك». وأكد أن العدالة الانتقالية تمثل «المدخل الحقيقي لبناء سلام عادل في اليمن»، وأن سنوات الحرب خلّفت ضحايا بلا إنصاف ومجتمعًا مثقلًا بالانتهاكات «دون مساءلة أو جبر ضرر»، محذرًا من ثقافة الإفلات من العقاب. وربط دشيلة نجاح التجربة التشيلية بتوثيقٍ مدنيٍّ منهجي سبق مؤسسات الدولة وأمدّ لاحقًا لجان الحقيقة بمواد موثوقة، داعيًا في السياق اليمني إلى منظومة وطنية موحدة للتوثيق، وبرنامجٍ شاملٍ لجبر الضرر، ومشروع ذاكرة وطنية يحول أماكن الانتهاك إلى فضاءات للذكرى والمعرفة، كما نبّه إلى مخاطر تسييس منظمات المجتمع المدني وضرورة تحالفها مع المؤسسات المجتمعية والدينية والقبلية للتركيز على الضحية «بصرف النظر عن الانتماء».

    وفي المحور الثاني، قدّم لوسيانو جارِساشيغين، رئيس مجلس إدارة «بيت الذاكرة خوسيه دومينغو كايناس» في تشيلي وخبير سياسات الذاكرة وحقوق الإنسان، عرضًا تحليليًا لأركان العدالة الانتقالية كما حددتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: الحقيقة، والعدالة، وجبر الضرر، وضمانات عدم التكرار، والذاكرة. استعاد المتحدث مسار لجان الحقيقة في تشيلي، وإشكاليات سرية بعض أرشيفاتها، وتدرّج العدالة من هيمنة المحاكم العسكرية وقانون العفو لعام 1978 إلى أحكام لاحقة ضد مرتكبي الانتهاكات. وبيّن كيف نشأت «أماكن الذاكرة» بدفعٍ من المجتمع المدني قبل أن تعترف بها الدولة تدريجيًا، لافتًا إلى أن التمويل المستدام ما يزال تحديًا، وأن إصلاح المؤسسات الأمنية والثقافة الحقوقية شرطٌ جوهريٌ لعدم التكرار.

    أما المحور الثالث فقادَه روبن كارنازا، الخبير الأول ومدير برنامج العدالة الجبرية في «المركز الدولي للعدالة الانتقالية» (ICTJ) في نيويورك، موضحًا العلاقة الجدلية بين الاستقرار والعدالة الانتقالية. وأشار إلى أن هذه العملية لا «تخلق الاستقرار تلقائيًا» لكنها تتيح فرصًا للمساءلة والحقيقة وجبر الضرر إذا أُحسن توقيتها وتسلسلها. وفي إجابته حول «المعيار الذهبي» لجبر الضرر باليمن في ظل محدودية الموارد، أكد أن التعويضات تحتاج تمويلًا يمكن أن يأتي من استرداد أصول المتورطين والمستفيدين من النزاع داخل اليمن وخارجه، إلى جانب اعتماد مقاربات رمزية ومجتمعية تدريجية تبني الثقة وتتوسع مع الوقت، وعدم حصر الجبر في دفعات مالية فقط.

    تخلّل الندوة نقاشٌ تفاعلي وأسئلة من الحضور؛ تناولتُه مخاوفُ تسييس منظمات المجتمع المدني وآليات وضع معايير للمشاركة في مسارات العدالة، وكيفية حماية الذاكرة من هيمنة رواية طرف واحد، كما طُرحت تساؤلاتٌ حول توثيق الأضرار الناجمة عن الضربات العابرة للحدود ومواءمة البعد الدولي مع المصالحة الوطنية. وأوضح الدكتور عادل دشيلة أن «العدالة الانتقالية عملية نسبية وتدريجية» وأن جبر الضرر يمكن أن يشكّل مدخلًا عمليًا لتجسير الهوة بين الأطراف، مستفيدًا من الموروثات العرفية والثقافية إلى جانب الأدوات القانونية الحديثة.

    وأوصت المداخلات الختامية بجملة مسارات عملية: إنشاء أرشيف وطني رقمي للذاكرة والشهادات يوضع في عهدة جهة مستقلة ومحايدة؛ توثيق القصص الفردية لا الأرقام المجردة؛ تحويل مواقع الانتهاكات إلى فضاءات للذاكرة العامة؛ بناء تحالف مدني-مجتمعي-ديني لحماية الضحايا وحقوقهم؛ السعي لاسترداد الأصول لتمويل برامج الجبر؛ ووضع إصلاحات مؤسسية وثقافية تضمن عدم التكرار. وخَلُص اللقاء إلى أن «السلام العادل يبدأ بالحقيقة والإنصاف»، وأن تحويل الدروس التشيلية إلى تجربة يمنية خالصة يمر عبر الاعتراف بالضحايا وتثبيت الذاكرة وإطلاق مسار تدريجي وشامل للعدالة.

     

  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير