تعرب “سام للحقوق والحريات” – مقرها جنيف- عن قلقها من تصاعد ضربات التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن، فخلال أقل من عشرين يوم رصدت سام 7 ضربات جوية يبدو أنها غير قانونية على محافظات صعدة وحجة والحديدة وتعز وصنعاء في الفترة من 30 أكتوبر وحتى 14 نوفمبر 2017، أدت الضربات إلى ارتفاع عدد الضحايا وبالذات من الأطفال والنساء، وتسببت في هدم عدد من المنازل وتضرر البنية التحتية على هشاشتها، وأصابت أملاكا خاصة من بيوت ومزارع وأسواق ووسائل مواصلات.
إن زيادة الكلفة الإنسانية والاجتماعية لهذه الغارات أصبحت باهظة للمدنيين، فقَدَ بعضهم أسراً كاملة ، كما أن استمرارها يسلِبُ السكان المدنيين أجواء العمل الآمن بحثاً عن قوت أبنائهم، مما يزيد في تدهور الأوضاع الاقتصادية للمواطنين في ظل غياب الحماية وغياب قواعد واضحة للاشتباك تجنبهم ويلات هذه الحرب ومن المؤسف أكثر ، أن الناجين من هذه العمليات سيتعرضون لإعاقات دائمة ، وصدمات نفسية عميقة، بمن فيهم جيران وأقارب الشهداء والجرحى.
منذ مارس/آذار 2015 ينفذ التحالف العربي عمليات عسكرية ضد مليشيات الحوثي وصالح بطلب من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بعض العمليات رافقتها ضربات جوية غير قانونية خلفت كثيراً من الضحايا في صفوف المدنيين ، خاصةً الأطفال والنساء، وتسببت في أضرار للأعيان المدنية بما فيها المدارس والمستشفيات ، بحسب إحصائية المنظمة التي رصدت تزايداً للضربات التي تصيب المدنيين.
في العام الجاري سجلت سام (63) غارة جوية توزعت على محافظات صعدة وتعز والحديدة وصنعاء ، سقط بسببها (738) مواطناً من المدنيين ، بينهم (528) قتيل ، و(210) مصاب منهم (100) طفل و(59) امرأة.
خلال الأيام الماضية رصدت سام سبع ضربات جوية في محافظات يمنية مختلفة ، ففي 30 أكتوبر شن طيران التحالف غارة جوية على استراحة “لوكنده” للعمال في سوق الليل وادي علاف بمديرية سحار محافظة صعدة، خلفت الغارة (29) قتيلا وجريح ، أغلبهم بحسب شهود عيان -قابلتهم المنظمة- من العمال كبار السن ، من منطقة تهامة ، يعملون في (ربط حزم القات).
في الأول من نوفمبر ، وثقت سام غارة جوية للتحالف استهدفت سيارة في طريق غافرة بمديرية الظاهر محافظة صعدة ، كانت تحمل مواد غذائية ، خلفت الغارة قتيلان وجريح كانوا على متن السيارة.
في 4 نوفمبر شن طيران التحالف غارة جوية على منزل المواطن حسين سالم عسلان في مديرية باقم ، خلفت سبعة قتلى من أسرة واحدة بينهم ثلاث نساء، وهُدِم منزلهم.
في 7 نوفمبر استهدفت الغارات الجوية منطقة هران في مديرية أفلح اليمن -محافظة حجة بأكثر من (15) غارة أصابت بعضها منازل المواطنين بصورة مباشرة كمنزل المواطن حمدي على محمد ديك ، الذي قُتل مع أفراد أسرته ، والمواطن عبدالله محمد خموسي ، الذي قتل مع أولاده الثلاثة وزوجتيه ، كما تسببت الغارات في مقتل (20) مدنيا آخرين.
وثقت سام شهادة شرف عبدالله خموسي (30) عاماً ، وهو شاهد عيان قال للمنظمة: “كنت على مسافة قريبة من المنزل تقدّر بحوالي اثنين كيلو متر ، من قرية المنوابة مديرية أفلح اليمن في محافظة حجة ، في الساعة الحادية عشر والنصف صباحاً بتاريخ 7 نوفمبر ، حين استهدف الطيران السعودي منزل المواطن حمدي على محمد ديك الجماعي ، وأدى الى دمار البيت بشكل تام ، كان يسكن فيه مع زوجته وأربع أطفال قُتلوا جميعاً ، ولم تنج سوى طفلة تدعى رنا كانت بجوار البيت على مسافة 200 متر”.
يضيف شرف: “شاهدتْ رنا الصاروخ الأول الذي قصف منزل أسرتها حتى أصابها الرعب والذهول، وجاء المسعفون وهم عبدالله محمد صالح خموسي وابنه مصطفى ووالد حمدي صاحب المنزل وأخوه ، لكنهم قُصفوا جميعاً اثناء وصولِهم ، وتطايرت أشلاؤهم في الجو ، بعضها تعلق بالأشجار، ورأيت أرجل متفحمة ومبتورة”
يقول خموسي : ” كان هناك حالة هلع بين النساء ، وهناك من لا تستطيع النوم حتى اليوم ، وإذا نامت تستيقظ مذعورة”.
وقال المحامي توفيق الحميدي رئيس فريق الرصد بمنظمة سام : “إن التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات يبدو “غير جاد” في امتثاله لقوانين الحرب، التي من شأنها أن تجنب المدنيين في اليمن -خاصة الأطفال والنساء- ويلات ضربات الطيران ونتائجها الكارثية، وعلى الرغم من إعلانه في آخر يناير من العام الماضي 2016 عن تشكيل فريق لتقييم الحوادث ، إلا أن هذا الفريق استُخدِمَ لتقديم مبررات كما لو كان ناطقا باسم التحالف لا أكثر “.
شنت الطائرات غارة أخرى في 10 نوفمبر الساعة 8 ليلا على جزيرة البضيع التابعة لمحافظة الحديدة فأصابت قوارب الصيادين وقتلت أحد عشر صياداً وأصابت خمسة آخرين.
في نفس اليوم ، 10 نوفمبر ، جُرح 12 مدنيا بينهم أطفال ، جراء غارة لطيران التحالف على صنعاء ، استهدفت منطقة سكنية تهدم فيها 12 منزلاً لمواطنين ، حصلت سام على شهادة من صفية مهدي ، وهي صحفية من سكان الحي، تقول فيها : “هو يوم النكبة بالنسبة لي ولأسرتي ولجيراننا، فما إن اقتربت الساعة من الحادية عشر قبل منتصف الليل حتى سمعنا صوت انفجار قوي جدا، رأيت بنفسي ضوءاً من نافذة الغرفة التي كنت أجلس فيها مع والدتي وأبناء أخي وأختي ، دعوت الله أن يحفظنا ويلطف بالجميع”.
تضيف صفية: “وبعد الغارة الأولى، اجتمعت كل أسرتي في غرفة واحدة وبعد دقيقتين تقريباً جاءت غارة العدوان السعودي إلى الحوش الخلفي لمنزلنا ، لا أعلم ما الذي دفع بي وبجميع أسرتي إلى صالة المنزل “، وتضيف: “شعور لا يوصف بكلمة ، عند رؤية ضوء الصاروخ وسماع صوته ورؤية أفراد أسرتك ، حيث اقترب كل واحد منا من الآخر لحماية بعضنا البعض وخوفنا على الأطفال ورؤية المنزل يتهدم من أمامك ومن ورائك ومن فوقك ، والزجاجات والشظايا تتطاير والدماء تسيل ، وقتها لم أعد أشعر حتى بألم الجروح ، ومن الخوف اندفعت إلى الشارع دون حتى غطاء للرأس، حتى أعادنا والدي إلى المنزل للبس الحجاب”.
تقول صفية: “خرجنا إلى مستشفى الثورة لإسعاف أنفسنا ، وتفاجأنا بتعامل دكاترة طوارئ الثورة السيء جدا ونحن مجروحون وبنا شظايا ، وبالكاد تم تخدير والدي وتخييط جرحه، ثم اكتشفنا فيما بعد أن بعض الشظايا ما زالت في الجروح!” ، وتختم شهادتها وتقول: ” أصبحنا نازحين بعد أن كان لنا منزل وفقدنا الكثير مما كنا نملكه ، وفقد والدي السماع بإحدى أذنيه ، ولكننا حمدنا الله رب العالمين أننا خرجنا وكل أفراد أسرتي بجروح فقط”
في مدينة تعز ، رصدت سام يوم أمس الموافق 14 نوفمبر قتل ثلاث نساء وطفل جنين ، تقطعت أجسادهم إلى أشلاء ، وجرح ثلاثة مدنيين آخرين ، جراء ثلاثة صواريخ لطيران التحالف العربي على جبل العروس ، الذي يسيطر عليه الجيش الوطني ، وتقع فيه محطة الإرسال الإذاعي التابع للحكومة الشرعية.
تطالب سام المجتمع الدولي بالقيام بواجبه في إلزام أطراف النزاع في اليمن باحترام التزاماتهم القانونية والأخلاقية بحماية المدنيين اليمنيين، بما يضمن تقليل الكلفة البشرية ، وتجنُّب استهداف الأعيان المدنية ، حيث أن استمرار طيران التحالف بهذه الضربات يشكل انتهاكا خطيرا لقوانين الحرب ، ويكشف عن نية قصدية متهورة ، تعرّض الأفراد الذين يرتكبونها للمحاكمة والعقاب ، وتشمل تلك المساءلة؛ الحكومات التي هي طرفاً من أطراف النزاع القائم في اليمن.
تذكّر سام جميع الأطراف بوجوب الالتزام بالقانون الدولي وتشدد على وجوب اتخاذ أقصى درجات الحيطة الدائمة أثناء العمليات العسكرية ، لتجنيب السكان المدنيين ويلات القتال وآثاره سواء في الأرواح أو الأعيان المدنية ، كما تؤكد أن شن الهجمات المتعمدة أو العشوائية على أهداف غير عسكرية ، من دون تمييز بين المدنيين ، تُعد جريمة حرب تستوجب المساءلة القانونية.
سام للحقوق والحريات – جنيف 15 نوفمبر 2017