جنيف- قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن العملية التعليمية في اليمن تشهد عجزًا وتراجعًا مستمرين بسبب الحرب وتصاعد حالة الاستقطاب السياسي والمذهبي، مشددة على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسئولياته القانونية والإنسانية تجاه اليمنيين ومنح الأطفال الفرصة الكاملة في الحصول على حقهم من التعليم بعيدًا على النزاعات الداخلية وخطابات الكراهية والتفرقة العنصرية.
وأكدت المنظمة، في ورقة موقف صدرت عنها بمناسبة اليوم العالمي للتعليم والذي يوافق يوم 24 يناير من كل عام، أن العملية التعليمة اليمنية والتي تشمل "المؤسسات التعليمية، والطلبة والمعلمين" في اليمن أضحت في حدها الأدنى في العديد من المناطق، ومنعدمة في مناطق أخرى، حيث يعاني مئات الطلاب من صعوبة في تلقي دروسهم التعليمية، فبعض الطلبة يتلقى دروسه في العراء؛ لعدم وجود فصول مدرسية تأويهم، وآخرون يذهبون لمدارس مهدمة أو مهددة بالسقوط في أية لحظة؛ بسبب القصف الجوي لطيران التحالف أو القصف العشوائي لمليشيا الحوثي. في المقابل فإن كثيرا من المعلمين تركوا مهنة التعليم بسبب توقف الرواتب، واتجهوا للبحث عن مصدر دخل جديد لتلبية متطلبات حياتهم الخاصة؛ بسبب تردي الأوضاع الإقتصادية المستمرة في اليمن، في حين أُجبر البعض الآخر على الالتحاق بالجبهات القتالية خاصة منطقة الحد الجنوبي. كل تلك المعطيات أدت إلى أن تفتقد العملية التعليمية في اليمن لظروف البيئة المثالية لتهيئة الظروف الكاملة للطلبة لتلقي تعليمهم بمعزل عن مؤثرات الأوضاع السياسية من استقطاب وتأجيج للنعرات الطائفية التي تلقي بظلالها على الحياة الاجتماعية بشكل ملموس في اليمن.
وأشارت "سام" إلى رصدها أرقاما مقلقة خلال السنوات الماضية حول الانتهاكات التي طالت العملية التعليمة في اليمن، والتي كان لها التأثير في تردي جودة التعليم في كثير من المناطق، خاصة المناطق الخاضعة لسيطرة مليشا الحوثي, حيث سُجلت أكثر من 950 حالة انتهاك، كفرض جبايات مالية على الطلاب، ومداهمة واقتحام مدرسة، وتحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية، إضافة لنهب المدراس وإغلاقها وتغيير أسماء المدارس بأسماء رموز دينية لجماعة الحوثي.
كما أكدت المنظمة الحقوقية أن الحرب قضت على عدد كبير من مقومات من البنية الأساسية للتعليم, المتمثلة بالمدارس وملحقاتها كالإدارات التعليمة والتي أصبحت خارج نطاق العمل. فبحسب تقريراليونيسف حول التعليم في اليمن فإن أكثر من 2500 مدرسة لا تعمل في اليمن، إذ دمر ثلثاها بسبب العنف، فيما أغلقت 27% من المؤسسات التعليمية كما وتستخدم 7% في أغراض عسكرية أو أماكن إيواء للنازحين، وأرجعت المنظمة الدولية هذا التدمير بسبب عدم احترام أطراف الصراع للمقار التعليمية حيث ساهمت بصورة مباشرة وغير مباشرة سواء بالقصف الطيران التي دمرت المدارس, أو القصف العشوائي من قبل الحوثيين أو استخدامها ثكنات عسكرية ومخازن سلاح. الأمر الذي حرم آلاف الطلاب من الذهاب إلى المدارس.
وبينت "سام" أنها رصدت خلال الأعوام 2017، 2018، 2019، انتهاكات جسيمة بحق التعليم، وأبرزها انتهاك الحق في اختيار المناهج المناسبة، حيث عمدت جماعة الحوثي إلى تسييس التعليم وصبغ المناهج والبرامج التعليمية بصبغه عقائدية مذهبية، شكلت تهديدًا على براءة الطفولة، كما مثلت خطورة كبيرة على التقارب الاجتماعي في اليمن بسبب الأفكار المذهبية المنشورة في مناهج تلك الجماعة, والتي تسعى إلى تمجيد فكر الجماعة والتعبئة للقتال وإلغاء الآخر. حيث رصدت "سام" تعميم الشعارات السياسية لجماعة الحوثي على المدارس، وتلقين الطلاب أناشيد خاصة بالجماعة إضافة لإقامة نشاطات ومناسبات دينية ذات توجهات عقائدية خلافية، والتي تساهم في التأثير على الطلاب وجذبهم إلى ساحات القتال. كما رصدت المنظمة في هذا الصدد نزول للجان المسئولة عن زيارة المدارس، خصوصا الحكومية، لإلقاء محاضرات ذات مضامين دعائية طائفية للجماعة والترويج لانتصاراتها العسكرية، إلى جانب مهاجمة خصومها الذي يُحسبون، في تلك المحاضرات على( أمريكا وإسرائيل). لكن النقطة الأخطر في هذا المجال هو "موالو لجماعة الحوثي" للقيام بأنشطة داخل المدرس في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، للتأثير على زملائهم، وترغيبهم في أفكارها المتطرفة، أو في الالتحاق بجبهات القتال. حيث وجدت المنظمة من خلال الرصد أن عددا كبيرا من الطلاب الذين التحقوا بالمراكز الصيفية أو بجبهات القتال الحوثية، وقعوا ضحية لزملائهم الذين تلقوا دورات خاصة حول طرق ووسائل الاستقطاب، وتم تزويدهم بمواد سمعية وبصرية مناسبة لأعمار المستهدفين.
وأكدت المنظمة أن التدخل الأحادي بالمناهج الدراسية من قبل جماعة الحوثي في المناطق التي تقع تحت سيطرتها وفرض برامج عقائدية تساهم في تشبع الطفل بأيدلوجية قتالية متطرفة، وتجعله سهل الانقياد، والتحول إلى وقود لهذه الحرب، حيث بلغت الاتهاكات الخاصة باقتحام المدارس خاصة في أمانة العاصمة وذمار وعمران وحجة أكثر من 300 حادثة اقتحام إضافة لإقامة فعاليات مذهبية في كثير من الأحيان دون الحصول على إذن أو موافقة إدارة المدراس التي أصبحت تخشى سطوة المشرفيين الحوثيين.
وبحسب شهادات جمعها فريق البحث التابع للمنظمة أفادت إحدى المُعلمات "أنه تم إجبار جميع إدارات المدارس الأهلية إلزام مُدرسيها بحضور دورات طائفية وخاصة مدرسي القران الكريم والتربية الإسلامية، وهددت المدرسة التي لم يحضر مدرسوها بغرامات مالية تصل الى ثلاث مائة ألف كما وهدتت بإغلاق المدرسة". وتضيف المُعلمة التي تم إجبارها على حضور الدورة بأنه "حضر أكثر من سبعين معلما ومعلمة لمادتي القرآن الكريم والتربية الإسلامية وتلقوا دروسا تشمل خرافات وانتهاكات لحق التعليم وحق الدين حيث كان يقوم مُحاضر الدورة بتكذيب الكثير من التعاليم الدينية. كما كان يطلب من الحاضرين أن لا يقوموا بتشغيل القرآن للطلاب بصوت أي قارئ من السعودية، وقال إنهم حملة الرسالة وعليهم أن يعلموا الطلاب حب الجهاد، وغيرها من الأمور".
من جانبها أكدت "سام" بأن إنتشار حالة التجنيد بين الطلاب، دفع الكثير من الآباء إما إلى منع أبنائهم من الذهاب إلى المدارس أو نقلهم إلى مناطق أكثر أمانًا كالقرى أو المدن التي لا تخضع لسيطرة جماعة الحوثي الأمر الذي اثر عليهم نفسيًا، ودفعهم إلى الانخراط في سوق عمل غير آمن لتوفير احتياجاته المالية أو لإعانة أسرته النازحة.
تحصلت "سام" على شهادة أخرى تعكس تدخلات العاملين في قطاع التعليم التابعين لجماعة الحوثي في المناهج الدينية "حيث قام أحد موجهي الحوثي التعليميين بتهديد معلمة التربية الدينية لأن الطلبة يقرأون سورة الفاتحة ويختمونها بترديد كلمة "آمين"، مهددًا إياها بمكتب أنصار الله الخاص بالجماعة، كما شملت تلك التدخلات تعديلات في المناهج الدراسية بشكل عام ومناهج طلاب المرحلة الدنيا الأساسية بشكل خاص لا سيما مواد القرآن والتربية الإسلامية والتاريخ".
وفي سياق متصل أشارت "سام" إلى أن توقف رواتب الآلاف من المعلمين التربويين ساهم بصورة كبيرة في تدهور التعليم بصورة كبيرة، وأثر بصورة مباشرة على جودة التعليم, حيث بات أكثر من 60 % من الكادر التعليمي بلا رواتب, وأكثر من 70% من المدراس مهددة بالتوقف خاصة ذات الكثافة السكاني كتعز وإب والحديدة وحجة وصنعاء وذمار وريمة وعمران. كما ساهم الصراع على السيطرة على البنك المركزي والمؤسسات الإيرادية في خلق مشكلة في عملية صرف الرواتب، ما دفع الكثير من المعلمين إلى ترك المدارس والبحث عن عمل يعيل أسرته. إضافة إلى تعمد مليشيا الحوثي عدم صرف مرتبات ومستحقات المعلمين في المدارس الحكومية، وقيامها بفصل المتغيبين واستبدالهم بآخرين موالين لها في الغالب.
أفاد المعلم "عبد الناصر" 50 عاما، والذي كان يعمل معلمًا في مديرية القاهرة بمدينة تعز، أنه وبسبب توقف الرواتب واستمرار الحرب والحصار أجبره صاحب المنزل على الخروج منه بسبب عدم قدرته على دفع الإيجارات، حيث ذهب إلى قريته ليعمل بالحجر والطين، ثم عاد إلى المدينة وحيدا بدون أسرته.
كما أن المعلم "وائل" 40 عاما، والذي كان موظفا في مكتب التربية والتعليم، اضطر لترك العمل، ولجأ إلى بيع بطاط مسلوق في الشارع، ليحصل على قوت أسرته بسبب سياسة قطع الرواتب التي تتبعها جماعة الحوثي بحق معارضيها.
المُعلم "علي" 42 عاما أفاد: "كنت وكيل مدرسة وأنا الآن نازح من مديرية الجراحي في محافظة الحديدة، لي من اﻷولاد أحد عشر ولدا، بعد ملاحقة المليشيات لي وانقطاع راتبي نزحت، وعملت في بيع التين، ثم عملت في حجر وطين، وعملت في رمضان الماضي في بيع "المخلوطة والسنبوسة" لكن للأسف بسبب ظروف الناس المعيشية في محافظة تعز خسرت رأس المال الذي استدنته من بعض أصدقائي، تمنيت أن أعمل أي عمل ﻷوفر لقمة عيش كريمة ﻷولادي وإيجار سكن يؤويني ويؤويهم".
وقالت المنظمة إنه خلال الثلاث السنوات الماضية من سيطرة مليشيا الحوثي على السلطة في صنعاء عمدت إلى إحداث تغييرات كبيرة في الجهاز الإداري للتربية والتعليم، فاستبعدت الكثير من القيادات التربوية ذات الكفاءة، ممن لا يدين لها بالولاء، خاصة ممن أُجبروا على ترك منازلهم خشية الاعتقال، وعينت بدلا عنهم عناصر تابعة لها، الأمر الذي أدى إلى تدني المستوى التعليمي لدى العدد الأكبر من الطلبة إضافة إلى أن تغيير المناهج التربوية وإدخال خطاب طائفي إلى المنهج المدرسي، وفرض ترديد شعار الصرخة الحوثية الذي دفع بالكثير من الآباء إلى العزوف عن إرسال أبنائهم إلى مدارس لم يعد التعليم غرضها الأساسي، وبات احتمال تجنيدهم فيها، وتغيير عقائدهم الدينية هو الإحتمال الأوفر حظًا.
كما ساهم النزوح الداخلي والتهجير القسري في ترك الكثير من الطلاب للتعليم بسبب عدم استقرار أوضاعهم ونقص أعداد المدارس في المناطق التي انتقلوا اليها. كما وساهمت العمليات العسكرية، بما فيها القصف العشوائي من قبل قوات التحالف، بقيادة المملكة العربية السعودية، والقذائف العشوائية من قبل جماعة الحوثي، في تضرر عدد كبير، وتحولت مدارس أخرى إلى مساكن للنازحين، كما اُستخدمت بعض المدارس كسجون أو مقرات عسكرية.
يشار هنا إلى قيام مليشيا الحوثي بفرض مبالغ مالية على أهالي الطلبة بحجة دعم العملية التعليمية، تتراوح تلك المبالغ بين مائة إلى ألف ريال، تُدفع منها رواتب المعلمين، ويذهب جزء منها لدعم المقاتلين في الجبهات، مادفع بعض الآباء إلى منع أولادهم من الذهاب إلى هذه المدارس، إما بسبب عدم مقدرتهم على دفع هذه المساهمة، أو عدم رغبتهم في دفع أموال قد تستخدم في تمويل عمليات قتالية. هذا ويستفيد الحوثيون من تعطل العملية التعليمية في بعض الأرياف، إذ يمنحهم ذلك فرصة لتحويل الطلاب المحرومين من التعليم إلى مقاتلين بمبالغ زهيدة.
كما تعرض العديد من المعلمين للاعتقال وفي مقدمتهم نقيب المعلمين في العاصمة صنعاء , خالد حسن جابر القديمي, الأمر الذي دفع المئات من المعلمين إلى الفرار من مناطق إقامتهم، والبحث عن مكان أكثر أمنًا سواء داخل اليمن أو خارجها، الأمر الذي ساهم ما في تردي العملية التعليمة بصورة كبيرة.
تؤكد سام على أن الحق في التعليم من الحقوق الأساسية التي كفلتها جميع المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية، وقد وردت في ذلك عدة مواد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وغيرها من مصادر القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان. ولعل أهمية الحق في التعليم تكمن في دور الحق في التعليم في تمكين وتقوية الحقوق الأخرى، حيث أكدت المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه "لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يُوفَّر التعليم مجانًا على الأقل في مرحلته الإبتدائية والأساسية، ويكون التعليم الأساسي إلزاميًا. وأن يكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم". كما ويؤكد الإعلان العالمي على أن "حق التعليم يجب أن يستهدف التنمية الكاملة للفرد, وأن يعزز التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم وجميع الفئات". كما تضيف الفقرة الثالثة من نفس المادة على أن للآباء سبيل الأولولية في اختيار نوع التعليم الذي يقدم لأولادهم وذلك باعتبار أن حرية التعليم هي حق لكل إنسان يخضع لغيره من الحريات الأساسية في الدولة التي يعيش فيها الفرد بهدف حماية حقوق الإنسان وتحقيق المصلحة العامة للناس .
كما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحده لعام 1966م على الحق في التعليم، كما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع إعطاء أهمية لربط عملية التعليم في التنمية، حيث نصت المادة 13 من العهد على: "تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم. وهي متفقة علي وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلي توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهي متفقة كذلك على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر، وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الإثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم ".
تطالب سام في نهاية هذه الورقة القانونية, المجتمع الدولي بضرورة التدخل وتمكين الأطفال اليمنيين من ممارسة حقهم في الحصول على التعليم أسوة بباقي أطفال وطلاب العالم. مشددة على أهمية التحرك الفعلي والعمل على إيقاف ممارسات جماعة الحوثي وتقديم الضمانات الكفاية لتمتع الطلبة اليمنيين بحقوقهم الكاملة.