جنيف- قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف ال 10 من كانون الأول/ ديسمبر، من كل عام يجسد فينا الكثير من قيم النضال والتحدي، في ظل تهديدات كبرى تواجهها القيم الحقوقية التي نادى بها الإعلان الأول لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر ١٩٤٨، وأبرزها على الإطلاق استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرض كأطول استعمار في تاريخ العصر الحديث، وتشريد شعبه، في ظل عجز أممي ودولي معيب على وقف جريمة الابادة الجماعية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة وفقا لمعاهدة مناهضة الإبادة الجماعية، وعدد آخر من الجرائم والانتهاكات المتعلقة بالأطفال والنساء، وسط تشجيع مخزٍ من دول تبنت خطاب حقوق الإنسان طوال الفترة الماضية ومازالت.
ورغم النجاحات التي تحققت خلال المسيرة الحقوقية الطويلة، وأولها كسر حاجز الخوف لدى الأفراد للمطالبة بحقوقهم، فإرث حقوق الانسان زرع فينا روح التحدي للوقوف في وجه أي مساس بالكرامة، وحقوق الإنسان، وبدا ذلك جليا في بروز أفراد ونشطاء ومؤسسات جاهدت طويلا وبذلت الجهد لضمان حصول كل فرد من أفراد المعمورة على حقوقه الأساسية وأعلاها الحق السياسي والاقتصادي. وثانيها إصدار إرث عالمي تراكمي من المعاهدات والاتفاقية الدولية التي شملت كل فئات البشر التي تعيش على وجه الأرض، وثالثها خلق شبكة عالمية تضامنية ومتعاونة في الضغط لانتزاع الحقوق التي أصبحت في بعض الدول جزء لا يتجزأ من الحياة العامة والقانونية، وتطورت المؤسسات الأممية والأقلية التي تعمل جنباً إلى جنب مع المنظمات غير الحكومية لمراقبة تطبيق حقوق الإنسان والحد من استمرارها، ورابعها التقدم في طريق المحاسبة الجنائية التي مازالت بحاجة لمزيد من التجرد والنضال، حتى تصل إلى مستوى يصعب الشك في قدرتها على الإنصاف، وبعدها من الحسابات والتأثيرات السياسية، إلا أن المواطن العربي في العالم ككل والعربي بشكل خاص يرقب عدد من الإخفاقات المروعة خلال العشر السنوات الماضية، هزت الثقة بمنظومة حقوق الإنسان، والمؤسسات القائمة على مراقبة تطبيقها، والمجتمع الغربي الداعم لها، وتتجسد هذه الاخفاقات في الانحياز إلى صف الاستبداد في ثورات الربيع العربي، والتخلي عن الخيار الديمقراطي الذي بدأت فيه بعض الدول، ما شكل سقوط مدوٍ وصدمة في وعي الشباب العربي الذي حلم طويلا للوصول الى هذه اللحظة متسلحا بثقافة حقوق الإنسان، حتى عندما خرج الى الشارع سكب دمه الذي لم يقدر ولم يحترم من قبل الدول الغربية المنادية بحقوق الإنسان والمسار الديمقراطي، حيث مورست انتهاكات مروعة ضد حق الشعوب في اختيار حكامها، لصالح الانظمة العسكرية الانقلابية، والمليشيات المسلحة كالعراق واليمن وسوريا، حيث عانت اليمن بسبب سياسة الكيل بمكيالين الغربية ويلات الحرب والتي جعلتها من أكثر الدول معاناة في الجانب الإنساني، وتمزقت المؤسسات، وقتل اكثر من ٣٠٠ الف حسب احصائيات أممية، ومورست انتهاكات مروعة كالاعتقالات التعسفية والتعذيب والإخفاء القسري، وتفجير البيوت، ونهب الممتلكات الخاصة، والتضييق على حرية التعبير، وإصدار أكثر من ٥٠٠ حكم إعدام ضد الخصوم السياسيين والنشطاء والصحفيين من قبل محاكم تابعة لجماعة الحوثي .
ثانيا هذه الإخفاقات تمثلت في عجز المؤسسة الأممية والمجتمع الدولي عن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ومنح الشعب الفلسطيني حقه في الاستقلال الوطني، والعيش بكرامة كبقية شعوب العالم، ووقف حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة، وهي حرب ليست حديثة بدأت في السابع من أكتوبر بل هي حرب ممتدة منذ ١٩٤٨ تاريخ الإعلان الإسرائيلي عن دولته الاستعمارية فوق التراب الفلسطيني، حيث لاحظ شعوب العالم التواقة للحرية انكشاف مريع لاختبار مصداقية المؤسسة الأممية، والدول الاعضاء فيها، وظهرت بحالة موت سريري، لم تستطع حتى حماية مؤسساتها داخل قطاع غزة او العاملين فيها، بل مورس نوع من التهديد غير المقبول في حق الأمين العام للأمم المتحدة ، عند استخدام حقة القانوني المتمثل في المادة ٩٩ من ميثاق الأمم المتحدة ، في حين غاب صوت قوي وجرئ للمفوض السامي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان عن المشهد المروع، رغم الانتهاكات الجسيمة والمروعة لميثاق روما .
ثالثا هذه الإخفاقات والتراجع المخيف في الالتزام بحقوق الإنسان، بما في ذلك الدول الغربية ومؤسسات التواصل الكبرى التي تراجعت عن الالتزام بحرية الرأي تحت مبررات متعددة وبرز ذلك جليا في التعاطف مع غزة، حيث قيد فيس بوك وصل المنشورات الخاصة بفلسطين والتعاطف مع الضحايا في سياسة تمييزية واضحة، إضافة إلى بروز سياسة تمييز وتخويف من قبل بعض الدول المناصرة لإسرائيل، والتهديد بإجراءات عقابية، حيث يخشى العديد من النشطاء استمرار هذا التراجع إلى درجات تتساوى فيها دول العالم الحر مع الدول الديكتاتورية في سن القوانين وفرض إجراءات مشددة في قضايا مصيرية كالجنسية والوظائف وغيرها .
وبينت المنظمة أن في هذا اليوم يجب أن نكون اكثر وضوحاً في نقد التسيس المخل لقضايا حقوق الانسان على حساب الضحايا وحقوق الإنسان الضامنة للحرية والكرامة والعيش الكريم وترك الضحايا نهب للانتهاكات التي لا تتوقف، خاصة في الحرب المشتعلة دون تمييز بين الأطفال والنساء والمحاربين. وأن تجاهل الصرخات المرتفعة في ارجاء المعمورة لصالح حسابات سياسية واقتصادية امر صادم، ويعكس حالة التدهور الأخلاقي للدول التي تعاهدت على حماية حقوق الإنسان دون تمييز على أساس اللون أو الدين او العرق او اللغة، ما اضعف فاعلية الأمم المتحدة ومؤسساتها العاملة في الميدان وهز الثقة الشعبية بالأدوار الإيجابية للدول الراعية لحقوق الانسان.
حان الوقت لرفع الصوت عاليا، والاعلان بان إغلاق القرارات المصيرية على رغبة الدول لن يقود إلا الى انطفاء الشمعة التي أضاءت في ١٠ ديسمبر ١٩٤٥، والمطالبة بأن يكون هناك دور فاعل للمنظمات الحقوقية المستقلة وأن تكون شريك إيجابي وفاعل لتمثيل الضحايا والمجتمع المدني المستقل، وإحداث توازن فاعل في الدور المستقبلي، ندرك أن ذلك قد يكون صعب المنال في ظل الهيمنة التي تلعبها بعض الدول، لكن مهم أن يوضع على الطاولة ويبدأ العمل عليه للوصول إليه .
وقد عبرت المنظمة عن استغرابها واستهجانها لانحراف البوصلة الأخلاقية للعديد من الدول الأوروبية عبر تصريحات مسئوليها في دعم إسرائيل بالحق في الدفاع عن نفسها وغض الطرف عن الجرائم التي راح ضحيتها أكثر من 20 ألف فلسطيني 40 % منهم من النساء والأطفال الآمنين الذين قُتلوا في بيوتهم وأماكن نزوحهم مثل المستشفيات والمدراس التابعة للأمم المتحدة، الأمر الذي يظهر موافقة ضمنية من تلك الدول على استمرار إسرائيل في جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي تحصد آلاف الأرواح منذ أكثر من 60 يوم.
تشدد المنظمة على أن هذا اليوم الدولي فرصة مهمة لتذكير المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي بمعاناة أكثر من 2 مليون فلسطيني يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي منذ أكثر من 17 عام في أكبر سجن عرفه التاريخ الحديث، يضاف لذلك الحرب المستمرة والتي تشهد في كل لحظة قتل العشرات وقصف البيوت على رؤوس سكانها وضرب المستشفيات والبنى التحتية وحتى المباني الأممية.
لا بد من التأكيد على أهمية انحياز المجتمع الدولي بكافة مكوناته لحقوق الأفراد ودعم المساءلة الجنائية الدولية عبر محكمة الجنايات والمحاكم الخاصة لضمان تقديم المتورطين من قيادات الجيش الإسرائيلي والقيادات السياسية المتورطة بجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب لينالوا الجزاء الذي يستحقوه نظير ما ارتكبوه من جرائم يندى لها جبين الإنسانية.
في الختام نؤكد على أن الدور السلبي للمجتمع الدولي في تعامله مع القضية الفلسطينية وانحيازه للجلاد على حساب الضحية يحمله النتائج غير المتوقعة لاستمرار الحرب على القطاع المحاصر ويؤخر أي تقدم ملموس وحقيقي في تمتع الفلسطينيين بالديمقراطية والعدالة، الأمر الذي يوجب على مكونات وأفراد المجتمع الدولي بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها من الجهات لممارسة دور أكبر وأقوى تجاه فلسطين من أجل ضمان تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في بلد يخلو من الانتهاكات والحرمان من الحقوق الأساسية التي كفلها القانون الدولي.