جنيف- وجهت منظمة "سام" للحقوق والحريات رسالةً بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، دعت فيها إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفيًا، والكشف عن مصير المخفيين قسرًا، وإنهاء معاناة الأسر التي تنتظر عودة ذويها منذ سنوات. وأكدت المنظمة في رسالتها أن رمضان ليس مجرد مناسبة دينية، بل فرصة لترسيخ قيم العدالة والإنصاف، وإظهار الإرادة الحقيقية لتحقيق المصالحة، مشددة على أن استمرار هذه الانتهاكات يشكل عقبة أمام أي جهود لبناء سلام مستدام في اليمن. كما طالبت "سام" جميع الأطراف بالتوقف عن استخدام الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري كأدوات للصراع، والعمل على إنهاء معاناة آلاف العائلات التي تعيش في حالة انتظار دائم لعودة أحبائها.
نص الرسالة:
مع حلول شهر رمضان، تلوح في الأفق معاني الرحمة والتسامح، وتتجدد الدعوات لإعلاء القيم الإنسانية التي تصون كرامة الإنسان وحقوقه. لكن في اليمن، حيث الحرب أرهقت البلاد وأثقلت كاهل الشعب، يظل آلاف الأبرياء محرومين من أبسط حقوقهم، في زنازين مظلمة، بينما تنتظر عائلاتهم أي بصيص أمل في عودتهم.
رمضان ليس مجرد شهر للعبادة، بل هو فرصة لمراجعة المواقف وتصحيح الأخطاء، وهو كذلك تذكيرٌ بأن العدالة لا تتجزأ، وأن المصالحة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق دون إنصاف الضحايا وإعادة الحقوق لأصحابها، ذلك أن استمرار الانتهاكات بحق المدنيين والمعتقلين، وغياب المساءلة، ليس مجرد إخلالٍ بالقيم الأخلاقية، بل هو عقبة حقيقية أمام أي أفق للسلام العادل والمستدام.
لقد دخلت اليمن عامها الثاني عشر من النزاع، وما زالت السجون تغص بالمعتقلين تعسفيًا والمخفيين قسرًا، دون محاكمة عادلة، ودون أن يُمنحوا حتى فرصة الدفاع عن أنفسهم، وهذه الانتهاكات لم تعد مجرد مأساة فردية لعائلات المفقودين والمعتقلين، بل أصبحت جرحًا نازفًا في جسد المجتمع، يعمّق الانقسامات ويزيد من معاناة المدنيين.
إننا في منظمة "سام" نؤكد أن الإفراج عن المعتقلين والمخفيين قسرًا ليس مجرد مطلب إنساني، بل هو استحقاق قانوني، تأخر تحقيقه كثيرًا، فلا يجوز أن يُترك أبرياء خلف القضبان لأسباب سياسية، أو أن يُستخدم الاعتقال التعسفي وسيلة للضغط والتفاوض. في المقابل، فإن استمرار هذه الممارسات يُظهر بوضوح الحاجة الملحة لإصلاح شامل في منظومة العدالة، وضمان عدم تكرار هذه المآسي في المستقبل.
وراء كل معتقل، هناك أسرة مفككة، هناك أم تقضي لياليها تنتظر خبرًا عن ابنها، وأب يمضي أيامه متحسرًا على سنواتٍ ضاعت خلف القضبان، وطفلٌ يذهب إلى المدرسة متسائلًا لماذا الجميع يعود إلى والديه إلا هو؟.
إن الأثر الاجتماعي لهذه الممارسات يتجاوز الألم الفردي، ليؤسس لمجتمع مثقل بالفقد والخوف وعدم الاستقرار، ومن هذا المنطلق فإن إنهاء معاناة هؤلاء الأبرياء ليس مجرد عمل إنساني، بل هو استثمار في بناء مجتمع أكثر عدالة وسلامًا.
نؤمن أن رمضان يجب أن يكون موسمًا للعدالة، لا مجرد موسم للوعود، وأن العفو الحقيقي يبدأ حين تُرد الحقوق إلى أصحابها. إن المبادرات السياسية قد تتأجل، والمفاوضات قد تتعثر، لكن العدالة لا يجب أن تكون رهينة المصالح، ولا يمكن أن تظل الحرية ورقة تفاوض.
إننا في منظمة "سام" نوجه نداءً عاجلًا إلى جميع الأطراف في اليمن، لاغتنام هذه الفرصة، وإظهار الإرادة الحقيقية لإنهاء هذه الانتهاكات، لأن السلام لا يمكن أن يُبنى على الظلم، ولا يمكن أن يُكتب تاريخ جديد لليمن دون أن يكون قائمًا على العدالة والمصالحة.
وندعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفيًا، والكشف عن مصير المخفيين قسرًا، والسماح لعائلاتهم بالتواصل معهم، بالإضافة إلى وقف الاعتقالات السياسية، واحترام حرية التعبير وحقوق الإنسان، وتقديم الدعم والرعاية الصحية والنفسية للمفرج عنهم وأسرهم، لتعويضهم عن سنوات القهر والحرمان.
إننا في منظمة "سام" نناشد كل صاحب نفوذ، كل مسؤول، كل شخص يستطيع أن يكون همزة وصل بين الأطراف، أن يتحرك، أن يبادر، أن يكتب قصة إنسانية جديدة تُروى للأجيال القادمة، قصة عن رجالٍ أوقفوا الألم، وأعادوا الأسرى إلى بيوتهم، وانتصروا للرحمة والعدل في شهر الرحمة والعدل. لا تجعلوا الخوف من اللوم أو التعقيدات السياسية يمنعكم من فعل الصواب، ولا تتركوا حسابات المصالح تطغى على نداء الإنسانية. اليوم، أنتم تملكون القدرة على صنع الفرق، على منح الأمل، على فتح الأبواب المغلقة، فكم من حياة يمكن إنقاذها بموقف شجاع؟ وكم من دمعة يمكن مسحها بكلمة حق؟ إن الفرص لا تبقى مفتوحة إلى الأبد، ورمضان هو التوقيت الأمثل ليكون للسلام صوتٌ، وللرحمة يدٌ تمتد، وللأسرى طريقٌ يعود بهم إلى أحضان عائلاتهم.