جنيف- قالت منظمة سام للحقوق والحريات في بيان لها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة إن معاناة النساء في اليمن قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة بسبب الحرب المستمرة والانهيار الاقتصادي والاجتماعي، حيث باتت النساء والفتيات أكثر الفئات تضررًا من النزاع، ويتعرضن لانتهاكات جسيمة تطال مختلف جوانب حياتهن اليومية، لافتةً إلى أن المرأة اليمنية تواجه واقعًا قاسيًا يشمل العنف القائم على النوع الاجتماعي، والاعتقال التعسفي، والتهميش السياسي، والاستغلال الاقتصادي، وسط غياب أي إجراءات فاعلة لحمايتهن أو تمكينهن من الوصول إلى العدالة والحقوق الأساسية.
وأشارت المنظمة إلى أن النساء يشكلن حوالي 80% من إجمالي النازحين البالغ عددهم 4.5 مليون شخص في اليمن، فيما تتولى النساء رئاسة ربع الأسر النازحة، وهو ما يزيد من تعرضهن لمخاطر الاستغلال والزواج القسري والعنف الجنسي. وبحسب تقارير دولية، فإن أكثر من 6.3 مليون امرأة وفتاة في اليمن بحاجة ماسة إلى خدمات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بينما تفتقر معظمهن إلى الدعم الكافي بسبب تفكك النظام القانوني والاجتماعي.
وأكدت منظمة سام أن غياب آليات الحماية القانونية وعدم محاسبة الجناة قد ساهم في تفشي الإفلات من العقاب، مما جعل العنف ضد النساء أمرًا شائعًا في المجتمع اليمني. فالنساء اللواتي يتعرضن للعنف نادرًا ما يحصلن على الدعم القانوني أو النفسي اللازم، فيما يواجهن خطر الوصم الاجتماعي أو الانتقام في حال تقدمهن بشكاوى ضد المعتدين، موضحةً أن التقارير الحقوقية الصادرة عن منظمة العفو الدولية تشير إلى أن العادات والتقاليد السائدة ما زالت تلعب دورًا كبيرًا في قمع أصوات النساء وإجبارهن على التعايش مع العنف دون أي حماية فعلية.
كما سلط البيان الضوء على قضية الاعتقالات التعسفية التي تطال النساء، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، مبيناً أن التقارير الصادرة عن "سام" وثقت قيام السلطات باحتجاز مئات النساء في سجون سرية دون أي إجراءات قانونية، حيث يتعرضن للتعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك الاعتداء الجنسي، فضلًا عن إجبار بعضهن على الإدلاء باعترافات تحت الإكراه. وأوضحت المنظمة أن هذه الانتهاكات تُرتكب في ظل تواطؤ الأجهزة الأمنية وتجاهل المجتمع الدولي، مما يزيد من معاناة المعتقلات وعائلاتهن.
اعتقلت جماعة الحوثي في يونيو 2024 رئيسة قسم المعلومات في المعهد الديمقراطي الأمريكي (NDI) رباب المضواحي وزوجها ضمن حملة اعتقالات استهدفت موظفي الأمم المتحدة وأعضاء المجتمع المدني في صنعاء، دون تقديم مبررات قانونية واضحة، وعلى الرغم من المناشدات المتكررة من عائلتها والمنظمات الحقوقية، لم يُسمح لها بالتواصل مع أسرتها أو الحصول على حقوقها القانونية. وفي 18 فبراير 2025، توفيت والدة رباب المضواحي، في العاصمة الأردنية عمان، بعد تدهور حالتها الصحية إثر احتجاز ابنتها لأكثر من 8 أشهر دون محاكمة أو توجيه تهم رسمية. وأكدت مصادر حقوقية أن والدة المضواحي تعرضت لأزمة صحية مفاجئة بعد احتجاز ابنتها، وتدهورت حالتها بشكل متسارع إلى أن أعلن عن وفاتها يوم الاثنين 18 فبراير في عمان، ولم يُسمح لرباب بحضور جنازة والدتها أو وداعها، ما يعد انتهاكًا إضافيًا لحقوق المعتقلين وأسرهم.
وفي 5 ديسمبر 2023، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، حكمًا بالإعدام على الناشطة الحقوقية فاطمة العرولي، بتهمة "إعانة دولة عدوة" (الإمارات العربية المتحدة)، وذلك بعد محاكمة افتقرت إلى الضمانات القانونية الأساسية، حيث تم توجيه تهم ذات دوافع سياسية للعرولي دون توفر محاكمة عادلة. وخلال فترة احتجازها، حُرمت العرولي من حقوقها الأساسية، بما في ذلك التمثيل القانوني والتواصل مع عائلتها. أفاد المحامي عبد المجيد صبرة بأن التهم الموجهة إليها كانت مبنية على افتراضات وصياغات فضفاضة دون أدلة حقيقية، مشيرًا إلى أن جماعة الحوثي تستخدم القضاء لإضفاء الشرعية على ملاحقتها للنشطاء والصحفيين والحقوقيين.
بتاريخ 24 سبتمبر 2022، اعتقلت السلطات في مأرب الناشطة الصحية يسرى محمد شاطر، 38 عامًا، أثناء عملها ضمن حملة تحصين ضد فيروس كورونا (Covid-19) بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية (WHO)، حيث تم احتجازها من فندق الأسطورة في مدينة مأرب، رغم تكليفها الرسمي بالمهمة. ومنذ اعتقالها، تعرضت شاطر للتضييق والمنع من الزيارات، ولم تُوفَّر لها احتياجاتها الأساسية، خصوصًا تلك المتعلقة بوضعها كامرأة.
وبعد أكثر من عام على احتجازها، أحيلت شاطر إلى الأمن المركزي، حيث قررت النيابة العامة الإفراج عنها بضمان، إلا أن السلطات لم تنفذ القرار، وفقًا لإفادة عائلتها التي كشفت عن انتهاك خطير للحقوق الأساسية التي يكفلها القانون اليمني، لا سيما قانون الإجراءات الجزائية، مما يعكس سلوكًا غير قانوني ومثيرًا للقلق من قبل السلطات في مأرب، التي تصر على احتجاز الأفراد دون أي مبرر قانوني واضح.
كما تعرضت الممثلة وعارضة الأزياء اليمنية انتصار الحمادي للاعتقال التعسفي في فبراير 2021 على يد سلطات الحوثيين في صنعاء، حيث حُكم عليها بالسجن خمس سنوات بتهم واهية لا تستند إلى أي أساس قانوني. وأفادت التقارير بأنها تعرضت للتعذيب وسوء المعاملة داخل السجن، في إطار قمع ممنهج يستهدف النساء الناشطات في اليمن. إلى جانب سجنها، تعرضت الحمادي لحملة تشهير عبر وسائل الإعلام التابعة للحوثيين، حيث استخدمت الجماعة خطابًا تحريضيًا لتشويه سمعة النساء الناشطات والصحفيات، في محاولة لإسكات أصواتهن.
وأشارت منظمة سام إلى أن التقارير الحقوقية قد وثقت الانتهاكات الواسعة التي تمارسها جميع أطراف النزاع في اليمن ضد حرية تنقل النساء، حيث تفرض جماعة الحوثي منذ عام 2022 قيودًا صارمة تُعرف بـ “نظام المحرم”، والذي يُلزم النساء بالحصول على إذن ولي أمرهن الذكر قبل السفر داخل البلاد أو خارجها، وأضافت أن هذا القرار أدى إلى حرمان آلاف النساء من فرص العمل والتعليم والعلاج الطبي، مما عمّق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعانين منها، مبينةً أن الانتهاكات لا تقتصر على الحوثيين فحسب، بل تمتد أيضًا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا والسلطات المحلية المدعومة من التحالف، حيث تُفرض قيود أمنية تعسفية تعرقل تنقلات النساء، وتُمارس المضايقات والتحريض ضد الناشطات، مما يزيد من تهميشهن في الحياة العامة.
ولفت البيان الصادر عن "سام" إلى تصاعد العنف الإلكتروني ضد النساء، حيث يتم استهداف الصحفيات والناشطات الحقوقيات بحملات تشويه وابتزاز إلكتروني بهدف إسكاتهن وإجبارهن على مغادرة الفضاء العام. وذكرت المنظمة أن هذه الهجمات لا تقل خطورة عن العنف الجسدي، حيث تؤدي إلى تدمير السمعة وخلق بيئة معادية تمنع المرأة من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، وفقًا للمركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية، أكدت منظمة سام أن النساء في اليمن يعانين من أعباء متزايدة نتيجة تفاقم الفقر وانهيار الاقتصاد، حيث تُجبر العديد منهن على العمل في ظروف قاسية وغير آمنة، بينما يتعرضن للاستغلال الاقتصادي بسبب غياب أي حماية قانونية لأجورهن وحقوقهن في مكان العمل. وأشارت المنظمة إلى أن العنف الاقتصادي يشكل أحد أكبر التحديات التي تواجهها النساء في اليمن، حيث تُحرم العديد منهن من الميراث، أو يتم إجبارهن على التخلي عن ممتلكاتهن لصالح أقارب ذكور.
وشددت "سام" على أن استمرار هذه الانتهاكات بحق النساء في اليمن يعد انتهاكًا صارخًا لالتزامات اليمن الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، خاصة تلك المتعلقة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، والتي وقع عليها اليمن منذ عقود، وهو ما يحتم على الحكومة اليمنية وسلطات الأمر الواقع في مختلف المناطق، وكذلك المجتمع الدولي، اتخاذ خطوات فورية لحماية النساء والفتيات من جميع أشكال العنف والانتهاكات.
ودعت منظمة سام للحقوق والحريات جميع الأطراف اليمنية، وكذلك المجتمع الدولي، إلى اتخاذ خطوات فورية وجادة لحماية النساء من جميع أشكال العنف والانتهاكات. وشددت على ضرورة العمل على إلغاء القيود المفروضة على حرية النساء، وتعزيز مشاركتهن في الحياة السياسية والاقتصادية، وضمان وصول الناجيات من العنف إلى العدالة، واتخاذ تدابير صارمة ضد مرتكبي الانتهاكات، مطالبةً بزيادة دعم البرامج الإنسانية والحقوقية التي توفر الحماية والمساعدة القانونية والنفسية للنساء في مختلف أنحاء اليمن.
ونوهت المنظمة بأن النهوض بحقوق المرأة في اليمن ليس مجرد قضية إنسانية، بل هو شرط أساسي لتحقيق السلام والاستقرار في البلاد، مضيفةً أن تمكين النساء وحمايتهن هو مسؤولية جماعية تتطلب تحركًا حقيقيًا من قبل الحكومة، والمجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية، لضمان مستقبل أكثر عدلًا وأمانًا لجميع النساء والفتيات اليمنيات.