
جنيف - بعد أربع سنوات وثمانية أشهر وأربعة أيام من الاعتقال الجائر، خرجت اليوم انتصار الحمادي من سجن الجماعة التي نصّبت نفسها وكيلة عن الله، وأقامت على أنقاض العدالة منظومة قمعية ترى في المرأة الحرة تهديداً، وفي الجمال جريمة، وفي الاختلاف خطيئة. إن خروج انتصار ليس منّة من سجّانيها، بل حقٌّ أصيل سُلب منها، واستعادته لا تُسقط واجب المطالبة بالإنصاف والمحاسبة وجبر الضرر.
إننا أمام جريمة مركّبة لم تبدأ بالاعتقال التعسفي في 20 فبراير 2021، ولم تنتهِ بخروجها اليوم؛ بل هي مرآة لنظامٍ يحاكم الناس على ملامحهم وأفكارهم وألوانهم، لا على أفعالهم، ويعيد صياغة الوعي الاجتماعي تحت سطوة الخوف. لقد تحوّل القانون في مناطق سيطرة الجماعة إلى خطابٍ ديني مسلّح يجرّم الحرية، ويقدّس الطاعة، ويعيد إنتاج العبودية في ثوبٍ جديد.
انتصار الحمادي ليست مجرد فتاة خرجت من السجن، بل هي صورة لامرأة يمنية حُوصرت لأنها جميلة، وقُهرت لأنها مختلفة، وأُهينت لأنها واجهت سلطتهم بكرامتها. في كل لحظة كانت تُستدعى فيها للتحقيق، كانت تُحاكم فيها أنوثتها قبل إنسانيتها، وتُجلد صورتها قبل صوتها.
تعرضت للتعذيب الجسدي والنفسي، للإكراه على الاعتراف، للإهانات العنصرية والتمييز الطبقي، وللاعتداء على خصوصيتها وكرامتها عبر طلب إخضاعها لفحص العذرية القسري. رفضت، بصمتٍ يضجّ بالكرامة، أن تتحوّل إلى أداة في أيدي سجّانيها حين عرضوا عليها الحرية مقابل الخيانة، فاختارت الأسر على أن تُباع روحها في سوق السلطة.
وفي خلفية هذا المشهد، كانت أسرتها تعيش سجنًا موازيًا. أمّها التي فقدت النوم والسكينة، وأبوها الكفيف الذي لم ير وجه ابنته إلا في خياله، وأخاها المعاق الذي ينتظر صوتها ليهدأ قلبه. تلك العائلة الصغيرة حملت عبء الصمت والعار الزائف الذي حاول الجلاد أن يزرعه في الناس، فقاوموا بالنَفَس، بالإيمان، وبانتظارٍ طويل أنهك أرواحهم.
إن وجع انتصار ليس وجعاً فردياً، بل وجعٌ سرمدي تعيشه كل النساء في السجون الحوثية، حيث يتحوّل الجسد إلى ميدان حرب، والأنوثة إلى تهمة، والصمت إلى نجاة مؤقتة. فهناك خلف الجدران عشرات النسوة اللواتي يواجهن ذات المصير: الحرمان، والإهانة، والوصم الاجتماعي، والعقاب المزدوج من سلطةٍ ومن مجتمعٍ صمت طويلاً أمام الجريمة.
لقد فشل المجتمع — بسلطاته ونُخَبه ومؤسساته — في حماية نسائه من الانتهاك، بل كثيراً ما أعاد إنتاج خطاب الجلاد بلغة الخوف أو التبرير. وبدل أن يتضامن، آثر الصمت، متناسياً أن السكوت على الظلم مشاركة في الجريمة. إن حرية انتصار امتحانٌ أخلاقيّ لنا جميعاً: هل نملك الشجاعة لنسمي الأشياء بأسمائها، ونواجه الباطل حين يتدثر بثوب الدين والأعراف؟
إن العدالة الحقيقية لا تُختزل في الإفراج عن الضحية، بل تبدأ حين يُحاسب الجلاد، وتُفتح ملفات التحقيق، ويُعترف بالانتهاك ويُعوَّض الضحايا مادياً ومعنوياً. فالشكر لا يُوجَّه إلى من أفرج بعد أن ظلم، بل إلى من قاوم الصمت وحمل الحقيقة حتى النهاية.
تدعو منظمة سام للحقوق والحريات إلى:
1. فتح تحقيق دولي مستقل في ظروف اعتقال وانتهاكات انتصار الحمادي، ومساءلة المتورطين وفق قواعد القانون الدولي.
2. تعويضها وجبر ضررها عن سنوات الاعتقال والتعذيب والإهانة.
3. إطلاق سراح جميع النساء والمعتقلين تعسفاً في سجون جماعة الحوثي، ووقف ممارسات القمع ذات الطابع الأخلاقي أو السياسي أو الطبقي.
4. حماية النساء اليمنيات من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتمكينهن من العدالة والمشاركة والكرامة.
إن خروج انتصار اليوم لا يطوي صفحة الألم، بل يفتح صفحة الذاكرة التي لا تموت.
وستبقى قصتها شاهدة على أن الحرية ليست منحة من الطغاة، بل استعادة لكرامةٍ أرادوا اغتيالها.
صادر عن منظمة سام للحقوق والحريات
جنيف – 25 أكتوبر 2025