استئناف غير قانوني يطيل معاناة الصحفي محمد المياحي
  • 02/11/2025
  •  https://samrl.org/l?a5639 
    منظمة سام |

    جنيف - أعربت منظمة سام للحقوق والحريات عن قلقها العميق واستغرابها البالغ إزاء استمرار السلطات القضائية التابعة لجماعة الحوثي في تسييس ساحة القضاء وتحويلها إلى أداة انتقامية ضد الصحفي محمد المياحي، في انتهاك صارخ للقانون اليمني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيما تلك التي تكفل الحق في المحاكمة العادلة وحرية الرأي والتعبير، مشيرةً إلى أنّ هذا السلوك يعكس استخفافًا واضحًا بسيادة القانون وتحويل العدالة إلى وسيلة لتكميم الأصوات المستقلة.

    أفاد محامي المعتقل، عمار ياسين، في حديثه لـ"سام" بأن وضع الصحفي محمد المياحي كان مستقرًا نفسيًا خلال الفترة الماضية، وكان ينتظر بشغف صدور قرار الإفراج عنه، إلا أن التطورات الأخيرة جاءت مخيبة للآمال. وأوضح أنه بعد تقديم فريق الدفاع لاستئنافهم في وقت سابق، تفاجأوا بإحالة ملف القضية إلى المحكمة الاستئنافية بذريعة وجود استئناف من النيابة، رغم أن النيابة كانت قد حصلت في الحكم الابتدائي على ما طلبته بالكامل، مضيفاً أن أحد أعضاء الشعبة الاستئنافية التي أحيل إليها الملف كان قد أبدى رأيًا صريحًا بعدم جدوى هذا الاستئناف، استنادًا إلى قاعدة قانونية مفادها أنه لا يُقبل الاستئناف ممن صدر الحكم لصالحه. كما لفت ياسين إلى أن فريق الدفاع كان قد تراجع عن التمسك باستئنافه، نظرًا لاقتراب موعد انتهاء العقوبة، معتبرين أنه لا داعي لعقد جلسة استئناف والحكم لم يتبقِ على نفاذه سوى شهرين فقط.

    وأشار ياسين إلى أنهم فوجئوا بنقل الملف إلى الشعبة الاستئنافية بحجة أن النيابة تقدمت بعريضة استئناف على الحكم، رغم أن فريق الدفاع لم يستلم تلك العريضة حتى الآن، وأن التأجيل الذي تم لم يُحدد له سقف زمني واضح. وأعرب عن أمله في أن تتصرف الشعبة الاستئنافية بحكمة وأن تحسم الملف، معتبرًا أن ما يحدث لا يعدو كونه "عبثًا لا طائل منه" ولا يحمل أي مبرر قانوني، خاصة مع اقتراب انتهاء مدة العقوبة. وختم بالقول إنهم ما يزالون يأملون أن تسير الأمور نحو الحل، وأن يتم التعامل مع الملف بما يضع حدًا لهذا التعطيل غير المبرر.

    وأشارت سام إلى أنها اطّلعت على منشور للمحامي عمار علي ياسين، محامي الصحفي المعتقل، عبّر فيه عن تفاجئه بتكليف حضور لجلسة استئناف أمام الشعبة الاستئنافية بالمحكمة الجزائية بحق الصحفي محمد المياحي، موضحًا أنه عند حضورهم تم تأجيل الجلسة بسبب تغيب أحد أعضاء الشعبة. ولفت ياسين إلى أن ما يثير الاستغراب هو أن النيابة الجزائية هي من تقدمت باستئناف الحكم الابتدائي، رغم صدوره لصالحها بالكامل، وهو ما يفقد الاستئناف أي مسوّغ قانوني وفقًا للقواعد المستقرة التي تمنع استئناف الحكم ممن صدر لصالحه. وأضاف أن فريق الدفاع لم يعد يرى جدوى من استئنافه هو الآخر، خاصة وأن المياحي أوشك على إنهاء مدة العقوبة ولم يتبقَ سوى أربعة أشهر فقط، متسائلًا كيف للنيابة التي كسبت الحكم أن تطعن فيه، معتبرًا ذلك محاولة للاستقواء على كاتب أعزل عبر حيل قانونية معيبة.

    وأكدت المنظمة أن محامي المياحي تلقّوا، في اليوم الذي يحيي فيه العالم ذكرى إنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، إخطارًا بحضور جلسة استئناف أمام الشعبة الاستئنافية للمحكمة الجزائية، رغم أن النيابة الجزائية كانت قد حصلت سابقًا على حكم ابتدائي مطابق تمامًا لطلباتها. وذكرت أن المفارقة الأكثر إثارة للقلق هي أن النيابة ذاتها هي من تقدّمت بالاستئناف، في مخالفة صريحة للمادة (409) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني التي تنص بوضوح على أنه «لا يجوز استئناف الحكم لمن صدر لصالحه»، وهو مبدأ قانوني راسخ في التشريعات المقارنة. ورغم أن الجلسة أُجّلت بحجة تغيب أحد القضاة، إلا أنّ هذا التأجيل، كما ترى سام، يكشف عن طابع عبثي يشي بنية مبيّتة لإطالة أمد معاناة الصحفي وحرمانه من حقه في الحرية، خصوصًا أنه قضى معظم مدة العقوبة ولم يتبقَ منها سوى أربعة أشهر فقط، بما يجعل إعادة فتح ملفه أقرب إلى حيلة قانونية تستهدف الإبقاء على معاقبته خارج إطار العدالة.

    وأوضحت سام أن هذه الممارسات لا تشكل فقط انتهاكًا للضمانات القانونية المحلية، بل تمثل أيضًا خرقًا مباشرًا للمادتين (14) و(19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللتين تضمنان حق كل إنسان في محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة ومحايدة، وفي حرية الرأي والتعبير دون خوف أو ملاحقة. كما تتعارض، على حد تعبيرها، مع المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على حرية التعبير، ومع المادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تمنح الصحفيين حماية خاصة أثناء النزاعات المسلحة وتحظر استهدافهم.

    وأشارت المنظمة إلى أن قضية المياحي لا تُعد حالة منفردة، بل تأتي ضمن نمط متكرّر من الاستهداف الممنهج للصحفيين والمدافعين عن حرية الكلمة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، حيث يجري استخدام المحاكم الجزائية الاستثنائية لإضفاء غطاء قانوني على الانتهاكات. ولفتت إلى أنها وثقت عشرات الحالات التي تعرّض فيها صحفيون لمحاكمات صورية وتعذيب واحتجاز تعسفي، في مخالفة صريحة للمواثيق الدولية ولما أكده قرار مجلس الأمن رقم 2222 (2015) بشأن حماية الصحفيين في النزاعات المسلحة.

    كما ذكرت سام أن الصحفي محمد المياحي، المعروف بكتاباته المستقلة ومواقفه النقدية، اعتُقل بسبب نشاطه الصحفي وتعرّض لمحاكمة تفتقر لأبسط ضمانات العدالة. ومع اقتراب موعد انتهاء محكوميته، يجد نفسه اليوم أمام استئناف لا يستند إلى أي مبرر قانوني، في صورة مؤلمة تعكس حجم الإفلات من العقاب الذي تتمتع به السلطات المنتهِكة، ومعاناة الضحايا المستمرة وأسرهم التي تتجدد مع كل إجراء تعسفي. وترى المنظمة أن هذا النهج يناقض التزامات اليمن الدولية، ويقوّض ما نص عليه إعلان مبادئ حرية الإعلام الصادر عن اليونسكو عام 1991، والذي يؤكد أن حرية التعبير شرط أساس لتحقيق الديمقراطية وصون الكرامة الإنسانية.

    ودعت منظمة سام المجتمع الدولي، وفي مقدمته المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمقررة الخاصة بحرية الرأي والتعبير، إلى تحرك عاجل يمارس ضغطًا جادًا على جماعة الحوثي لضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحفي محمد المياحي وسائر الصحفيين المحتجزين، وإلغاء الأحكام الصادرة عن المحاكم الجزائية الاستثنائية التي تفتقر للشرعية، وضمان استقلال القضاء ووقف استخدامه كأداة لتصفية الخصوم. كما شددت على ضرورة إنشاء آلية رقابة دولية خاصة لرصد الانتهاكات ضد الصحفيين في اليمن ومساءلة المتورطين فيها.

     

  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير