أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات، اليوم الخميس، تقريرًا جديدا سلط الضوء على خطاب التحريض والكراهية الصادر عن أطراف الصراع في اليمن، مبرزًا تأثير حدة تلك الخطابات على تصاعد حالة العنف داخل البلاد مع تطور أشكال خطاب الكراهية وتوسعه ليطال مجالات الحياة المختلفة.
واعتبر التقرير -الذي حمل العنوان «إنهم خطر» - أن خطاب الكراهية واحد من القضايا الرئيسية المقلقة التي برزت في الإعلام العربي وخاصة البلدان التي تعاني من اضطرابات داخلية وعدم استقرار سياسي، حيث أصبح هذا النوع من الخطابات حاضرًا بشكل يومي في المواد الإعلامية المنشورة والمسموعة والمشاهدة وحتى المواد المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، مُشّكلاً خرقًا واضحا لكل المواثيق والأعراف الدولية ذات الصلة.
وجادل التقرير بأن عملية رصد خطاب التحريض والكراهية في وسائل الإعلام تشكل أهمية كبيرة لكون هاتين الصفتين لا يمكن أن تبنيا ديمقراطية بل تشكلان تهديدا مباشرا وحقيقيًا للمنظومة الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، إلى جانب كونهما أدوات أساسية في تشكل الصدع والتفرقة داخل المجتمعات وخارجها.
وقالت سام إن الصراع السياسي المسلح حول السلطة في اليمن شمالا وجنوبا ساهم في تغذية خطاب الكراهية ، وانقسام المجتمع، خصوصًا مع غياب المصالحة القانونية التي تساهم في جبر الذاكرة الوطنية، مضيفًا أن الصراع المسلح الذي انفجر في اليمن منذ عام 2014 أدى إلى تنوع وزيادة حدة هذا الخطاب، كما وضاعف انتشاره، حيث تستخدم الأطراف المتنازعة الخطاب العنصري والتعصب لتشجيع أتباعها على القتال والتمييز ضد الآخر.
وأورد التقرير الصادر عن سام بعضًا من أسباب تفشي خطاب الكراهية بما فيها حالة الفقر والبطالة والتي ساهمت في بروز انقسام طبقي داخل المجتمع، وتفاوت في مستوى دخل الفرد، مما دفع بعضهم إلى استخدام خطاب الكراهية كوسيلة للتعبير عن غضبهم واستيائهم.
وأضاف أن التدخل الخارجي في اليمن أدى إلى تعميق الصراع بين الأطراف اليمنية، وزيادة في خطاب الكراهية النابع من خلفيات ثقافية وفكرية مختلفة للدول المتدخلة في الشأن اليمني، بالإضافة إلى ما أفرزه الانفتاح الإعلامي وتأسيس القنوات الفضائية والإذاعات المحلية من تغذية خطاب الكراهية من خلال تبني وجهة نظر أطراف الصراع في اليمن والترويج لها، بصورة أدت إلى انقسام المجتمع وتفشي مصطلحات تروج للكراهية والإقصاء ضد الطرف الآخر.
وأوضح أن خطاب الكراهية شكَّل أحد أهم أدوات الصراع السياسي الراهن في اليمن، إذ تأثرت وسائل الاتصال والإعلام فيه بحالة الانقسام والصراع العنيف من جهة، وكانت إحدى أدواته وساحاته الخطيرة، إذ طغى على خطابها الاتصالي لغة الكراهية والعنف المتبادل بين أطراف الصراع، وكان أثر ذلك وخيماً على انقسام المجتمع نحو مزيد من التشظي.
ولفت إلى أن جميع أطراف الصراع المختلفة، عمدت منذ بداية الصراع، إلى خطاب الكراهية والتحريض وحشدت كل أدواتها الفكرية والدينية والتاريخية، من أجل تبرير ممارساتها وإلغاء الآخر، كما أنها ملأت عقول الأفراد بأفكار الانتقام والنزاعات القبلية والتفرقة العنصرية، التي كان لها الأثر في تعميق الانتهاكات بحق المدنيين لا سيما الأطفال والنساء.
وتابع التقرير: انعكست الأحداث في اليمن على اللغة الإعلامية والمشهد الإعلامي، كما انعكس بالضبط خطابُ الكراهيَة على الأحداث ذاتها؛ ما أدّى إلى تأجيج المشاعر الطائفية تحديدًا، مع ما يتضمّن هذا التأجيج من رفض للآخر، والحضّ والتحريض بِناءً على خصائص، العنصر أو اللون أو النطاق الجغرافي أو الانتماء القبَلي أو الأصل القومي أو الجنس أو الإيدلوجيا السياسية أو المذهبية.
واستدل التقرير بآراء صحفيين حول فوضوية المشهد الإعلامي في البلاد، إذ تحضر غالبية وسائل الإعلام في القوائم السوداء عند الحديث عن مضامينها المكدسة بخطابات الكراهية والتحريض على العنف، علاوةً على أن السلام يغيب كمفردة وكقيمة في التشريعات الإعلامية ومواثيق الشرف المهنية التي وضعت منذ عقود.الأمر الذي يتطلب إحياء السلام كقيمة غائبة، وثقافة مهملة في الأداء المهني لهذه الوسائل والقائمين عليها.
وكنماذج على استخدام الأطراف المتصارعة لخطاب الكراهية، ذكر التقرير أن الحوثيين يروجون لذلك عبر عدة قنوات كالوسائل الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي ومنابر المساجد والمدارس والمراكز الصيفية، وفي هذا الإطار يشير إلى أنه ومع كل عام تتحول المدارس في مناطق سيطرة الحوثيين، إلى بؤرة لتصدير العنف ومشاريع الموت والنعرات الطائفية وتغذية خطاب الكراهية وضرب التعايش والسلم المجتمعي.
ويضيف: مع فصل الصيف يبدأ الحوثيون بترتيبات واستعدادات غير مسبوقة لفتح أبواب المدارس وتحويلها إلى ما بات يعرف بـ " المراكز الصيفية" التي تعد بمثابة، مصنع تصدير الفكر المتطرف كما يصفه ناشطون وحقوقيون، لتحويل آلاف من الأطفال اليمنيين إلى قنابل موقوتة تنفجر في المستقبل القريب، وتترك مأساة من مآسي الحرب التي يتجرعها اليمنيون منذ ثماني سنوات.
وحذرت سام من أن هذه المراكز تغذي لدى الأطفال خطاب العنف والكراهية ورفض التعايش، وهو أخطر ما تنتجه، إذ يتم شحن الأطفال بخطاب طائفي عنصري، خطاب يفتقر إلى التعايش والتسامح مع الآخرين، ويسمم أفكارهم، مضيفًا أن مراكز الحوثي الصيفية تعد مراكز تدريبات عسكرية يلقن فيها الطلاب أثناء التدريبات الشاقة شعارات عدائية متطرفة، وقسم الولاية للحوثي، فهي تجمع بين التأهيل القتالي وزراعة الفكر العدائي المتطرف، والذي يبقيهم كقنابل موقوتة وألغام مستقبلية لا تنتهي بزوال مليشيا الحوثي.
من جانب آخر، أشارت سام إلى تطور خطاب الكراهية في جنوب اليمن حيث بدا أن هناك علاقة تداخلية بين الكراهية في الواقع والخطاب الإعلامي والسياسي، على ضوء التداعيات التي أحدثتها التجاذبات السياسية داخل اليمن ومحاولات تقسيم البلاد من خلال سيطرة أحزاب سياسية ذات خلفيات دينية على مناطق واسعة من البلاد وإخضاعها تحت حكمها. هذا بالإضافة لما تلا ذلك من أحداث بفعل الشحن الخطابي الذي يساهم في تدمير النسيج المجتمعي، ويؤسس لصراع بنيوي على المدى البعيد.
ونوه تقرير سام بأن أنصار التيار الانفصالي في الجنوب ينتهجون خطابًا مليئًا بكل صيغ الإقصاء ومشحونًا بدوافع الثأر والنقمة تجاه "الآخر"، والذي يتجلى غالبًا في كل ما هو شمالي وله علاقة بالشمال، إذ يتم تصوير المواطنين الشماليين على أنهم سببا في البلاء الذي حل بالجنوب، بلغة شعبوية كارثية تترك آثارًا مدمرة في النسيج الاجتماعي وينتج عنها شرعنة لكل أنواع السلب والاعتداء على ممتلكات المواطنين وجعلهم عرضة للقتل، فقط لمجرد أنهم شماليون.
إلى ذلك أورد التقرير أن المؤسسات الإعلامية التابعة للحكومة المعترف بها دولياً، انزلقت إلى ذات المستنقع، وذهبت غالبيتها لتسويق خطاب موّحد يصف جماعة الحوثيين بعبارات مختلفة بينها "الإيرانية والإرهابية الروافض والفرس" في إشارة لتحالفها مع إيران. كما كان لبعض الخطاب الديني التحريضي المنبعث من بعض منابر المساجد في تعز دورٌ في بعض حوادث العنف التي وقعت خلال الفترة الماضية، منها ما يثيره بعض خطباء الجوامع ومهاجمتهم للحفلات الفنية والثقافية التي تقام في المدينة بأنها تشيع الفساد الأخلاقي.
وأضاف أن هناك خطاب كراهية كبير موجه ضد الحوثيين، والذي يمارسه خصومهم. ويصورهم على أنهم إرهابيون وأعداء للوطن، ويصفهم بمصطلحات ازدرائية، كـ (أذناب إيران، المجوس، الروافض، شيعة الشوارع، وغيرها، من المصطلحات، بالإضافة إلى دعوات البعض إلى قتال الحوثيين باعتبار أن قتالهم نصرة للإسلام ودفاع عن الدين والصحابة، علاوة على اتهامهم لمن ينتمي إلى جماعة الحوثي بأنه ضال ومنحرف وغيرها من الإسقاطات والاتهامات التي تشيطن الحوثيين.
إلى ذلك، لفت التقرير إلى لغة الكراهية الموجهة ضد الجنوبيين، حيث ينخرط نشطاء وإعلاميون في حملات تحريض ضد الجنوب، بشكل يسهم في تعميق الانقسام وتجذير الكراهية بين مواطني الشطرين.
وعن الدور الخارجي، قالت منظمة سام إن الإمارات سعت منذ مشاركتها في التحالف العربي مارس/آذار 2015 إلى تعميق الانقسام الجغرافي في اليمن لتحقيق مصالحها الخاصة في البلد، من خلال قيامها بتمويل حملات إعلامية ودعائية عبر وسائل الإعلام المختلفة لخلق وتعميق الكراهية بين اليمنيين، لا سيما التركيز على الخلافات الجغرافية بين الشمال والجنوب والمناداة بتقسيم اليمن وأحقية الجنوب في تكوين دولته الخاصة به، مستغلًة الأوضاع الخاصة والصعبة للدولة اليمنية والحكومة، وكل ذلك من أجل فرض واقع انقسامي على أساس جغرافي.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم السعودية منذ سنوات بتعميق خطاب الكراهية بين السنة والشيعة عبر وسائل الإعلام المختلفة من خلال الاجتماعات والندوات الدينية التي يقيمها كبار رجال الدين المتبنون للخطاب الحكومي الذي يعادي الشيعة، وزادت حدة تلك الخطابات بعد مشاركة السعودية في الصراع القائم في اليمن في عام 2015، حيث بدأت المملكة ومنذ ذلك الوقت وعبر رجال الدين والمسؤولين الحكوميين بمهاجمة الحوثيين بصفتهم «الروافض».
خلصت منظمة سام في نهاية تقريرها إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لتصاعد خطاب الكراهية في اليمن خلال فترة الحرب هو انقلاب جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة اليمنية الشرعية، وتبنيها خطاب تحريضي، إقصائي يحرض على العنف وقتل الخصوم.
واستنتجت أن خطاب الكراهية الذي نادت به -وما زالت- مختلف الأحزاب السياسية والدينية، ساهم في تصاعد عمليات العنف والقتل خارج القانون والانتهاكات بحق المدنيين اليمنيين.
ومن ضمن النتائج التي توصل إليها التقرير، أن ضعف عمل الحكومة اليمنية وسيطرتها على وسائل الإعلام شكّل عاملا مساعدا للتنظيمات اليمنية باستخدام تلك الوسائل لبث أيدلوجياتها وأفكارها التي تحرض على الكره والعنصرية ونبذ الطرف الآخر والحث على ملاحقته وقتله.
كما ذكرت النتائج أن تدخُّل بعض الدول العربية ساعد في اتساع الهوة بين الفرقاء اليمنيين، لا سيما أن كل دولة من الدول العربية لها أهدافها الخاصة في تدخلها في الصراع اليمني؛ تحديدا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتان كان لتدخلهما الأثر الأكبر في تعميق الخلاف بين اليمنيين، كون كل دولة تدعم أحد الأطراف على حساب الآخر.
بالإضافة إلى أن غياب الدور الدولي الفعال للمنظمات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في الصراع المستمر منذ سنوات في اليمن، على الرغم من ارتكاب الأطراف المتصارعة مجازر وانتهاكات تخالف صريح نصوص القانون الدولي، إلا أنه لم يصدر أي موقف حقيقي وجدّي من تلك المنظمات بحيث يساعد على وقف الانتهاكات المتلاحقة في اليمن ويساعد على الخروج من الأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد.