تقرير يوثق حملة القمع الحوثية ضد المحتفين بذكرى ثورة سبتمبر
انتقام بأثر رجعي
  • 13/11/2024
  •  https://samrl.org/l?a5407 
    منظمة سام |

    جنيف - أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات تقريراً معمقاً يوثّق حملة القمع التي شنتها جماعة الحوثي ضد المحتفلين بالذكرى 62 لثورة 26 سبتمبر، التي طالت نشطاء وإعلاميين وتربويين وقيادات في أحزاب سياسية ومشايخ قبليين، على خلفية دعوتهم أو احتفائهم بهذه المناسبة، ضمن استراتيجية أوسع لقمع حرية التعبير والتجمع السلمي التي تنتهجها جماعة الحوثي كوسيلة للتحكم في المجتمع وفرض سيطرتها على المجال العام ومنع أي تعبيرات تتعارض مع رؤيتها. وسلط التقرير الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الجماعة، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتهديد والإهانة والتعذيب.

    وأشار التقرير إلى أن جماعة الحوثي تتبنى نهجاً ثابتاً في الاعتقالات التعسفية وقمع الحريات، كجزء من استراتيجيتها للسيطرة السياسية والاجتماعية، وتستهدف أي نشاطٍ يُعبّر عن معارضة أو انتقاد لسياساتها، أو يُعزّز أي شكلٍ من أشكال التعددية الفكرية والسياسية، ويشمل ذلك قمع الاحتفالات بذكرى ثورة سبتمبر، التي تعتبرها جماعة الحوثي تحديًا لشرعيتها المستمدة من مفهومها السياسي والديني، كونها امتدادًا للنظام الإمامي الذي أطاحت به ثورة سبتمبر.

    ونوهت سام بأن جماعة الحوثي تنتهك بشكل صارخ القانون اليمني والقانون الدولي من خلال حملات الاعتقال التعسفية ضد المحتفلين بذكرى ثورة 26 سبتمبر، حيث ينص الدستور اليمني في المادة 42 على ضمان حرية الفكر والتعبير، وفي المادة 48 على ضمان حرية المواطنين الشخصية وعدم جواز القبض على أي شخص أو تفتيشه أو حجزه إلا بحكم من محكمة مختصة، مضيفةً أن هذه الاعتقالات تمثل اعتداءً صارخًا على حق الأفراد في التعبير عن آرائهم بحرية وحقهم في التجمع السلمي.

    ولفتت المنظمة إلى أن هذه الاعتقالات تُمارس دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، حيث يتم احتجاز الأفراد دون تقديم تهم رسمية أو محاكمات عادلة، مما يجعلها تعسفية بموجب القانون الدولي، لا سيما المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبالإضافة إلى ذلك، عادةً ما يتعرض المعتقلون للتعذيب الجسدي والنفسي، ويُحتجزون في ظروف قاسية وغير إنسانية، في ممارسات تنتهك بشكل واضح حقوق الإنسان الأساسية المكفولة في القانونين الوطني والدولي.

    وذكرت منظمة سام أن جماعة الحوثي تحتجز الضحايا في ظروف قاسية وأماكن تفتقر إلى الشروط الأساسية لحقوق الإنسان، مثل الحصول على الرعاية الصحية الكافية أو الاتصال بأسرهم ومحاميهم، وتعرّضهم للتعذيب الجسدي والنفسي لإجبارهم على التخلي عن مواقفهم والإدلاء باعترافات قسرية، كما أن اعتقال الضحايا يجري دون تقديم تهم رسمية أو محاكمات عادلة، مما يجعل هذه الاعتقالات تعسفيةً بموجب القانون الدولي، وخاصةً المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

    وأورد تقرير "الانتقام بأثر رجعي" أن جماعة الحوثي استخدمت ذرائع عدة لتبرير هذه الاعتقالات، مثل الاتهامات بالتحريض على الفتنة أو تهديد الأمن العام، إلا أن هذه الذرائع غالبًا ما تكون واهية، حيث يتم اعتقال الأفراد لمجرد مشاركتهم في فعاليات ثقافية أو اجتماعية تتعلق بالثورة، منوهاً بأن الاعتقالات ترافقت مع أساليب تهديد وترهيب مارستها قيادات في جماعة الحوثي عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

    وبيّن التقرير أن جماعة الحوثي لم تكتفِ بقمع الأصوات المعارضة داخليًا، بل وسّعت حملات الاعتقال لتشمل العاملين في السفارات والوكالات الأممية، مما يشير  إلى أن هدفها ليس فقط إسكات المعارضين، بل أيضاً إرسال رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأنها تتحكم بشكل كاملٍ في الأراضي التي تسيطر عليها، مضيفاً أن الجماعة تستخدم الاعتقالات التعسفية كوسيلة للضغط على الأطراف المحلية والدولية وتعزيز موقفها التفاوضي في أي محادثات سياسية، وإرسال رسالة بأنها قادرة على التأثير في الداخل والخارج على حدٍّ سواء.

    وبيّنت سام أن الاعتقالات التي تمارسها جماعة الحوثي ضد المحتفلين بذكرى ثورة 26 سبتمبر تعكس الانقسام السياسي والاجتماعي والثقافي العميق في اليمن، والذي يُعدّ نتاج سنوات من النزاع والصراع على الهوية الوطنية، وتعمّق بشكل أكبر بعد سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء ومناطق أخرى، لافتةً إلى أن هذا الانقسام رافقه تجنيد فئات من المجتمع للاعتداء على المحتفلين، واعتبارهم خونة وعملاء للخارج يهددون الأمن القومي، في ظل الحرب التي تخوضها الجماعة.

    وقال التقرير إن القمع المُمنهج الذي يمارسه الحوثيون أدى إلى تقليص الحريات الثقافية وتراجع النقاشات حول الهوية الوطنية والتاريخ المشترك لليمنيين، مما أثر سلباً على إمكانية بناء حوار وطني شامل، محذراً من أن الاعتقالات وسيلة فعّالة لتقويض عمل المجتمع المدني، حيث تُؤدّي إلى تراجع قدرة المنظمات غير الحكومية والنشطاء على العمل بحرية، بصورة تحد من قدرتهم على تقديم المساعدات أو الدفاع عن حقوق الإنسان.

    وأشار التقرير إلى قيام جماعة الحوثي بتقييد سرعة الإنترنت في اليمن بالتزامن مع دعوات النشطاء للاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر، حيث أفاد العديد من النشطاء بمواجهة صعوبات كبيرة في رفع مقاطع الفيديو التي تُوثّق احتفالاتهم، كما عانوا من بطء شديد في تصفّح منصات التواصل الاجتماعي، مما يعكس حجم الرقابة المستمرة التي تفرضها الجماعة على المدنيين، والتدهور الخطير في الحقوق الرقمية للمواطنين، الذين يعتمدون على الإنترنت للتواصل ومشاركة آرائهم وأفكارهم.

    وقالت سام إن هذه الانتهاكات التي تمارسها جماعة الحوثي ضد المدنيين في مناطق سيطرتها لن تسقط بالتقادم، وأن الإفلات من المساءلة والعقاب لن يستمر، مؤكدةً على أنه سيتم مساءلة مرتكبي هذه الانتهاكات أمام القضاء الوطني والدولي.

    ودعت منظمة سام إلى التعاون مع منظمات حقوق الإنسان كخطوة حيوية في مواجهة الانتهاكات الحوثية، بما يُمكِّن الناشطين المحليين من الحصول على الدعم الفني والموارد اللازمة لتوثيق الانتهاكات بشكل فعّال، والإسهام في تعزيز الوعي الدولي حول الوضع في اليمن، مما يضع ضغطاً أكبر على الحوثيين لوقف ممارساتهم القمعية.

    وشددت المنظمة على أهمية التوثيق كوسيلة للمساءلة في مواجهة انتهاكات جماعة الحوثي، إذ ومن خلال جمع الأدلة والشهادات، يُمكن للمنظمات الحقوقية والنشطاء توضيح حجم الانتهاكات وتوثيقها بشكلٍ رسميٍّ، مما يُساعد في بناء ملفات قانونية تدعم المطالبات الدولية والمحلية لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.

    وأكدت منظمة سام للحقوق والحريات على دور وسائل الإعلام في توثيق الانتهاكات التي ترتكبها جماعة الحوثي، فمن خلال تغطية الأحداث ونشر التقارير والشهادات، تُساهم وسائل الإعلام في رفع مستوى الوعي العام حول هذه القضايا، مما يُعزّز في نهاية المطاف من الضغط الدولي والمحلي على الحوثيين.

     

  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير