جنيف- أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات تقريرًا حقوقيًا موسعًا يحمل عنوان "نهب منظم: الوجه الخفي للحارس القضائي لدى جماعة الحوثي"، والذي يركز بشكل خاص على عمليات النهب الممنهجة التي مارستها الجماعة ضد شركتي الأدوية الحديثة والعالمية، موضحًا كيفية استخدام الحارس القضائي كأداة لاستهداف المعارضين واستباحة حقوق الملكية.
يستند التقرير إلى منهجية شاملة تعتمد على الرصد والتوثيق، بما في ذلك إفادات حصرية من مصادر داخل الشركتين، إلى جانب تحليل مستندات رسمية وإحصاءات تم التحقق منها، واستطلاع آراء عدد من الخبراء الاقتصاديين حول انعكاسات هذه الممارسات على الاقتصاد اليمني، وما يترتب عليها من تأثيرات سلبية على الاستثمار، كما يستند إلى مقاربة حقوقية تهدف إلى تقييم مشروعية هذه الإجراءات ومدى توافقها مع مبادئ حقوق الإنسان، خاصة الحق في الحيازة والتملك المنصوص عليهما في الاتفاقيات الدولية.
وقالت "سام" إن جماعة الحوثي ومنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، شرعت في تنفيذ سلسلة من الإجراءات الرامية إلى مصادرة ونهب ممتلكات المواطنين اليمنيين، بما في ذلك أموال المعارضين السياسيين أو من اعتبرتهم خصومًا لها، مستندة إلى اتهامات فضفاضة، مثل الادعاء بـ"الخيانة" أو "الولاء للعدوان"، مع تبريرها بأنها موجهة ضد عناصر "النظام السابق الفاسد".
وأضافت المنظمة أن الجماعة اعتمدت على مجموعة من الأدوات القسرية التي تشمل القضاء، حيث استُخدمت نيابة ومحكمة الأموال العامة لملاحقة الأفراد وتبرير مصادرة ممتلكاتهم، إلى جانب توظيف البنك المركزي في صنعاء لفرض الحجز على أموال المعارضين. كما قامت الجماعة باستحداث آلية جديدة تُعرف بـ"الحارس القضائي"، الذي يمتلك سلطات واسعة تخوله تنفيذ إجراءات المصادرة دون رقابة قانونية أو إجراءات قضائية عادلة، بما في ذلك إصدار أوامر بحجز أموال الأشخاص دون تقديم أدلة اتهام واضحة أو الامتثال للقواعد القانونية المعترف بها، لتتحول هذه الأموال والعقارات إلى مصادر تمويل مباشر لأنشطة الجماعة العسكرية والسياسية، في إجراءات تمثل خرقًا للقانون الدولي الإنساني، حيث تُفاقم المعاناة الاقتصادية وتنتهك حقوق الملكية، مما يتطلب المساءلة الدولية.
وأبرز تقرير "سام" حالة محددة تتعلق بمداهمة جماعة الحوثي للشركة الدوائية الحديثة والشركة العالمية للأدوية في يونيو 2024، من قبل قوة تابعة للحارس القضائي، وخلال هذه المداهمة تم اعتقال ستة من مديري وموظفي الشركة، واحتجازهم في معتقل غير رسمي تابع للجماعة، وفي اليوم التالي، أصدرت النيابة الجزائية المتخصصة، وهي جهة قضائية تابعة لجماعة الحوثي، مذكرة موجهة للبنك المركزي اليمني تطالب بتجميد جميع الأرصدة والحسابات والتحويلات المالية الخاصة بالشركة، لافتةً إلى أن هذه الممارسات أدت إلى خسائر مالية جسيمة.
وأوضح التقرير أن خسائر الشركة جراء هذه الممارسات التعسفية قُدرت بمبلغ 55 مليون دولار أمريكي، ومن بين هذه الخسائر، تلف جميع أصناف الأدوية المخزنة في المصانع، نتيجة تعرضها لظروف بيئية غير ملائمة، مما يؤدي إلى فقدانها معايير الجودة العالمية، كما وثق التقرير التقرير أيضاً انتهاكات جسيمة بحق موظفي الشركة، حيث تم تنفيذ حملة اعتقالات واسعة شملت عددًا من العاملين، علاوة على ذلك، تشير الشهادات إلى أن الموظفين الذين تم اعتقالهم تعرضوا لضغوط نفسية وجسدية، مما يعكس حجم المضايقات والتأثير السلبي الذي تمارسه جماعة الحوثي على القطاع الخاص والذي يهدد الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
وثّقت منظمة سام للحقوق والحريات ثلاث حالات وفاة مرتبطة بالضغوط والانتهاكات التي تعرض لها موظفو الشركتين، كما وثقت المنظمة قيام جهات تابعة لـ"الحارس القضائي" المعيّن من قبل الحوثيين باستخدام التعذيب المنهجي ضد موظفي شركتي "الدوائية الحديثة" و"العالمية لصناعة الأدوية"، وشملت هذه الممارسات أساليب تعذيب بدنية ونفسية لإجبار العاملين، بمن فيهم أطباء ومهندسون، على الإدلاء باعترافات قسرية بهدف تبرير السيطرة على الشركتين، في إجراءات تمثل انتهاكًا صريحًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتُثير مخاوف بشأن سلامة المسؤولين والعاملين في القطاع الدوائي في اليمن.
وأورد التقرير أن النمط الممنهج الذي تتبعه جماعة الحوثي لاستهداف الشركات الكبرى وممتلكات الأفراد المعارضين، يشبه نماذج تاريخية أخرى حيث استولت أنظمة شمولية على ممتلكات المعارضين السياسيين، بهدف شل قدرة الخصوم على التحرك ضد الجماعة، وتحويل الموارد المصادرة لدعم مشروعها الحربي، في ظل اعتمادها شبه الكلي على التمويل الذاتي والإيرادات غير الشرعية.
في تصريح حصري أكد الخبير المالي "عبد الواحد العوبلي"، أن عملية نهب ومصادرة أموال المعارضين من قبل الجماعات الإرهابية مثل الحوثيين تخدم أغراضًا استراتيجية وعملياتية هامة، حيث تحتاج هذه الجماعات إلى موارد مالية كبيرة لتمويل عملياتها، بما في ذلك شراء الأسلحة ودفع رواتب المقاتلين، وتحقيق الاستقرار المالي من خلال نهب أموال المعارضين بدلاً من الاعتماد على الدعم الخارجي، كما أن مصادرة الأصول تُستخدم كوسيلة لإضعاف المعارضين اقتصاديًا، مما يقلل من قدرتهم على مقاومة النفوذ الحوثي، وبالتالي زيادة الهيمنة على المناطق التي تسيطر عليها.
وأضاف "العوبلي" أن النهب والمصادرة تعمل على ترهيب المعارضين، حيث تتيح للجماعة إرسال رسائل قوية حول عواقب معارضة حكمهم، مما يعزز من السيطرة والخوف بين السكان. وتبرر الجماعة هذه العمليات كجزء من إجراءات "الضرائب" أو العقوبات ضد المعارضين، مما يساعدها في إضفاء طابع الدولة على حكمها القائم على العنف والإكراه، كما يتم إعادة توزيع الأصول المصادرة بين أعضاء الجماعة المخلصين والمقاتلين، مما يعزز التماسك الداخلي ويخلق شبكة من المحسوبية. وعلاوة على ذلك، فإن استهداف ثروات المعارضين يعطل الاقتصاد المحلي، ما يخلق حالة من الفوضى الاقتصادية التي يمكن أن تستغلها الجماعة لتوطيد نفوذها، مما يزيد من اعتماد السكان على الجماعة كمصدر رئيسي للموارد والخدمات.
واعتبرت "سام" أن ما تقوم به جماعة الحوثي من نهب تعسفي وسطو على الأموال جريمة حرب وفق قواعد القانون الدولي الإنساني، يُقابل جريمة السرقة في التشريع اليمني، وشددت على أن هذه الممارسات قد قامت بها الجماعة دونما ضرورة حربية، مضيفةً أن أغلب عمليات السطو تتم داخل المدن الخاضعة لسيطرتها، وتخضع لمنهجية الانتقام من الخصوم لا سيما الذين نزحوا أو أجبروا على مغادرة اليمن.
في ختام تقريرها، قدمت منظمة سام مجموعة من التوصيات إلى جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ومجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي، حيث طالبت المنظمة جماعة الحوثي بوقف جميع أعمال النهب ومصادرة الأموال الخاصة بمعارضيها والمدنيين، وإعادة جميع الأموال والعقارات المنهوبة إلى أصحابها الشرعيين، وشددت على ضرورة إلغاء جميع قرارات الحجز والمصادرة الصادرة من قبل الحارس القضائي والمحاكم الخاضعة لسلطة الجماعة، ووقف العبث والتأثير على العدالة من خلال إنهاء جميع الأعمال التي تقوم بها النيابة والمحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، كما دعت منظمة سام البنك المركزي في صنعاء إلى الامتثال للإجراءات القانونية ووقف أنشطة غسيل الأموال التي تمارسها ضد البنوك والشركات والمؤسسات، مؤكدةً على ضرورة الالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان المتعلقة بحماية الأموال والممتلكات أثناء وبعد العمليات الحربية.
وحثت "سام" الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا على إنشاء وحدة خاصة لحصر وتتبع الأموال والممتلكات التي نهبتها جماعة الحوثي، ومراقبة جميع الأعمال المتعلقة بأنشطة غسيل الأموال، كما أوصت بحصر جميع الشخصيات التي تمارس أعمال الوصاية أو الحراسة أو الإدارة للأموال المنهوبة في مناطق سيطرة أنصار الله، بهدف محاسبتهم وإدراجهم ضمن الشخصيات التي تعرقل عملية التحول السياسي في اليمن، مطالبةً بتشكيل وحدة خاصة لتوثيق جميع الأموال التي تم مصادرتها ونهبها من قبل جماعة الحوثي.
ودعت المنظمة مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي إلى التشديد على مراقبة الأنشطة المالية التي تمارسها جماعة أنصار الله في اليمن، أو بينها وبين الشخصيات والشركات المرتبطة بها في الخارج. وطالبت بمراقبة أنشطة غسيل الأموال التي تمارسها الجماعة وعمليات التحويل المالية بينها وبين الجماعات والأشخاص في الخارج. وأوصت بإدراج جميع الشخصيات المذكورة في التقرير ضمن قائمة المشمولين بالعقوبات وفقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن،مشددةً على ضرورة إنشاء فريق دولي متخصص بمراقبة وتتبع الأموال التي نهبتها جماعة الحوثي، وجمع الوثائق المتعلقة بهذه الأموال بما يكفل استعادتها ومحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات.