قصة الطفل الذي نجا من الموت ويعيش الخوف المستمر
تعز – محمد فرحان
عند سماعه لإطلاق رصاص يركض الطفل محمد عبده قائد أحمد (10سنوات) نحو زاوية المكان الذي يكون فيه في المنزل ويضع يده بشكل تلقائي على وجهه وكثير من الأوقات يبول على نفسه بشكل لا إرادي كما تقول والدته.
يلازمه شعور بالخوف كما تصف والدته أم صابر (43) عامًا منذ أن تعرض لرصاصة قناص عام 2020م حين أصيب في بطنه وقتل شقيقه صابر الأكبر منه بعامين أثناء خروجهم إلى جوار منزلهما في منطقة عصيفرة في مديرية التعزية شمال مدينة تعز فيما يعرف قبل اندلاع الحرب بسوق القات المركزي في عصيفرة.
في ذلك اليوم عاش الطفل محمد صدمة كبيرة وهو يشاهد شقيقه يُقتل أمام عينيه. فقد وصفت والدته حاله حينها أنه كان يبكي ويصرخ بكلام غير مفهوم ما عرفت منه إلا " الدم الدم صاااابر مات ".
هذا اليوم الحزين على الطفل محمد وأسرته كان هو بداية معاناة الطفل محمد التي لم تنتهِ حتى الآن كما تقول والدته، ففي بداية عام 2020م أصيب الطفل محمد برصاص قناص وقتل قبله شقيقه صابر في نفس المكان.
تتذكر الأم بقلب موجوع ما حدث " خرج محمد وشقيقه صابر إلى جوار المنزل فبادر قناص متمركز شمال منطقة عصيفرة صابر شقيق محمد برصاصة في الرأس ليسقط مضرجًا بدمائه كان منظرًا صادمًا بالنسبة لطفل لم يتجاوز حينها أربع سنوات فحاول أن يسحب شقيقه لكن رصاصة القناص الثانية أصابته في بطنه فظل ينزف ويركض في اتجاه المنزل.
وتواصل أم صابر والدموع تسبق حديثها حول ما حصل، فقد كان هذا اليوم هو ميلاد المعاناة التي رافقت الطفل محمد حتى الآن والتي تقول أمه إنها أحد الأسباب التي جعلتهم يوقفونه عن الدراسة حيث تقول "صحيح أن محمد نجا من الموت وما زال حيًا بعد إجراء عملية جراحية له في البطن لكن لم يعد كما كان نفسيًا وصحيًا.
فهو ومنذ إصابته يعاني من مضاعفات تتمثل في مشاكل صحية في جهازه الهضمي فهو يعاني من مشاكل كثيرة في أمعائه نتيجة الإصابة التي مزقت أمعاءه بالإضافة إلى أنه أصبح طفلًا عدوانيًا لا يتقبل أي أمر ولا يتوقف من البكاء إلا لو تم تنفيذ طلبه وإن كان صعبًا كما تصف والدته.
محمد متوقف عن الدراسة والسبب كما تؤكد والدته هو تأثره النفسي من يوم تعرضه للإصابة برصاص القناص وتشرح والدته ذلك فتقول: "أكثر من مرة تتصل بنا إدارة المدرسة التي يدرس فيها أن نأتي نأخذه من المدرسة إما لأنه سمع إطلاق رصاص وانزوى في ركن الفصل بعد أن يكون قد تبول على نفسه أو بسبب أنه لا يقبل أحدًا من زملائه ويتصرف معهم بنعف وعدائية، ويتحول وجوده في الصف الدراسي إلى مشكلة على زملائه.
وتتابع حديثها بحسرة فتقول: إنها تعيش وجعًا لا ينتهي على وضع ولدها الذي انقطع عن الدراسة منذ ثلاث سنوات وهو بحاجة إلى إعادة تأهيل نفسي لكن وضع والده المادي لا يسمح أن يتم متابعة علاجه من مضاعفات إصابته ولا إخضاعه إلى إعادة تأهيل نفسي مكثف حتى يتجاوز آثار الصدمة ويعود إلى المدرسة مثل بقية الأطفال.
محمد الطفل الذي يعيش الآن مع أسرته في منطقة تماس خطيرة في منطقة عصيفرة حيث يتمركز مسلحو جماعة الحوثي على بعد أقل من كيلو متر كل يوم يعيش تفاصيل جديدة من الخوف مع كل تجددٍ للاشتباكات المسلحة بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثي فأسرته كما يقول والده عبده قائد مضطرة إلى مجاورة الخطر فليس لهم خيار آخر للخروج إلى مكان أكثر أمنًا فهو يعمل بالأجر اليومي وغير قادر على دفع إيجار منزل وسط المدينة أو أي مكان غير مناطق التماس العسكرية شمال المدينة.
ومحمد الآن كما يصف والده أشبه بمسجون فهو لا يخرج كثيرًا من البيت وإن اضطر يخرج مع والده كما يقول عبر طرق ترابية إلى وسط مدينة تعز فهو يخرج لزيارة الطبيب لأي سبب طارئ يحدث له ومنذ أكثر من خمس سنوات لم يحدث أن حصل محمد على وقت للترفيه في حديقة ألعاب أو منتزه عام وهذا ما انعكس بشكل سلبي على صحة محمد النفسية أكثر فهل يظل طوال الوقت محصورًا في زوايا البيت يأكل من طفولته الخوف المسكون في جوارحه محرومًا بسبب الحرب من حقه في الترفيه وحقه في الحياة الطفولية الآمنة وحقه في التعليم.
والدته تخاف عليه كثيرًا وفي حديثها تؤكد "محمد كل يوم يتضاعف وضعه النفسي وليس في يدي أن أعمل له شيئًا، فقدت شقيقه برصاص القناص الحوثي وأكاد أفقد محمدًا وهو يتدهور نفسيًا ويتحول إلى طفل فاقد للتوازن العقلي ". وتتابع والدته حديثها " أتمنى أن يتجاوز ابني هذه المرحلة ويعود للمدرسة، وهذا أكثر ما يحزنني وأفكر به كل يوم.
قصة محمد مع معاناته من آثار الصدمة النفسية في مدينة تعز تمثل واحدة من عشرات القصص لكثير من الأطفال وخاصة في مناطق التماس. ومازال الكثير من الأطفال الناجين من القنص يعانون جسديا ونفسيا وهم بحاجة حقيقية الى إعادة تأهيل نفسي من خلال برامج ترفيهية علاجية تساعد على التفريغ النفسي للمشاعر المكبوتة من الخوف لدى الأطفال تتمثل في ممارسة الألعاب المهارية والإبداعية المختلفة مثل الرسم والغناء والتمثيل.