صنعاء -محمد فرحان
"أمنيتي الوحيدة أن أحصل بشكل منتظم على دواء الضغط والسكر فقد أصبحت غير قادرة على توفيره وصحتي في خطر إن لم أتناول هذه الأدوية"، بصوت غابت فيها نبرة الحياة والبهجة لخصت الخمسينية سعادة دبوان سعيد مأساة إنسانية تعيشها أسرة يمنية مكونة من 11 شخصًا تسع بنات وولد وأمهم، بدأت في عام 2016م بوفاة الأب في منطقة كلابة بمديرية القاهرة بمحافظة تعز جنوب غربي اليمن وما زالت هذه المأساة مستمرة بتفاصيل أكثر وجعًا من بدايتها.
تعيش سعادة مع أولادها العشرة في دكان (عبارة عن غرفة على الشارع تستخدم لأغراض تجارية كمحل لبيع المواد الغذائية أو مخزن بباب واحد ولا توجد فيه منافذ للتهوية) فقد اضطرتها الظروف القاسية أن تعيش في هذا المكان بمنطقة سعوان بمدينة صنعاء بعد أن انتقلت إليه من مدينة تعز في عام 2017م.
مأساة إنسانية متعددة الألم فالأم فقدت بصرها بعد إصابتها بشظايا قذيفة عام 2017م سقطت قرب منزلهم في حي كلابة وهو حي في مديرية القاهرة يقع في منطقة تماس شرق مدينة تعز بين أطراف الصراع القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثي.
وتصف ما حصل في ذلك اليوم أنها عاشت ساعات مرعبة من هول الصدمة حيث كانت تقوم بعملها المنزلي اليومي مثل بقية الأيام تشاهد أولادها وهم يتجمعون حولها في المساء تعمل على توفير ما تيسر لها من إمكانيات مادية على توفير متطلبات المعيشة، تراهم بخير فتغمرها السعادة ولكن قذيفة انفجرت قرب المنزل حين كانت تجهز لأولادها العشاء خارج المنزل على الحطب نتيجة عدم توفر الغاز فأسقطتها على الأرض وتوزعت شظايا القذيفة في جسدها وأخطر تلك الشظايا التي استقرت في وجهها وبالتحديد عيونها، حولها إلى امرأة غير قادرة على رعاية أولادها كما كانت وأصبحت روحها مستودعًا للألم والحزن، وتتابع "لم أفق إلا في المستشفى وغير قادرة على النظر لمن حولي".
تقول سعادة إن كل المحاولات الطبية الجراحية لجعلها قادرة على أن ترى بعيونها فشلت وأصبحت الآن ضريرة هدتها الأمراض فهي تعاني من مرض السكر والضغط والكلى.
لم تغادر سعادة منزلها في منطقة كلابة رغم خطورة المكان منذ عام 2015م، فلم تكن قادرة على أن تتحمل تكاليف الانتقال ودفع مبالغ للإيجارات فقد توفي زوجها في عام 2016م نتيجة مرضه بالفشل الكلوي لكن بعدها أصيبت بشظايا قذيفة وفقدت بصرها عام 2017م كما تقول ساعدها شقيقها رغم وضعه الاقتصادي الصعب بعد أن ساء وضعها الصحي ولم يكن لها أحد ممكن تطلب منه أن يمد لها يد المساعدة غيره وبالفعل كما تحدثت سعادة قام شقيقها بنقلها مع أطفالها إلى مدينة صنعاء، واستأجر لهم دكانًا صغيرًا تعيش فيه مع أطفالها في وضع معيشي صعب وظروف قاسية على كل المستويات، كما تصف.
وتتابع سعادة سرد مأساتها وغصة البكاء تخنقها "حتى إيجار الدكان رغم أنه مبلغ لا يتجاوز 15 ألف ريال يمني أي ما يعادل تقريبًا 13 دولارًا في الشهر إلا أنها منذ ثلاثة أشهر لم تدفع شيئًا وقد تصبح مطالبة في أي وقت بمغادرة المكان؛ نتيجة عدم دفع الإيجار الشهري.
تعيش سعادة مع أولادها في معاناة لا تستطيع أن تجابهها وقد أصبحت غير قادرة على أن ترى من حولها وتعاني من الأمراض المزمنة التي تستخدم لها الأدوية بشكل مستمر والتوقف عن استخدام هذه الأدوية نتيجة عدم قدرتها على شرائها كما تقول يكون له نتائج صحية سلبية عليها مثل الصداع المستمر.
تقول سعادة "أمنيتي الوحيدة أن أحصل بشكل منتظم على دواء الضغط والسكر فقد أصبحت غيرة قادرة على توفيره وصحتي في خطر إن لم أتناول هذه الأدوية".
عجزت مؤخرًا عن دفع إيجار السكن وكل ما تجمعه إحدى بناتها من الأشغال اليدوية التي تعلمتها لا يكفي في توفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة بأبسط وأقل الأشياء الضرورية إذ أصبحت حياتها هي وأولادها تشبه الجحيم كما تصف في ظل الارتفاع المتزايد في الأسعار وقلة حيلتها مع وضعها الصحي المتدهور، وتكالب الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط عليها نالت من صحتها بالإضافة إلى فقدان نظرها.
سعادة وأولادها العشرة وضعتهم الحرب على هامش الحياة فريسة للوجع والمعاناة مثل المئات من الأسر اليمنية التي تمثل النسبة الأعلى في المجتمع الأكثر هشاشة نفسيًا وصحيًا واقتصاديًا.