الاسم: عبدالحميد جعفر
جهة الاعتقال: جماعة الحوثي
تاريخ الاعتقال: أغسطس 2015
«لا أحد يقترب منه، سيفجر نفسه» قال مشرف الحوثيين لرجاله المسلحين محذراً إياهم من إيقاف نزيف الجريح الذي لا يرتدي غير ثيابه.
كان المشرف قد هاجم عبدالحميد جعفر بضربة في الرأس أعقبها طلقة نارية من مسدسه، أصابت عبدالحميد فسقط على الأرض، وظنت زوجته أنهم قتلوه فصرخت بصوت باك:
«قتلوا عبدالحميد.. قتلوا عبدالحميد».
وارتفع بكاء طفلهم الذي لم يتجاوز السنوات الخمس، سال الدم والدمع، بينما استدار القيادي الحوثي تجاه الزوجة وأطلق النار عليها، كما أطلق الشتائم متهجماً لينتزع من يدها الهاتف اللمس أمام الرجال الذين رتبوا خطة اعتقال عبدالحميد بإحكام.
كان عبدالحميد جوار منزله عندما أتاه رجل غريب أخبره أنه يريد استئجار مزرعة الدجاج التابعة له، قدم له عبدالحميد واجب الضيافة وقاسمه القات، واتفقا مبدئياً على إيجار المزرعة، حينها قال الرجل إنه سيتصل بشركائه للحضور لرؤية المزرعة حالاً.
وبالفعل، حضر اثنان وصار الشركاء ثلاثة، حينها قام عبدالحميد ليمشي معهم إلى مزرعة الدجاج غير أنه تفاجأ بعشرة مسلحين خلف المنزل، وضع قائدهم المسدس في رأس عبدالحميد ووجه أحد المسلحين بندقيته إلى بطنه:
«ماذا تريدون؟» سألهم.
«أنت مطلوب لمعتقل الصالح» أجاب المشرف.
كان عبدالحميد سيرافقهم طواعية، طلب المشرف منه هاتفه الصغير فأعطاه إياه دون مقاومة، فتشه المشرف، لم يجد شيئاً فطلب الهاتف اللمس، عبدالحميد رفض تسليم هاتفه:
ـ «فيه جميع صور ابنتي الكبيرة يوم عرسها».
أصر المشرف على أخذ الهاتف، رمى عبدالحميد بهاتفه إلى زوجته فتلقى ضربة في الرأس بمقبض المسدس الذي كان في يد المشرف، أعقبها مباشرة طلقة نارية في الفخذ الأيسر سقط على إثرها أرضاً، استدار المشرف مهاجماً زوجة عبدالحميد، سبها، أطلق النار باتجاهها ثم سلب منها الهاتف بالقوة.
يتذكر عبدالحميد المشهد، ويغمض عينيه ثم يستسلم للبكاء بشدة.
حملوه جريحاً إلى معتقل مدينة الصالح، لم يساعده أحد للسيطرة على نزيف الجرح الذي أحدثته رصاصة المشرف، خلع قميصه ومزقه ليربط على مكان الإصابة، إثر ذلك أخذوه إلى مشفى ريفي قريب من المنطقة، أجريت له الإسعافات الأولية، كان عبدالحميد يشعر بآلام جراحه وأوجاع قهره:
«ما الذنب الذي ارتكبته ليعاملوني بهذه القسوة؟».
أعادوه إلى زنزانة في مدينة الصالح السكنية، بدون أي أدوية أو مهدئات، وضعوه في غرفة ضيقة للغاية، لا يوجد فيها حمام ولا تهوية، كان المكان مملوءا بالحشرات والقاذورات وبقايا الطعام المتعفن، كانت هواتف عبدالحميد مع المشرف وكان أي شخص يتصل بعبدالحميد، يذهب المسلحون مباشرة لاعتقال المتصل أياً كان، أرسل الحوثيون وقوات صالح في ذلك الوقت، أكثر من 11 سيارة عسكرية إلى الشارع أمام منزل عبدالحميد جعفر، اعتقلوا كل من يمر هناك، وصل عدد المعتقلين إلى 60 شخصاً، كان الحوثيون يقولون:
ـ «هذه عصابة جعفر».
في تلك الليلة أيضاً هجّروا زوجة عبدالحميد وأولاده، ثم اقتحموا المنزل ونهبوا كل ما فيه من ذهب ونقود ووثائق ملكية وأشياء أخرى.
يتوقف عبدالحميد عن الحديث، يبكي بحرقة، لا يريد أن يتذكر ما حصل في المعتقل: منعهم له بالذهاب إلى الحمام وفر له عناء الزحف على جرحه والقيد الحديدي على ركبته، وكان إذا أراد الابتعاد قليلاً عن مرقده لقضاء الحاجة بداخل العلب الفارغة، ذهب حبواً على مرفق يديه أو سحباً على إليتيه. فقد أبسط حقوقه الإنسانية:
ـ «كنت أتلقى في اليوم كل أنواع التعذيب النفسي والمعنوي».
في إحدى الأيام أخبروه أن قذيفة أصابت مستشفى الثورة في مدينة تعز، حيث تعمل ابنته الكبرى، العروسة المدللة الذي كان محتفظاً بصور عرسها في هاتفه اللمس، أخبروه أن القذيفة قتلت ابنته فانهار من الحزن، يتذكر الموقف وكأنها قتلت بالفعل، يشهق باكياً، ولن يطمئن قلبه على ابنته، إلا بعد سنتين حين سمح له الحوثيون بالاتصال مرتين في السنة وكل مرة لا تتجاوز الدقيقتان.
دخل عبد الحميد في نوبة بكاء استمرت نصف ساعة، وحين استعاد أنفاسه انتقل إلى ما بعد الشهر السادس من الاعتقال: فتحوا باب الغرفة التي كانوا يحتجزونني فيها بلا تهوية غارقًا بين القمامة والحشرات. وجدت في الشقة التي يحتجزونني فيها أكثر من 25 معتقلاً كانوا يصفوننا بأننا «الدواعش الكبار». كان بعض المعتقلين يتعرضون للتعذيب الشديد بالكهرباء وبطريقة الشواية وطرق أخرى عديدة، كان عبدالحميد يتعرض للتعذيب بشكل شهري، ولكن معاناته كانت مضاعفة: وجع القدم من رصاصة المشرف، إضافة إلى التعذيب المساوي لما يتعرض له بعض المعتقلين.
*بعد خمس سنوات من الاعتقال، أفرج الحوثيون عن عبدالحميد جعفر بتاريخ 19 ديسمبر 2019 ضمن صفقة تبادل أسرى بين قوات الجيش الوطني، وجماعة الحوثي