تيسير السامعي
أشياء كثيرة جذبت الصحفي تيسير السامعي في المعتقل، لم يدخله زائراً، وإنما معتقلاً مسحوباً من قريته. لم تترك جماعة الحوثي العاملين في حقل الصحافة والإعلام في حالهم بعد مهاجمة المؤسسات الصحفية اليمنية ومداهمة مكاتبها، وإغلاقها ومصادرة ما تحتويه. تشرد مِن الصحفيين مَن تشرد، وسُجن من سجن، وفقد العشرات وظائفهم ومن بينهم السامعي الذي عاد إلى القرية ليمشي بعد الأغنام.
خلّص الحوثيون الصحفي تيسير من عناء الذهاب بعد المواشي، فأخذته إلى معتقل مدينة الصالح، الذي رآه وعاش فيه بعين الصحفي. هذا السجن سيء للغاية، أغلب الذين اعتقلوا في تعز يتم ترحيلهم إلى هذا السجن، الذي كان عبارة عن مدينة سكنية قبل تحويل البنايات إلى سجون خاصة، لكل بناية اسم: السجن العام، سجن الطلاب، سجن الكبار، سجن المجانين، وبعض الزنازين مسماة بأسماء المشرفين عليها: بناية أبو كميل، بناية أبو ليث، وهكذا. ولكل بناية فريق من المعذِّبين والمعذَّبين الذي اختُطِفوا من الطرقات.
يفتقر معتقل الصالح إلى أبسط المقومات الإنسانية، لا فرش ولا أغطية، معظم المعتقلين ينامون على البلاط، وإذا ما حصلوا على بطانية فهي صغيرة وقذرة للغاية، أغلق الحوثيون نوافذ البنايات غير المشطبة، ولم يبقوا غير فتحات صغيرة ليستخدموها كسجون. الصرف الصحي سيء للغاية، ما أدى إلى انتشار حشرات مثل "الكتن والقَمْل" بشكل فظيع جدا، كما أنه لا يوجد نظافة لغرف السجن ولا يسمح الحوثيون للسجناء بالنظافة ولا يوفرون لهم أدواتها.
ما يُقدم للمعتقلين من الطعام قليل وسيء جدًا، ولا يُسمح بإدخال الطعام من الخارج، تشعر بالجوع داخل معتقل الصالح ولا تجد ما تأكله، العناية الصحية أيضا منعدمة تماماً، فإذا حدث للسجين أي طارئ لا يجد من يعالجه. هناك شخص يزعم أنه مساعد طبيب وهو لا يفقه بالطب وإذا حضر إلى المريض لا يعطيه غير المهدئات البسيطة بعد معاناة شديدة، هنالك تعمد في إذلال السجناء وإهانتهم خصوصاً السجناء من أبناء تعز، وغالبية السجناء من أبناء المحافظة.
في سجن مدينة الصالح، يتلقى المعتقلون صنوف التعذيب والممارسات غير الأخلاقية، وخاصة أثناء التحقيقات، وقد عايش الصحفي تيسير السامعي، سجناء واستمع لمعاناتهم، بعضهم تعرض للتعذيب والإهانة والبعض تعرض للتحرش الجنسي، والبعض للتعليق والإعدام الوهمي، ناهيك عن العزل عن العالم الخارجي ومنع المعتقلين من التواصل مع أهاليهم، وكذلك انتزاع اعترافات تحت التعذيب وتسجيلها وبثها في وسائل إعلام الجماعة.
ـ 2 ـ
باسم عبادي
لا يعرف الناس ما يوجد خلف الكاميرا، يشاهدون مقطع فيديو تبثه وسائل إعلام الجماعة التي اعتقلت المسكين الذي يقرأ اعترافاته كما يرغبون، بشكل مخالف للقانون الدولي والإنساني. يتخذ الحوثيون الاعترافات تحت الضغط والإكراه وبثها للرأي العام مع خصومهم كثيراً، كاستراتيجية لتهدئة الرأي العام الغاضب مما يقومون به من اعتقالات.
ولكن باسم عبادي ليس قيادياً، أو شخصاً صاحب مكانة كي يقلب الرأي العام على الحوثيين، لماذا فعلوا ذلك؟
نقل الحوثيون، عبادي من زنزانة في معتقل الصالح، إلى زنزانة أخرى في نفس المدينة السكنية، يطلقون عليها اسم «زنزانة عدن» ثم أخرجوه منها ووضعوا غطاء على عينيه، إلى غرفة التحقيق.
في الغرفة وجه له المحققون عدداً من الأسئلة والطلبات، من بينها الاعتراف بالتهمة الماسخة: «الداعشية».
عقب الاقتحام المسلح لمعظم المحافظات اليمنية بالتعاون مع قوات الرئيس السابق علي صالح، راجت تهمة الداعشية، ولا يقصد بها الانتماء للتنظيم المتطرف «داعش»، وإنما كان الحوثيون وقوات صالح يطلقون على من يعارضهم هذه التهمة التي رفضها باسم العبادي، فباشره المحقق بالصفع والضرب على وجهه ورأسه، ثم توقف لحظات وأعاد نفس الطلب فقال باسم محتسباً: «حسبي الله ونعم الوكيل».
لم يعرف العبادي أن الاحتساب، سيزيد من غضب المحقق الذي ضربه بطريقة أعنف على أجزاء من جسده، ثم أحضر الصاعق الكهربائي وأوصله بأطراف يديه، وأدار المكبس، فقد باسم الوعي، لم يفق إلا بصعقة أخرى، توسل للمحقق أن يرحمه، كان جسمه يرتعش ودموعه تنهمر من ألم التعذيب.
في الأثناء أحضروا "الكاميرا والمصور"، ومن خلف الكاميرا رفعوا ورقة كتبوا عليها ما يريدون من باسم قراءته، كان هناك مسلحين خلف الكاميرا أيضاً بنادقهم مشهرة تجاهه، ولكي يحمى نفسه من التعذيب قرأ باسم الكلام المكتوب كاعتراف بتهمته: رفع إحداثيات لطيران التحالف العربي الذي يقاتل الحوثيين.
ــ 3ــ
مشتاق الفقيه
لم يكن باسم العبادي البريء الوحيد في معتقل الصالح.. الآخرون الذين وجدهم المعتقل مشتاق الفقيه، كانوا أبرياء، قال الحوثيون إنهم أسرى حرب، ولم يكن بينهم أي أسير.
عندما أخذوه كان مشتاق قلقاً على أهله ووالدته المريضة أكثر من قلقه على نفسه، وقد أمضى الأسبوع الأول في البناية التي يسميها الحوثيون: سجن الاستقبال، وهي البناية المخصصة للمعتقلين المصابين بالحالات النفسية والمختلين.
بعد أسبوع، اقتادوا مشتاق إلى التحقيق، لكنهم لم يجدوا بجعبته ما يستحق الاعتقال، فنقلوه إلى بناية أخرى في المدينة السكنية، هي البناية المخصصة لأسرى الحرب كما يقول الحوثيون، غير أنهم كانوا جميعاً معتقلين من الشوارع والنقاط الأمنية بشبهة تافهة أو بلاغ كيدي. يؤكد مشتاق:
«التقيت في السجن بشرائح مختلفة من المعتقلين ما بين خطيب المسجد والمعلم والجندي والشيخ والمثقف والبناء والنجار والحداد والسائق والعامل والمجانين وذوي الحالات النفسية.
في السجن آهات مغلوب وأنّات مقهور ودعوات مظلوم، قصص تبكي وأخرى تضحك حد البكاء، في الزنزانة تعرفت بداية دخولي إليها على ثلة من الشباب، أحدهم من سامع تعز، اعتقل من نقطة الراهدة حيفان بتهمة مجيئه من مأرب، تعرض للضرب والصعق بالكهرباء ليعترف أنه "عسكري" وشاب آخر من مديرية الصلو اعتُقِل في جولة "سوفتيل" لأنه كان يرتدي جاكيت عسكري، ولما فتشوا "تلفونه" وجدوا فيه صوراً وهو يحمل بندقية فضربوه أثناء التحقيق ليعترف.
أحد الشباب من شرعب اعتقل من نقطة "مصنع السمن والصابون" حين فتشوا مظروفاً أرسله معه أحد الأشخاص مقابل 2000 ريال رسوم توصيل، وجدوا في المظروف 25 استمارةَ تجنيد للمقاومة، فاقتادوه للسجن بسيارته "الصالون" رفقة َ20 مسلحًا وكأنهم قبضوا على مطلوب خطر.
كنت شاهداً أيضا على ما تعرض له الجندي الأسير مراد الحذراني الذي أُسر من منطقة وادي الدحي، والذي تعرض لتعذيب نفسي رهيب، فاستخدمه الحوثيون «كترس» وكانوا يطلقون النار بالرشاش المعدل، من فوق ظهره باتجاه مواقع المقاومة، ثم ربطوا على عينيه وأطلقوا النيران باتجاهه لتهديده بالقتل، وفي السجن تعرض لضغط شديد أثناء التحقيق حيث كانوا يعلقونه من رجليه ويهددون بإلقائه من الأعلى ليعترف لهم أنه داعشي.
هل تريدون أيضاً، تفاصيل عن الاثيوبي "هجوس برهام معروف" الذي تعرض للاعتقال مرتين من مديرية موزع بتهمة انتمائه لــ "بلاك ووتر"؟».
1ـ ظل الصحفي تيسير السامعي في معتقل الصالح لأكثر من خمسة أشهر سنة 2017
2ـ أطلق الحوثيون سراح باسم عبادي، في صفقة تبادل مع القوات الحكومية والمقاومة الشعبية بتعز، في ديسمبر 2017، وقد فقد جزءاً من ذاكرته جراء التعذيب
3ـ اعتقل الحوثيون مشتاق الفقيه بتاريخ 3 إبريل 2016