إحالة ملف القاضي قطران إلى النيابة تطور خطير في اتجاه تكميم الأفواه
  • 27/05/2024
  •  https://samrl.org/l?a5277 
    منظمة سام |

    جنيف- قالت منظمة سام للحقوق والحريات، إن جماعة الحوثي أحالت القاضي عبدالوهاب قطران من جهاز الأمن والمخابرات في العاصمة صنعاء إلى النيابة الجزائية المتخصصة "وهي نيابة استثنائية في القضايا الجسيمة التي تمس أمن الدولة " بتهمة إشاعة أخبار كاذبة والتحريض ضد قيادات الثورة والسلطات الرسمية، الأمر الذي يؤكد إصرار جماعة الحوثي على التضييق على حرية الرأي و إسكات كافة الأصوات التي تنتقد الوضع العام في مناطق سيطرتها.

    وأكدت سام  أن  مجلس القضاء الأعلى التابع لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، بتاريخ الإثنين ١٢ فبراير ٢٠٢٤، قد اتخذ قراراً برفع الحصانة القضائية،  تمهيداً لإحالته إلى القضاء لمحاكمته، وكانت  وكالة الأنباء  التابعة لجماعة الحوثي بالعاصمة صنعاء ، قد ألمحت في خبر لها  نشر على موقعها الرسمي  بتاريخ ١٢ فبراير  / شباط  ٢٠٢٤ إلى "أن مجلس القضاء الأعلى في اجتماعه الأسبوعي، برئاسة رئيس المجلس القاضي أحمد يحيى المتوكل، أقر برفع الحصانة القضائية عن أحد القضاة وفقا للقانون، وكذا إيقاع العقوبة المناسبة وفقا للقانون، بحق عضو نيابة، نظراً لارتكابه مخالفات في وظيفته القضائية"، بحسب الوكالة، ولم تتأكد سام حينها من اسم القاضي المشار إليه في الخبر، لكن ومن خلال تواصلها مع عدد من المقربين والمطلعين على القضية، فقد أكدوا على أن القاضي المشمول بقرار مجلس القضاء الأعلى هو القاضي المعتقل تعسفيا عبد الوهاب قطران. قال نجله "علمنا من جهات  وشخصيات مقربة من الجهات القضائية، أن القاضي المشمول بقرار مجلس القضاء هو والدي".

    اطلعت سام مؤخرا على قرار مجلس الأعلى، برقم "١٢٦" لعام ١٤٤٥ – ٢٠٢٤، بعنوان رفع الحصانة القضائية عن القاضي "عبد الوهاب محمد قطران"، تحت إمضاء القاضي أحمد المتوكل رئيس مجلس القضاء الأعلى، ورأت أن مضمون  القرار لم يوضح الجهة التي طلبت رفع الحصانة عن القاضي قطران، وأسباب الطلب، واكتفى فقط بالإشارة إلى المادة "٨٨" من القانون رقم "١" لسنة ١٩٩١، من قانون السلطة القضائية، في إجراء تحول معه المجلس إلى محلل للجريمة المبيتة ضد القاضي قطران، وغطاء لمسرحية معدة سلفا.

     

    قال توفيق الحميدي رئيس منظمة سام إن "القضاء اليمني كان يعاني الكثير من الاختلالات، واليوم يفقد ما تبقى له من استقلالية، فمنذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في ٢٠١٤ ، حرصت الجماعة على إعادة هيكلته بما ينسجم مع توجهاتها،  وحولته إلى أداة من أدوات الصراع والانتقام ضد خصومها، حيث رصدت المنظمات العشرات من المخالفات الجسيمة، التي تطعن بحيادية التقاضي، خاصة أمام المحكمة  الجزائية، والتي يهدر فيها حق  الضحايا في الحصول  على أبسط ضمانات مبادئ العدالة"، معتبرًا أن "قرار رفع الحصانة عن القاضي قطران يعكس نية الجماعة في معاقبته على خلفية تعبيره عن آرائه التي كفلها القانون اليمني والدولي على حد سواء، كما يهدف إلى إسكات بقية الأصوات  المعارضة أو المنتقدة للوضع في مناطق سيطرة الحوثيين".

    اطلعت سام في ٢ يناير/ كانون الأول ٢٠٢٤، على واقعة اعتقال قوات من جهاز الأمن والمخابرات التابعة لجماعة انصار الله (الحوثيين) القاضي عبد الوهاب قطران من منزله في العاصمة صنعاء، وطبقًا لمقطع فيديو  نشره نجل القاضي قطران على منصة إكس حينها، فقد ذكر أن مسلحي الحوثي اقتحموا منزلهم تحت التهديد، واقتادوا والده إلى جهة مجهولة على متن مدرعة عسكرية، مضيفاً أن المسلحين "صادروا هواتف وحواسب العائلة دون أن يعيدوها، وعبثوا بأثاث ومقتنيات البيت".

    لم تكتفِ جماعة الحوثي باعتقال القاضي قطران، بل قامت بتهديد نجله محمد الذي نشر عددا من الفيديوهات على منصة إكس باللغة الإنجليزية، يشرح فيها ما تعرض له والده من تعسف من قبل جماعة الحوثي، قال محمد لمنظمة سام "تلقيت تهديدات من قبل قيادات حوثية لأنني تناولت قضية اعتقال والدي، وكشفتها للرأي العام، وتوعدوني بالسجن والقتل إذا استمريت في النشر"، وأضاف: "قال أحد القيادات الحوثية لأحد أعمامي، عندما ذهبوا لمتابعة قضية والدي: "سوف يصفون ابن قطران أو يسجنونه، قل له  يهدأ، في إشارة إلى مطالبتي بالسكوت والتوقف عن النشر"، على حد تعبيره.

    عُرف القاضي قطران بمواقفه الإعلامية المناهضة لسياسة جماعة الحوثي. قال رجل التقى جهاز الأمن والمخابرات، بشأن قضية قطران لـ هيومن رايتس ووتش إن الإدارة أخبرته في البداية أن اعتقال القاضي كان لصلته بالكحول، وذكر أنه في وقت لاحق من الاجتماع، قال له أحد المسؤولين: "إذا كان لديك ديك يزعجك بصياحه طوال الوقت، ماذا ستفعل به؟".. أضاف الرجل: "عندها علمنا أن اعتقاله كان بسبب نشاطه السياسي والحقوقي".

    وكان القاضي قطران قد كتب عدة منشورات على حسابه على إكس حول انتهاكات الحوثيين لحقوق الإنسان، منها ما نشره في 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، بقوله: "لست مخولا من الشعب اليمني لمحاربة أحد، هل تفهم ذلك؟!". بعد فترة وجيزة كتب حساب موالٍ للحوثيين منشورا يذكر فيه قطران بالاسم، قائلا: "اليوم يا قطران غير أمس.. اليوم معركتنا مع أمريكا مباشرة، وليس هناك مكان لمرتزقة الداخل والمنافقين أمثالكم.. أنتم أمام خيارين إما مع الدولة أو مع أمريكا"

    وقد تعرض "قطران" باستمرار لمضايقات، على خلفية تعبيره عن رأيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها حملة التشهير والتهديدات التي أطلقها أشخاص تابعون لجماعة الحوثي ضد القاضي "عبد الوهاب قطران" على خلفية نشره تفاصيل لقائه مع عارضة الأزياء اليمنية "انتصار الحمادي" المعتقلة لدى الجماعة، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها الجماعة خطوات تُشكل تهديدًا حقيقيًا لحياة القاضي "قطران".

    وفي سياق الانتهاكات والمضايقات المتواصلة التي يتعرض لها قطران، اطلعت سام على منشور نشره نجل قطران عبر فيسبوك، يوم الخميس، بشأن اعتداء طال قطعة أرض تابعة لهم، قائلًا: "طلبوا مننا الهدوء والتوقف عن الكتابة والنشر، واليوم جاؤوا يعتدون على أرضنا بعد اقتحام بيوتنا وسجنهم لوالدي لأكثر من 140 يوما ظلما وعدوانا، دون أن يحيلوه للنيابة بعد رفع حصانته أو إخلاء سبيله".

    تتعاطى الجهات المختصة التابعة لجماعة الحوثي بسلبية مع المناشدات والشكاوى التي تقدمت  بها عائلة القاضي قطران وزملائه،  يقول  محمد نجل القاضي قطران: "تقدمنا بشكوى إلى مجلس القضاء  الأعلى" و وزير حقوق الإنسان بتاريخ ١٥ و ١٨ يناير / كانون الثاني، لكن لم نتلق رداً، بل رد علينا مجلس القضاء برفع الحصانة عن والدي".

    تواصلت سام مع القاضي أحمد سيف حاشد، عضو البرلمان في صنعاء، والمقرب من القاضي قطران والذي أفاد بأنه "تم ارتكاب كل الانتهاكات ضد قطران ولم يسمح له حتى بمحام… لافتًا إلى أن كل حقوقه الدستورية والقانونية مستباحة، حتى أنهم لم يسمحوا له بزيارته باعتباره برلمانيا ونائب لجنة حقوق الإنسان"، وأضاف: "حملت رسالة من مجلس النواب في صنعاء إلى رئيس جهاز الأمن والمخابرات -أوصلتها بنفسي-  بالإيضاح عن الانتهاكات التي تعرض لها القاضي قطران.. تسلموها ورفضوا إعطائي أي استلام أو وصل باستلامها، وامتنعوا عن الرد على هذه الرسالة.

    تتخذ جماعة الحوثي من قضايا الشرف والدين والحرب ضد أمريكا وإسرائيل، ذريعة لإسكات خصومها، وإرهابهم اجتماعيا وأخلاقيا، وتصدر العديد من الأحكام التعسفية  ضد نشطاء وصحفيين، بتهم جاهزة، تفتقد لأبسط معايير الحق في المحاكمة العادلة. وهو ما يخشاه العديد من الحقوقيين، في ظل الإسراع بإصدار قرار رفع الحصانة القضائية عن القاضي "قطران" الذي مارس معه الحوثيون نفس الأسلوب الذرائعي، من خلال عرض عدد من زجاجات الكحول على جيران القاضي، في محاولة منها لتشويه سمعته والظفر بمبررات ترمم صورتها وتصرف عنها الإدانات والسخط العام.

    إن اعتقال القاضي قطران دون إجراءات قانونية صحيحة، هو انتهاك جسيم لأحكام ونصوص القانون اليمني، بما فيها المادة 132 من قانون الإجراءات الجزائية اليمني، وقانون السلطة القضائية لسنة 1990 الذي يمنح القضاة حماية خاصة، حيث نصت المادة 87 منه على أنه "لا يجوز القبض على القاضي أو حبسه احتياطياً إلا بعد الحصول على إذن من مجلس القضاء الأعلى".

    تؤكد "سام" على أن قرار مجلس القضاء التابع لجماعة الحوثي، قرار مُسيس يهدف إلى محاكمة القاضي دون أي اعتراضات فيما يتعلق بخصوص الحصانة المُقررة للقضاة، وتشدد على أن ذلك القرار يخالف القواعد القانونية الأساسية التي كفلت حرية الرأي والتعبير، إلى جانب كونه يشكل اعتداءً على الحصانة القضائية المُقررة للقضاة والتي نص عليها القانون اليمني.  

    وتلفت المنظمة إلى أن تعامل جماعة الحوثي مع القاضي قطران يكشف عن نمط واسع من القمع الذي تمارسه الجماعة ضد النشطاء والمدافعين والمعارضين السياسيين، بما في ذلك إخفائهم والاعتداء عليهم، وتعذيبهم، واقتحام بيوتهم، واتهامهم بتهم باطلة لا أساس لها، بل وحرمانهم من حقهم في محاكمة عادلة.

    تُحمّل "سام" في ختام بيانها، جماعة الحوثي المسؤولية الكاملة عن حياة القاضي "قطران" وتدعوها للإفراج الفوري عنه، مؤكدة على أن الجماعة مطالبة بوقف ممارساتها المنتهكة لحقوق الأفراد الأساسية، لا سيما حرية الرأي والتعبير.

     


  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير