جنيف- قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن جماعة الحوثي تواصل انتهاكاتها الممنهجة ضد أبناء قرية حمه صرار (وهي إحدى منطقة قيفه ال مهدي بمديرية ولد ربيع التابعة لمحافظة البيضاء) منذ الأربعاء الماضي 7 أغسطس، وتفرض حصارًا مسلحًا على القرية من جميع الاتجاهات، مستخدمةً كافة أنواع الأسلحة بما في ذلك الدبابات والطيران المسير، بعد مقتل أحد أبناء القرية على يد أفراد نقطة تفتيش تابعة لجماعة الحوثي في مدخل القرية مما تطور إلى اندلاع اشتباكات مسلحة، في واقعة تُضاف إلى سجل الجماعة القمعي والدموي بحق المدنيين في البيضاء والمحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرتها.
قال توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام: "لا يوجد أي مبرر يمكن أن تستند إليه جماعة الحوثي في قتلها لمدنيين من أبناء قرية حمة صرار عند نقطة التفتيش، وما أعقب ذلك من قتل لعناصر جماعة الحوثي كردة فعل في منطقة تشهد توترًا مستمرًا بين قاطنيها وجماعة الحوثي، كان آخرها تفجير الجماعة لتسعة منازل في مدينة رداع، في شهر رمضان الماضي. يجب علي جماعة الحوثي وقف الانتهاكات بحق أبناء حمة صرار، ورفع الحصار المفروض والسماح للواطنين بحركة التنقل دون قيد أو شرط".
تعرضت محافظة البيضاء لانتهاكات جسيمة منذ سيطرة الحوثيين علي العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، وبحسب تقرير "حياة القهر" الصادر عن مركز رصد للحقوق والتنمية في البيضاء لعام 2023، فقد سجل 340 حالة انتهاك خلال عام 2023، ومن بين الانتهاكات التي مارستها جماعة الحوثي، فرض نقاط أمنية على مداخل القرى بينها قرية "حمة صرار"، وتحويل مسجد القرية المسمى "مسجد حمة صرار" إلى ثكنة عسكرية، فضلًا عن ذلك، شهدت المحافظة توترات مستمرة لأسباب مختلفة بما فيها التهميش والتضيق على أبناء القرية، مما أدى إلى حدوث اشتباكات كان آخرها تفجير تسعة منازل في مدينة رداع بتاريخ 19 مارس/ آذار 2024.
أجرت منظمة سام للحقوق والحريات اتصالات مع ناشطين وشهود عيان من أبناء المنطقة، عبر برنامج الواتساب اثناء تطور الاحداث 10 أغسطس 2024، من المطلعين على تفاصيل الأحداث وحاضرين أثناء وقواعها، كما اطلعت المنظمة على فيديو يتضمن مشاهد لتعزيزات عسكرية استقدمتها جماعة الحوثي إلى قرية حمة صرار، إضافة إلى صور للقتلى من المدنيين، والأضرار التي وقعت في مئذنة المسجد بعد الاشتباك مع المواطنين الذين قتل أبناؤهم في نقطة التفتيش.
أفاد الإعلامي والحقوقي ناصر الصانع (من أبناء رداع) لسام بقوله: "في يوم 7 أغسطس، الساعة التاسعة صباحاً، كان المواطن مقبل ناصر علوي الصراري يمر بدراجته النارية أمام نقطة تفتيش حوثية في وسط القرية ( قرية حمة صرار مديرية ولد ربيع قيفه)، وهي نقطة تفتيش من مجموعة نقاط مسلحة استحدثتها جماعة الحوثي خلال السنوات الماضية في مداخل ومخارج المنطقة، مضيفًا: أطلقت العناصر الحوثية المتمركزة في النقطة النار على الصراري بحجة تجاوزه النقطة بسرعة، مما أدى إلى إصابته بجروح بالغة، وعلى إثر ذلك، حاول صديقه الشاب سيف مرداس مقبل الصراري (الذي كان هو الآخر على متن دراجة نارية أخرى) مساعدته وربط جراحه، لكن الحوثيين أطلقوا النار عليه أيضاً، وقتلوه على الفور".
وأشار الصانع إلى أن هذه الحادثة أثارت غضب الأهالي الذين هبوا إلى مكان الحادث واشتبكوا مع أفراد النقطة الحوثية، لتلوذ عناصرها بالفرار والتحصن في مئذنة جامع القرية (وهو جامع كبير له مئذنة طويلة جدًا كانت المليشيات قد حولته إلى ثكنه عسكرية ومقرًا لعناصرها منذ العام 2015 عقب اجتياح الجماعة للقري)، واستمرت الاشتباكات مما أسفر عن إصابة اثنين من الأهالي بينهم الشاب محفوظ علوي الصراري"، لتتوسع بعدها الاشتباكات بين الأهالي وعناصر جماعة الحوثي المتحصنة بمئذنة المسجد حيث قُتل ثلاثة منهم وأُصيب الرابع، وخلال الاشتباكات اشتعلت النيران في درج المئذنة " وهي عبارة عن درج من الخشب".
وذكر الشيخ عبدالله الصراري "وهو أحد أبناء قبيلة صرار" في إفادته لسام أن جماعة الحوثي أرسلت تعزيزات مسلحة كبيرة من مدينة رداع القريبة، إلى تخوم قرية حمة صرار، يقودها المدعو " علي الرصاص البهجي" المعين من قبل جماعة الحوثي قائد لما يسمى الأمن المركزي بمحافظة البيضاء؛ وتدخلت وساطة قبلية مكونة من عدد من مشايخ قيفه ومن مديريات العرش والرياشية برداع بين الطرفين، أسفرت عن وقف الاشتباكات وإقناع الأهالي بالسماح بإنزال جثث قتلى الحوثيين وجريحهم من منارة المسجد، في وقت متأخر من نهار الأربعاء.
من خلال تحليل العديد من الفيديوهات والصور المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي، يبدو أن جماعة الحوثي دفعت بتعزيزات عسكرية ثقيلة إلى منطقة حمة صرار، ويُخشى أن تقوم الجماعة بعملية انتقامية ضد أبناء القرية ردًا على مقتل عناصرها. يؤكد الناشط الإعلامي عبد الله صالح العبدلي لمنظمة سام "أن الحوثي دفع بتعزيزات جديدة من اتجاه عنس محافظة ذمار لإحكام إطباق الحصار على القرية من الجهة الغربية".
يحظر القانون الدولي استهداف المدنيين، واستخدام القوة المفرطة التي تتسبب في خسائر بالأرواح وتلحق أضرارًا بالممتلكات، كما أوجب القانون الدولي الإنساني حماية الممتلكات المدنية، مثل المنازل والمستشفيات والمدارس، من الهجمات والتدمير . وبالنظر إلى سلوك جماعة الحوثي مع العديد من المناطق في وقت سابق مثل قرية قيفه ومنازل رداع في البيضاء، وحجور في محافظة حجة، والحيمة في صنعاء، ما يعزز المخاوف من ارتكاب انتهاكات واسعة كهدم الآبار، وتفجير المنازل، والقتل خارج القانون، حيث تسعي جماعة الحوثي إلى تنفيذ حملات انتقام، خشية خروج بقية القرى عن سيطرتها، خاصة في ظل ورود أنباء -لم نتوثق منها بصورة دقيقة- عن اعتقالات شنتها جماعة الحوثي وطالت مدنيين شباب وأطفال من مزارع القات الواقعة خارج القرية.
رصدت المنظمة تغريدة نشرها الصحفي المقرب من جماعة الحوثي، أسامة ساري، بتاريخ 10 أغسطس، وجه فيها اتهامات خطيرة ضد أبناء قرية حمة صرار، واصفاً إياهم بعناصر تنظيم القاعدة ومشبهًا إياهم بالإسرائيليين. نص التغريدة كان: "عناصر تنظيم القاعدة في قيفة مثل الإسرائيليين تمامًا، يريدون قتلك وحرقك في مئذنة مسجد، ثم يعلقون جثثك من أعلى نوافذ المئذنة، ويصورونها ويقيمون حفلة إعلامية دولية بهذا المنجز الإجرامي. وفي اليوم التالي، عندما تتحرك الدولة من منطلق مسؤوليتها تجاه مواطنيها لتأديبه والقصاص منه إزاء الجريمة التي ارتكبها، تراهم يضجون ويبكون وينددون ويتحولون إلى جرذان مذعورة". هذا الخطاب التحريضي والخطير يأتي في ظل أجواء متوترة وسياق إقليمي مشحون بالصراع، حيث يصنف أبناء القرية تارة "بالجرذان" وتارة "بالإسرائيليين"، مما يزيد من حدة التوتر ويهدد سلامة المجتمع المحلي.
تشير سام إلى أن جريمة قرية حمة صرار ليست فردية ولا يمكن النظر إليها بمعزل عن استراتيجية جماعة الحوثي القمعية، حيث سبق أن مارست الجماعة انتهاكات وجرائم فظيعة بحق المدنيين في البيضاء في محاولة لإخضاعهم وإجبارهم على التسليم بمشروعها الذي يستند الي حقها السياسي في الحكم بموجب ما يسمي " الاصطفاء الإلهي " ، وبالتالي فإن معارضة هذا المشروع يعد تمردًا وعداءً لا يغتفر من وجهة نظر الحوثيين.
تدعو منظمة سام جماعة الحوثي إلى رفع حصارها فورًا عن قرية حمة صرار، والتوقف عن سياسة الترهيب والقمع التي تمارسها منذ عشر سنوات بحق المدنيين في مناطق سيطرتها، وتطالب المنظمة الهيئات والمنظمات الدولية بالتعاطي الإيجابي بإدانة ممارسات جماعة الحوثي، والتي قد ترقى انتهاكاتها إلى جريمة حرب، كما تطالب المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ خطوات رادعة وجدية بما من شأنه إجبار الجماعة على التوقف عن ممارساتها القمعية ضد اليمنيين.