قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن أسرة "صالحة عبدالله يحيى" في مدينة عدن جنوبي اليمن تعيش كابوساً مرعباً لا يبدو أنه سينتهي بسبب الانتهاكات التي تعرضت لها من قبل قوات تابعة للمجلس الانتقالي الحاكم في عدن، فقد تعرضت هذه الأسرة المكونة من أم وأبنائها لسلسلة من أبشع الانتهاكات بدءاً من مصادرة أرضهم تعسفياً، وانتهاء باختطاف اثنين من أبنائها وقتل آخر، ناهيك عن تعرض أحفادها لأضرار جسدية ونفسية.
قال توفيق رئيس منظمة سام للحقوق و الحريات "رغم تواجد مجلس القيادة الرئيسي في عدن إلا أن حدة الانتهاكات من قبل قوات المجلس الانتقالي الحاكم لعدن لم تتوقف، حيث إن الوقائع التي بين أيدينا والوثائق من فيديوهات وتسجيلات صوتية تكشف أن هذه القوات لا زالت تمارس انتهاكات جسيمة، تستوجب تدخل مجلس القيادة الرئاسي والسلطات القضائية لوقفها، وإحالة مرتكبيها إلى القضاء لمحاسبتهم أمام القانون.
تقول "صالحة" في حديثها مع منظمة سام:" بدأت القصة بتاريخ ٢٨ أغسطس ٢٠٢٠ بالمعلا خلف مكتب محافظ محافظة عدن، حيث داهمت منزلنا كتيبة "أبو خطاب" بقيادة حسين وجدان ومنيف جمال عوض التابع للواء العاصفة المسؤول عليها أوسان العنشلي، ودمر المجرمون منزلنا وشردوا أسرتنا بكاملها، وسرقوا ممتلكاتنا و مدخراتنا. كنا نعيش حياة هادئة -نسبيًا- بمنزلنا الذي بنيته طوبة طوبة لأبنائي".
راجعت سام صور وفيديوهات يظهر فيه المنزل المكون من خمس غرف وقد نهب الأثاث منه، وعليه آثار حريق من الداخل وتشققات في الجدران وتدمير السطوح في بعض الغرف، وأبوابه الداخلية والنوافذ منزوعة، كما استمعت إلى تسجيلات ومحادثات واتس تضمنت ألفاظا غير أخلاقية وتهديدات باعتقال النساء والأطفال.
تتابع "صالحة" حديثها لسام وهي تبكي: "أبنائي ليس لهم ذنب سوى أنهم رفضوا التنازل عن أرضيتنا وكذا منزلنا للمجرمين. فقام هؤلاء بقتل ابني حسن (37 عاماً) في 24 نوفمبر 2021 بالشيخ عثمان - السيلة، لأنه رفض التنازل عن الأرض. كما قاموا باعتقال واختطاف ابني محمد من أمام منزله في 1 أبريل 2022، بعدما تابعوه إلى بيت جده في الممدارة وأخذوه بالقوة إلى داخل بيته بالمعلا لأجل يتنازل عن دم أخوه حسن وعن المنزل والأرضية وبعدها بأربعة أيام عادوا واعتقلوه بالقوة من أمام المنزل بتاريخ ١ إبريل 2022، ولم يسمح لنا بزيارته ويقولون إنهم قتلوه وألقوا بجثته. نحن لا نعرف ما إذا كان ابننا حيا أو ميتا. في حين لفقوا تهمة قتل لابني أحمد الذي لديه ثلاث أولاد، وسجنوه وتعرض لتعذيب شديد.
وتمتلك "صالحة" مقاطع فيديو اطلعت عليها منظمة سام تظهر لحظة اعتقال قوات "الانتقالي" لابنها محمد، كما تمتلك تسجيلات لمكالمات هاتفية مع متهمين هددوا فيها بقتل العائلة "فرداً فرداً". كما اطلعت سام على تقارير طبية تثبت تعرض ابنها حسن لإصابة بطلق ناري من مسافة قريبة أدت لموته.
وتشكو "صالحة" من عدم اهتمام الجهات المسؤولة بالقبض على المتهمين بقتل ابنها حسن، على الرغم من صدور قرار بالقبض عليهم ومنعهم من السفر منذ أكثر من عام. والمتهمون يتجولون بحرية ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي، حسب قولها.
تقول أخت حسن وهي تبكي بحرقة: " لم نعد نؤمن بوجود عدالة في هذا البلد، فقد تسبب القمع والظلم في مقتل أخي الغالي ولم يتحرك أحد. قضية أخي الفقيد موجودة في نيابة الشيخ عثمان منذ أكثر من عام، وصدر قرار بالقبض على قتلت أخي ومنعهم من السفر، ولكن لا أحد يهتم أو ينفذ هذا القرار. فالقتلة يتجولون في الشوارع ويعيشون حياتهم كأن شيئا لم يكن، بينما نحن نعاني من الألم النفسي والمادي".
وتضيف صالحة أن ثلاثة من أحفادها تضرروا نفسياً وجسدياً من جراء ما حدث، منهم: "تيسير أحمد" (12 عاماً) أصيبت بمرض السكري، و"أيمن أحمد" (5 أعوام) الذي أصيب بالخرس من شدة الصدمة، و"إشراق أحمد" (عامين ونصف) التي انفجرت طبلة أذنها من شدة إطلاق النار، أثناء اعتقال عمها محمد.
وتضيف ابنتها: "إخوتي كانوا معيلي الأسرة، وبعد كل ما حدث تفككت أسرتنا وضاع مصدر رزقنا. أطفال أخي الأيتام يبكون كل ليلة طالبين والدهم، بينما أمهم تحاول تهدئتهم وهي نفسها مكسورة الخاطر. من يرحمنا و ينصفنا في هذا البلد؟ ومتى سنجد العدالة المنشودة؟!".
Your browser does not support the video tag.
في عام ٢٠٢١ رصدت منظمة سام أكثر من عملية انتهاك ارتكبتها قوات تابعة للمجلس الانتقالي ضد مدنيين أغلبيتهم من فئة المهمشين، حيث عمدت إلى إحراق منازل العشرات منهم بمنطقة جبل الفرس بمحافظة عدن وبحسب مصادر حقوقية فإن قوات تابعة للمجلس الانتقالي أحرقت أكثر من ١٨٠ منزلا وهجرت أصحابها، ورغم احتجاج الأسر المتضررة على هذا الإجراء ونزولها إلى الشوارع إلا أنها لم تجد أي استجابة.
يقول محمد نحن أسرة مكونة من أربعة أفراد، مات أبي وأنا عمري ١٧ عاما، وكان قد بنى لنا بيتا عام 2012 في جبل الفرس، إلا أنه بعد هذه الفترة جاء العسكر وأحرقوا منازلنا، قالوا لنا أمامكم ساعة لتتركوا منزلكم أو نخرجكم بالقوة، وحرقوا جميع البيوت في تلك المنطقة ونزلنا مع أسرنا جلسا مدرسة مدرسة تلات، تشردت أسرنا ولا ندري أين نذهب.
يبدو أن المليشيات المسلحة في عدن تعمل في ظل إفلات شبه كامل من العقاب وغياب الرقابة القانونية والقضائية من أي نوع؛ حيث تؤكد الوقائع المتعددة التي رُصدت خلال الأعوام السابقة أن هذه الجهات أصبحت لا تهتم بأي رقابة قضائية او لصدور أي بيانات حقوقية او إعلامية، وأصبحت هذه الجهات مصدر للريب والشك والخوف للأسف الشديد، وأصبحت بياناتها وتصريحاتها مصدر للشك والريب، فمنذ اعتقال الصحفي أحمد ماهر بتاريخ ... وإظهاره بطريقة غير إنسانية بشريط مسجل، ورفضها إحضاره للمحاكمة أكثر من 8 جلسات، تبين للجميع أن هذه المليشيات أصبحت هي المتحكمة في زمام الأمر في عدن ، ويجب على الجميع وقفها والعمل علي عودة المؤسسات الأمنية الخاضعة لسلطة القانون، ومحاسبة قيادتها على كافة الجرائم التي ارتكبتها.
للأسف انعكس الصراع في اليمن على سلطات إنفاذ القانون، حيث أصبحت المؤسسات القضائية هشة وغير قادرة على القيام بواجبها في تحقيق العدالة، وإنفاذ الأحكام القضائية، وردع الأشخاص والمؤسسات التي تتعمد تعطيل القانون ومخالفة أحكامه خاصة الأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان كالاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء خاصة في النقاط المنتشرة في أرجاء واسعة.
تحظر المواد الأساسية في الدستور اليمني الاعتقال التعسفي والإعدام خارج القانون، كما تحرم التعذيب او الترهيب أو الإكراه أو الاعتقال التعسفي دون إشراف النيابة العامة، كما تصون حرمة المنازل والملكية الخاصة التي لا تجوز مصادرتها إلا وفق إجراءات قانونية وقضائية خاصة، وهو ما لم تلتزم به قوات أوسان العنشلي الذي يعد مسؤولا عن جريمة قتل خارج نطاق القضاء وإحراق ممتلكات أسرة صالحة عبدالله
كما تنتهك بصورة واضحة الاتفاقيات الدولية وخاصة البروتوكولات المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية في احترام الحق في الحياة، والتي تعتبر اليمن جزء منها والتي تحظر الاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري، وضرورة احترام الكرامة الإنسانية للإنسان.
تأمل هذه الأسرة المنكوبة في أن تحصل على العدالة التي طال انتظارها، وأن تقوم السلطات بمحاكمة الجناة والاقتصاص من قتلة ابنها، وتأمل في عودة ابنيها المختطفين والمعتقلين ظلماً. كما تأمل في أن تستعيد حياتها واستقرارها الذي سلب منها بسبب حوادث القمع التي تعرضت لها.