قالت منظمة سام للحقوق والحريات عضو "تحالف ميثاق العدالة لليمن " في بيان لها صدر في الذكرى الثانية لإعدام عشرة من أبناء الحديدة جاء فيه إن استمرار أنصار الله (الحوثيين) في إصدار أحكام الإعدام ضد الخصوم السياسيين، من قبل محاكم لا تتوفر فيها معايير المحاكمات العادلة بدعوى التعاون مع العدوان يثير قلقا كبيرا لدى نشطاء حقوق الإنسان، وأسر ضحايا السياسيين الذين ما زالوا رهن المحاكمات الصورية ، ويفتح الباب على الدور الذي بات يلعبه القضاء كأداة من أدوات الانتقام السياسي، وتدعو جماعة الحوثي إلى التوقف الفوري عن إصدار أحكام الإعدام عبر قضاء مسيس ويفتقر للاستقلالية.
تجاهل حركة أنصار الله "الحوثيين" بشكل مستمر النداءات الأممية والدولية لمنظمات حقوق الإنسان الداعية إلى وقف المحاكمات الصورية ضد النشطاء السياسيين والصحفيين على خلفيات سياسية والتي تنتهي غالبا بأحكام الإعدام ومصادرة الممتلكات والتي تفتقر لأبسط معايير المحاكمات العادلة.
منذ العام ٢٠١٧ إلى اليوم، أصدرت محاكم جماعة الحوثي ما يقارب ( ٥٥٠) حكماً بالإعدام لمحتجزين /ات على خلفيات سياسية ومصادرة أموالهم، بعضها بإجراءات موجزة بعدد جلسات لا يضمن تأكد هيئة المحكمة من أسماء المتهمين فضلاً عن التهم الموجهة إليهم، ورافقها انتهاكات حقوقية جسيمة متعلقة بالإخفاء القسري والتعذيب.
في ١٨ سبتمبر/ أيلول 2021 نفذت مليشيا الحوثي عملية إعدام بحق تسعة مدنيين بينهم طفل في صنعاء، إضافة لآخر مات تحت التعذيب وهم علي القوزي، عبد الملك أحمد حميد، محمد خالد الهيج، محمد إبراهيم القوزي، محمد يحيى نوح، إبراهيم محمد عاقل، محمد محمد المشخري، عبد العزيز علي الأسود ومعاذ عبد الرحمن عبد الله" في ميدان عام وسط العاصمة صنعاء رميًا بالرصاص أمام حشد في صنعاء وعدسات الصحفيين، بصورة غير إنسانية لم تحترم مشاعر الضحايا وأهاليهم والمجتمع اليمني والدولي، و ذلك بعد محاكمة هزلية شهدت حرمان المتهمين من أبسط حقوقهم الأساسية، وبشكل ينتهك كافة المواثيق والقوانين الدولية التي تكفل حماية الحق في الحياة والكرامة الإنسانية، وحق ضمان تطبيق العدالة وحق الدفاع عن النفس والحق في محاكمة عادلة.
الناشطة الحقوقية والمحامية هدى الصراري علقت "ما حدث لابناء الحديدة بأنه قتل خارج إطار القانون، وأن الضحايا الذي تم إعدامهم لم يتحصلوا على دفاع قانوني وإجراءات المحاكمة تمت بطرق غير قانونية، وحرموا من حقهم في الوصول للعدالة، فالتهم التي أُلصقت بهم كانت جاهزة كالعادة، هذا بالإضافة إلى تلقيهم التعذيب والمعاملة القاسية وكان ظاهرا على الضحايا ذلك حتى أن أحدهم كان قاصرا ولم يستطع الوقوف من شدة التعذيب، فما حدث جريمة حرب ووصمة عار في تاريخ هذه الجماعة الدموية خاصة فيما ترتكبه من انتهاكات وتنكيل في حق أبناء تهامة بشكل خاص.
لقد شكل تنفيذ الإعدام صدمة للمجتمع الدولي، حيث أشار الاتحاد الأوروبي في بيان صدر بتاريخ ٢٠ سبتمبر /أيلول ٢٠٢١ "عن وجود مخالفات في العملية القضائية المرتبطة بقرار الإعدام ومزاعم بسوء المعاملة"، فيما قال مكتب الأمم المتحدة "إن إجراءات التقاضي لا يبدو أنها استوفت متطلبات المحاكمة العادلة والعملية القانونية الصحيحة بموجب القانون الدولي، كما أدانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، عملية الإعدام واصفة إياها ب"الوحشية"، فيما قالت القائمة بالأعمال الأمريكية في اليمن "كاثي ويسلي" إن "هذا العمل المخزي يُضاف إلى الأمثلة على عدم اكتراث الحوثيين بحقوق الإنسان الأساسية".
توكد منظمة "سام" أن مرحلة المحاكمة "الشكلية"، شهدت تضييقًا مستمرًا وغير مبرر على المتهمين وممثلي دفاعهم ولم يمكنوا من حقهم في الدفاع بل فاجأتهم المحكمة الابتدائية بأن أمامهم ثلاث جلسات متتالية خلال أسبوعين فقط ، وعندما طالب المتهمون برد القاضي جراء ذلك الإخلال المتعمد بحق الدفاع وجراء قيامه بإصدار قرار بتغيير الدعوى والادعاء بوقائع وأفعال خلافا لقرار الاتهام قام بحجز القضية للحكم قبل أن يتقدم المتهمون وممثلو دفاعهم أي مذكرة دفاع ويمكنوا من تقديم أدلة دفاعهم .
شكل تنفيذ حكم الإعدام صدمة على المستوى المحلي والخارجي ، سبقه حرمان الضحايا من المقابلة الأخيرة لأسرهم ، كما مارست جماعة الحوثي التشفي والتعذيب النفسي للضحايا قبل إعدامهم، يقول احد الضحايا في رسالته الأخيرة إلى أسرته " ارفعوا رؤوسكم، هكذا حكم الله وقدر لي أن أستشهد ظلما وعدوانا فلقاء الله حق، يعلم الله أني خدمت وطني بكل أمانة ونزاهة ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل على كل ظالم ،وأسأل الله أن ينتقم من كل ظالم" في حين كتب نوح لزوجته " الزوجة الصابرة المحتسبة زوجك بريء لم يقترف جرما ابدا اشمخوا اثبتوا ثبوت الجبال"
مازال آثار تلك الواقعة المروعة بحق الضحايا في نفوس اليمنيين، وأسرهم، خاصة الأطفال والنساء، وسيتذكرها اليمنيون بوجع شديد، يجب ان يتحد الجميع لوقف المحاكمات الصورية الهزلية ، ووقف جميع أحكام الإعدام ضد النشطاء السياسيين، وتعديل القوانين التي يتم استغلاها للانتقام من أصحاب الرأي السياسي والفكري، يقول أحد أقارب الضحية عبدالملك " إن شعور الأسرة بعد فقدانه ليس فقط الضرر على أبنائه أو إخوته ، بل العائلة كلها تعرف عبدالملك حُميد وكيف كان معهم كلهم وشعور لا يُحسد عليه حيث أنه سُجن ثلاث سنين وأول ستة أشهر إخفاء قسري وتعرض لتعذيب ، فالحالة النفسية إلى الآن متدهورة جداً من الذي حصل أو بمجرد التفكير في الذي حصل لكن الله يعصم القلوب ويحق الحق عاجلًا غير آجل وينتقم ممن كان السبب وقالها وكررها بقوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ ميتون ثم إِنَّكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)
تشدد المنظمة على أن ما قامت به جماعة الحوثي بحق الـ 9 أشخاص تخالف ما أورده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من حقوق والتزامات تضمن الحق في الحياة والسلامة الجسدية والمحاكمة العادلة، كما أنها تخالف نص الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 ديسمبر / كانون الأول 2006 ، والتي أكدت على أن ممارسة الاختفاء القسري على نطاق واسع أو بشكل منهجي تشكل جريمة ضد الإنسانية. مؤكدة على أن عملية الإعدام أيضًا تخالف قواعد القانون الدولي معتبرة بأن تنفيذ حكم الإعدام هو بمثابة أمر قتل مباشر وخارج إطار القانون الأمر الذي يُعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تدخل في إطار عمل المحكمة الجنائية الدولية.
يُلزم القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية ذات الصلة قوات وأفراد جماعة الحوثي احترام القواعد القانونية التي كفلت حماية المدنيين، لا سيما معايير حقوق الإنسان. التي حظرت المس بحق الأفراد في الحياة وسلامتهم الجسدية إضافة لتجريمها الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، والتعذيب كما تؤكد تلك المعايير على الحق في محاكمة عادلة، ووجوب توقيف الأشخاص بناء على قرار قضائي.
واختتمت المنظمة بيانها بدعوة المجتمع الدولي إلى ممارسة دوره الأخلاقي والقانوني بالضغط على جماعة الحوثي لوقف ممارساتها الإجرامية بحق المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، مطالبة بتلبية طلبات ذوي الضحايا وضرورة تقديم كافة المتورطين بعملية إعدام وقتل الـ 9 الأشخاص للعدالة الجنائية، مشيرة إلى أن استمرار الصمت غير المبرر من قبل المجتمع الدولي يعزز لدى أطراف الصراع المختلفة التمادي في انتهاك حقوق الأفراد لا سيما مع استمرار سياسة الإفلات من العقاب المترتبة على عدم تحمل المجتمع الدولي لا سيما أجهزته القضائية لمسئولياته القانونية.