جنيف- قالت منظمة سام للحقوق والحريات بأن اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يأتي في وقت عصيب يمر به الفلسطينيون لا سيما سكان قطاع غزة الذين يتعرضون لجرائم إبادة جماعية وتهجير قسري ممنهج، وسط غياب شبه كامل للأجهزة الدولية الرئيسية وآليات الأمم المتحدة تجاه المجازر التي تستهدف النساء والأطفال والأعيان المدنية.
وذكرت المنظمة في بيانها، بأنه على الرغم من إعلان الأمم المتحدة تاريخ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام مناسبة دولية للاحتفال بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، إلا أن ما تشهده الأراضي الفلسطينية وسكانها أضحى شاهدًا على جرائم الإبادة الجماعية والمجازر المتكررة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي منذ 50 يومًا أمام مرأى ناظري العالم وأجهزته الدولية دون أن تُسجل تلك الدول أي موقف حقيقي أو تحرك يوقف تلك الجرائم.
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، اعتباراً من 23 تشرين الثاني/نوفمبر، أصبح أكثر من 1.7 مليون فلسطيني في غزة نازحين داخلياً، بما في ذلك أكثر من مليون نازح داخلي يقيمون في مختلف الملاجئ التي تديرها الأونروا. إن الإجراءات على الأرض، بالإضافة إلى الدعوات الصريحة للقيادة الإسرائيلية للتطهير العرقي في غزة والتصريح الأخير لوزير الدفاع غالانت بأنه بمجرد انتهاء "الهدنة الإنسانية"، فإن الجيش الإسرائيلي سيستأنف القتال المكثف لمدة شهرين آخرين على الأقل، يثير القلق من أمرين إما الترحيل الجماعي المحتمل للسكان المدنيين في غزة إلى مصر، أو النقل الدائم للمدنيين من شمال غزة إلى جنوبها، وكلاهما يشكلان انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي.
أعلن عدد من خبراء الأمم المتحدة اليوم أنّ الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين في أعقاب اعتداء 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لا سيما في غزة، تشير إلى وقوع إبادة جماعية. وتم عرض الأدلة القاطعة على تفاقم التحريض على الإبادة الجماعية، والنية العلنية "بالقضاء نهائيًا على الشعب الفلسطيني المحتلّ"، والدعوات الصارخة لـ ’نكبة ثانية‘ في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلّة، واستخدام أسلحة قوية ذات آثار عشوائية بطبيعتها أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح وتدمير البنية التحتية المديمة للحياة. كما دق الخبراء ناقوس الخطر بشأن تصاعد عنف الجنود والمستوطنين المسلحين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. فمنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل ما لا يقل عن 190 فلسطينيًا، وأصيب أكثر من 2,700 آخرين بجروح، وشُرِّد أكثر من 1,100 شخص في الضفة الغربية المحتلة. وفي 9 تشرين الثاني/ نوفمبر، قصفت القوات الإسرائيلية للمرة الثانية مخيم جنين للاجئين بالمدفعية الثقيلة والغارات الجوية، ما أسفر عن مقتل 14 فلسطينيًا على الأقل. كما أدت البيئة القسرية المتزايدة إلى تشريد العديد من مجتمعات الرعاة والبدو من وادي الأردن وجنوب تلال الخليل قسرًا.
في 15 أكتوبر 2023، وقع أكثر من 800 باحث وممارس في القانون الدولي والدراسات المتخصصة في الصراعات والإبادة الجماعية بيانًا عامًا دق فيه الباحثون ناقوس الخطر بشأن احتمال ارتكاب القوات الإسرائيلية جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. مؤكدون على أنهم لم يفعلوا ذلك باستخفاف، لكنهم يدركون ثقل هذه الجريمة، وخطورة الوضع الحالي تتطلب ذلك.
ومن بين الموقعين باحثون بارزون في دراسات المحرقة والإبادة الجماعية، بالإضافة إلى العديد من باحثي القانون الدولي و " TWAIL. "مقاربات العالم الثالث للقانون الدولي".
وأبرزت "سام" بأنها ترصد ومنذ اليوم الأول لبداية الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية ضد قطاع غزة جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين، حيث أسفر العدوان الإسرائيلي عن قتل ما يقارب 20 ألف مدني بينهم 8176 طفلا و 4112، مشيرةً إلى أن نحو 40% من الضحايا هم من النساء والأطفال الذين قتل معظمهم داخل بيوتهم، بعد أن قصف الجيش الإسرائيلي المنازل على رؤوس ساكنيها دون تحذير أو الانتباه لقواعد القانون الدولي في حظر أي هجمات تستهدف الأعيان المدنية.
لقد عمل جيش الاحتلال على تهجير سكان شمال غزة ، لتنفيذ سياسة التدمير الشاملة للحياة فيها ، ورغم "الهدنة الإنسانية" في غزة، يبدو أن إسرائيل لا تنوي السماح للفلسطينيين النازحين داخليًا بالعودة إلى منازلهم، وتستمر في تقييد وصول المساعدات الإنسانية إلى الأشخاص المتبقين في الشمال. وفي الواقع، فإن المساعدات التي وصلت أخيراً إلى شمال غزة خلال "الهدنة الإنسانية" غير كافية إلى حد كبير مقارنة بحجم الأضرار والدمار الذي أصاب البنية التحتية المدنية بسبب الهجمات الإسرائيلية، وخاصة المستشفيات، والمحنة الإنسانية التي يعاني منها آلاف المدنيين الذين بقوا هناك.
وفي هذا السياق تُشير المنظمة إلى أن جرائم الإبادة الجماعية التي تتم بحق الفلسطينيين في قطاع غزة هي الأحدث بين مئات المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948، التي وصلت إلى 531 مجزرة، وبأنها لن تكون الأخيرة ما دام العالم يكتفي بدور المتفرج على جرائمه.
حيث قام الاحتلال الإسرائيلي خلال عامي 1947 و1948 بعدة مجازر أسفرت عن قتل 15 ألف فلسطيني، وتشريد 950 ألفاً من أصل مليون و400 ألف وتدمير 531 قرية فلسطينية من بين 1300 قرية ومدينة.
تُظهر الأرقام بأن سلوك الجيش الإسرائيلي يرتكز على التسبب بإحداث أضرار جسيمة بحق المدنيين الفلسطينيين عبر تنفيذ جرائم إبادة جماعية متكررة في الأراضي الفلسطينية، إلا أن الملاحظ حاليًا –داخل قطاع غزة- بأن رقعة تلك الجرائم تأخذ منحنى بالاتساع والخطورة لا سيما استهداف الأعيان المدنية مثل المستشفيات ودور العبادة والأحياء السكنية التي أقر القانون الدولي لها بالحماية الخاصة.
لقد رصدت منظمة "سام" خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة لجوء الجيش الإسرائيلي لسياسة الأرض المحروقة عبر محو مجمعات سكنية بأكملها بحجة قصف أهداف عسكرية، الأمر الذي أسفر عن إبادة عائلات بأكملها وشطبها نهائيًا من السجل المدني، كما وثقّت استخدام الجيش لأسلحة محرمة دوليًا كالفسفور الأبيض التي قصف بها مراكز لإيواء النازحين في أكثر من منطقة لا سيما شمال قطاع غزة بما في ذلك المدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين، دون أن يكون هناك أي موقف حازم من الأمم المتحدة على استهداف مقراتها والمدنيين المتواجدين بداخلها.
تؤكد سام على ضرورة الاعتراف القانوني بجريمة التطهير العرقي الذي مورس بحق الشعب الفلسطيني وحملات الإبادة المنظمة التي مارستها إسرائيل كدولة احتلال في الماضي ولاتزال في الوقت الراهن ، حتى تتهيأ الأرضية السياسية المناسبة لإيجاد حل عادل للشعب الفلسطينيين يتمثل في إيجاد دولته المستقلة التي يعيش فيها الفلسطيني بحرية وأمان ، ويتربى أبناؤهم على ترابها
تؤكد المنظمة الدولية على أن القانون الدولي الإنساني نص على حماية المدنيين، واعتبرها واجبة في جميع الحالات وتحت أي ظرف، واعتبر قتل المدنيين جريمة حرب في كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وقد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية. ومنه ما نصت عليه المادة (25) من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية والتي حظرت "مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية". بموجب المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة، يعد تدميرا للممتلكات على النحو الذي لا تبرره الضرورات الحربية وعلى نطاق كبير من المخالفات الجسيمة التي تُوجب المحاكمة. كما تعد تلك الممارسات جريمة حرب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
تطالب "سام" كل من الأمم المتحدة والدول والقوى ذات العلاقة إلى ممارسة الضغط الكامل على إسرائيل لوقف جرائم الإبادة الجماعية ضد المدنيين على نحو فوري، وتحييدهم عن العمليات العسكرية، وفتح جميع المنافذ الحدودية المغلقة، بما يضمن تدفق الإمدادات الطبية والغذائية واللوجستية إلى القطاع.
كما تطالب المنظمة بتحرك دولي فوري لإلزام إسرائيل بقواعد القانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب)، بما في ذلك حماية المدنيين عبر وقف عدوانها وهجماتها العشوائية غير المتناسبة ووقف استهداف البنية التحتية المدنية عمدا، مُحمّلة المجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عن تصاعد الجرائم ضد المدنيين في قطاع غزة في ظل استمرار موقف المجتمع الدولي السلبي والضعيف أمام جرائم الإبادة الجماعية التي تحدث في القطاع.