جنيف- قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن إقحام الشباب اليمني في الحرب الروسية-الأوكرانية من خلال شبكات تجنيد قسرية يمثل خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ويرقى إلى مستوى الاتجار بالبشر، وهو ما يستدعي اتخاذ خطوات حازمة لملاحقة ومعاقبة المتورطين، من خلال تشديد القوانين الوطنية لحماية الشباب من الاستغلال، وضرورة تكثيف الرقابة على المنافذ، إضافة إلى فتح تحقيقات دولية حول هذه الانتهاكات.
وأشارت سام إلى وجود شبكة معقدة من التجنيد القسري، حيث تقوم مجموعات محلية بالتعاون مع وسطاء دوليين لتجنيد شباب يمني تحت وعود كاذبة بوظائف وأجور مغرية، تصل في بعض الأحيان إلى 10,000 دولار أمريكي، مضيفةً أنه ومع غياب الرقابة وضعف الوعي القانوني، يصبح الشباب اليمني فريسة سهلة للاستغلال في النزاعات العسكرية.
وذكرت المنظمة أن المجندين فور وصولهم إلى روسيا، يتعرضون لانتهاكات جسيمة، إذ يُجبرون على القتال في ظروف قاسية وغير إنسانية، ويُحرَمون من الطعام والرعاية الطبية،كما أنهم يتعرضون للإصابات والوفاة بسبب القصف العشوائي في جبهات القتال، وهو ما يشير إلى مدى استغلال هذه الشبكات لهشاشة الوضع الإنساني للمجندين.
ولفتت منظمة سام في بيانها إلى أن الظروف الاقتصادية المزرية في اليمن، بما في ذلك البطالة والفقر المنتشر، تجعل من الشباب هدفًا سهلًا للاستغلال، إضافة إلى أن غياب الوعي بالقوانين الدولية والمحلية يزيد من تعرضهم للاستغلال من قبل الشبكات القسرية، ويجعلهم أكثر عرضة للانتهاك في محيط النزاع العسكري.
وأضافت إلى جانب التجنيد، يسعى العديد من اليمنيين إلى الهجرة نحو أوروبا، هربًا من الظروف الكارثية، إلا أن غياب الدولة وضعف آليات الحماية يجعلهم عرضة لشبكات الاتجار بالبشر التي تستغل حاجتهم الماسة للعمل، حيث أفادت تقارير سابقة بمشاركة يمنيين في صراعات إقليمية مثل القتال في السودان، وهو ما يعكس نمطًا خطيرًا من الاستغلال القائم على وعود كاذبة.
تابعت منظمة "سام" قضية التجنيد غير القانوني للشباب اليمنيين في روسيا، وتمكنت من جمع شهادات مباشرة من مجندين سابقين، بالإضافة إلى تقارير من مصادر أمنية، وتبين أن هذه العمليات التي تجري تحت غطاء الوعود بمكافآت مالية كبيرة، تشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وتُبرز الاستغلال الاقتصادي في ظل تدهور الظروف المعيشية باليمن. تكشف الشهادات التي حصلت عليها سام عن وجود شبكة منظمة تُدار بعناية لتنفيذ عمليات نقل الأفراد، مع استخدام واجهات متعددة للتمويه على أنشطة التجنيد.
ولفتت سام إلى أن شبكة التجنيد القسري لا تقتصر على الوكلاء المحليين بل تشمل أيضًا أفرادًا مرتبطين بجماعات سياسية داخل اليمن، مثل عبد الولي الجابري، الذي يعد من الأسماء البارزة في هذه الشبكات، حيث يتم استدراج المجندين عبر وعود بالهجرة والعمل، ثم يتم نقلهم عبر قنوات غير قانونية إلى روسيا، ويُحتجزون في معسكرات تدريب عسكرية قسرية، مضيفةً أن هذه العمليات غالبًا ما تتم دون علم المجندين الكامل بالعواقب القانونية أو الإنسانية المترتبة على توقيعهم على عقود غير مترجمة.
وأشارت سام إلى وجود شخص يعتقد انه يحملون الجنسية الروسية ، ينشط في تسهيل استخراج الفيزا من القنصلية الروسية في سلطنة عمان ، ومقرب من مكتب الجابري ، وربما يكون علي علاقة بجماعة اخري تستقبل المجندين في الاراضي الروسية .
واعتبر البيان أن هذه المعطيات لا يمكن فصلها عن المشهد السياسي الإقليمي، إذ ألمحت تقارير مختلفة إلى تطور العلاقة بين جماعة الحوثيين وموسكو، ويُعتقد أن هناك تنسيقًا غير مباشر في عمليات استقطاب اليمنيين للقتال في مناطق النزاع. يأتي ذلك في ظل علاقات الحوثيين الدولية المتنامية، وخصوصًا مع القوى الداعمة لمواقفهم، مما يثير تساؤلات حول مستوى التنسيق في استغلال اليمنيين كوقود لصراعات دولية.
اطلعت سام على تقرير أمني سري صادر عن جهة تابعة للحكومة الشرعية في اليمن، كشف النقاب عن شبكة معقدة يقودها عبدالولي الجابري، عضو مجلس النواب التابع لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء، وهو قائد عسكري برتبة لواء. ويؤكد التقرير أن الجابري أسس شركة في العاصمة العمانية مسقط، وُصفت بأنها واجهة لتنظيم عمليات نقل مجندين يمنيين إلى روسيا بغرض الانضمام إلى الجيش الروسي.
ويورد التقرير أن الجابري زار روسيا في مايو 2024 برفقة مساعده محمد قاسم العلياني، حيث عقد اجتماعات مع شخصيات روسية لوضع التفاصيل اللوجستية والمالية لنقل المجندين، ويبدو أن هذه الاجتماعات أثمرت عن تسهيل دخول دفعة أولى مكونة من 120 مجندًا يمنيًا إلى روسيا. إلى جانب ذلك، تسلم مكتب الجابري عددًا كبيرًا من جوازات السفر اليمنية لتقديمها إلى القنصلية الروسية بهدف تسريع إجراءات السفر، ويشير التقرير أيضًا إلى شخصية غامضة تدعى "ديمتري"، روسي الجنسية، يعمل كممثل للجانب الروسي مع مكتب الجابري، حيث كان دوره محوريًا في تسهيل العمليات بين الأطراف، ما يشير إلى مستوى عالٍ من التنسيق بين الجانبين.
قدم عدد من المجندين شهادات لمنظمة سام حول الآلية التي تستخدمها شبكة التجنيد التي تديرها شركة الجابري لتجنيد الأفراد ونقلهم إلى روسيا، وأفادوا بأن إصدار التأشيرات يتم من قبل السفارة الروسية في سلطنة عمان. بعد ذلك، يُطلب من المجندين من مختلف المحافظات السفر إلى مدينة الغيضة، عاصمة محافظة المهرة، حيث يتم تجميع أصحاب التأشيرات. أوضح الشهود أن الشبكة تعتمد على شركة سفريات وسياحة يديرها مكتب الجابري، ويبدو أن هذه الشركة أُنشئت كواجهة لتغطية أنشطة التجنيد.
وأبرز البيان أن المرحلة الثالثة من عملية نقل المجندين تبدأ بعد عبور باصات النقل منفذ صرفيت الحدودي بين سلطنة عمان واليمن، لتصل إلى محطة محورية تُدار بدقة تنظيميّة. وفقًا لشهادات مجندين حصلت عليها منظمة "سام"، يتم تسهيل دخول هؤلاء الأشخاص الحاصلين على تأشيرات سياحية روسية صادرة من القنصلية الروسية بمدينة الغيضة اليمنية. بمجرد وصولهم إلى العاصمة العمانية مسقط، تنقلهم شركة الجابري للنقل والسفريات إلى شقق مفروشة مُجهزة خصيصًا لهذا الغرض في منطقتي الخوير والغبرة بمسقط، حيث تُشرف شركة الجابري للاستيراد على إقامتهم المؤقتة.
في الخطوة التالية، يتم تنظيم سفرهم إلى موسكو عبر مطار دبي الدولي من قبل شخص يُدعى محمد قاسم العلياني، وهو يمني الجنسية. الهدف من هذه الرحلة ينقسم إلى مسارين: المسار الأول يتضمن الانضمام إلى القوات الروسية للقتال في أوكرانيا، بينما يُستخدم المسار الثاني لتهريب بعض الأفراد إلى دول أوروبا. وقد تمكنت "سام" من توثيق هذه التحركات عبر أدلة مادية شملت تذاكر سفر، إحداها تؤكد الرحلة بتاريخ 2 أغسطس 2024، والتي أظهرت مسارًا واضحًا يبدأ من مسقط إلى دبي ومنها إلى موسكو.
وخلصت سام إلى أن هذه المعلومات تكشف عن أبعاد جديدة للصراع اليمني، حيث تتداخل مصالح إقليمية ودولية في استغلال الأوضاع الداخلية لتحقيق أجندات عسكرية وسياسية، وفي هكذا سياق فإن النشاط الذي قاده الجابري يفتح الباب أمام تساؤلات أوسع حول طبيعة الدور الروسي في اليمن، ومدى تأثير هذا التحرك على ديناميكيات النزاع الإقليمي والدولي.
وأوردت سام أن عمليات التجنيد القسري واستغلال ضعف الأوضاع الاقتصادية لليمنيين يمثل خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقيات جنيف التي تحظر تعريض المدنيين للخطر. كما تدخل هذه الانتهاكات ضمن نطاق الاتجار بالبشر، وفق بروتوكولات الأمم المتحدة الخاصة بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص.
تُظهر شهادات عديدة حصلت عليها سام، وتقارير صحفية، أن المجندين اليمنيين تعرضوا لعملية خداع ممنهجة من قبل شركة "الجابري وشركائه"، حيث تم استقطابهم بوعود مالية مغرية شملت دفعات تصل إلى 10 آلاف دولار، وراتب شهري قدره 2500 دولار، بالإضافة إلى حوافز أخرى كالتأمينات والجنسية. بيد أن الواقع كان مختلفًا تمامًا؛ إذ وجد هؤلاء العمال أنفسهم محتجزين في معسكرات داخل روسيا، تُفرض قيود صارمة على حركتهم، فلا يُسمح لهم بالمغادرة إلا تحت حراسة مشددة ولأغراض محدودة جدًا كشراء احتياجات أساسية، ليعودوا بعدها مباشرة إلى مواقع احتجازهم.
وأضافت سام أنه بمجرد إدراكهم حقيقة الأوضاع، رفض العمال بشدة الانخراط في جبهات القتال، مؤكدين أنهم حضروا على أساس عقود عمل مدنية، وليس بصفة مقاتلين. إلا أن هذا الموقف أدى إلى تعقيد أوضاعهم، حيث أُبلغوا بعدم وجود سبيل للخروج أو العودة إلى بلادهم، وقد حاول المحتجزون إيصال معاناتهم عبر تقديم شكاوى رسمية للسفير المعني في المنطقة، لكن دون نتائج ملموسة، على الرغم من تفاقم أوضاعهم خاصةً مع ورود تقارير عن وفاة بعض العمال في ظروف غامضة أثناء عمليات قتالية.
وأكد البيان الصادر عن سام على أن استغلال الشباب اليمني في الحرب الروسية-الأوكرانية ليس مجرد انتهاك لحقوق الإنسان، بل هو أيضًا جزء من أزمة أوسع تتداخل فيها المصالح الدولية والإقليمية مع المأساة الإنسانية، منوهاً بضرورة اتخاذ إجراءات قانونية عاجلة لحماية المجندين العائدين وتفادي تكرار مثل هذه الانتهاكات.
ودعت منظمة سام للحقوق والحريات الحكومة اليمنية إلى ضرورة اتخاذ خطوات حازمة لملاحقة ومعاقبة المتورطين في عمليات التجنيد القسري، من خلال تشديد القوانين الوطنية لحماية الشباب من الاستغلال، وتعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر التجنيد القسري وتوفير الدعم اللازم للمجندين العائدين.
كما طالبت المنظمة المجتمع الدولي بضرورة تكثيف الرقابة على المنافذ التي يتم من خلالها تجنيد اليمنيين، مثل سلطنة عمان وروسيا، وفتح تحقيقات دولية حول هذه الانتهاكات، والضغط على الأمم المتحدة والمجالس الحقوقية المختصة للتحقيق في الانتهاكات المتعلقة بتجنيد المرتزقة، كما دعت الأطراف الدولية إلى تعزيز آليات الحماية وتوفير الدعم الإنساني لليمنيين، بما يخفف من استغلال أوضاعهم الاقتصادية في أجندات سياسية وعسكرية.