لا إفلات من العقاب لجرائم سوريا
  • 10/12/2024
  •  https://samrl.org/l?a5428 
    منظمة سام |

    قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن انتصار الثورة السورية بعد ثلاث عشرة عامًا من النضال يُجسد لحظة تاريخية في مسيرة الديمقراطية والحرية وعدم الإفلات من العقاب في التاريخ السوري، مؤكدة أن طَيّ حقبة الظلم والاستبداد يجب أن يؤسس لمرحلة جديدة تتطلب مواجهة إرث طويل من الجرائم والانتهاكات التي خلّفها نظام الأسد، وأن المجتمع الدولي مُطالب بالوقوف إلى جانب الضحايا في تحقيق المساءلة.

    وأكدت سام أن إنهاء سياسة الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة للضحايا يجب أن يكونا في صدارة أولويات السلطة الجديدة والمجتمع الدولي في المرحلة المقبلة، حيث إن سنوات الألم التي عاشها السوريون خلف قضبان المعتقلات أو في المنافي لا تُمكن تجاوزها دون محاسبة المجرمين وإنصاف الضحايا الذين ضاعت أعمارهم وأحلامهم في ظلال الاستبداد.

    الخبير السوري في القانون الجنائي معتصم الكيلاني قال:
    "اليوم لا يُمكننا الحديث عن تحقيق سلام مستدام يمهد لبناء عقد اجتماعي جديد في سوريا دون تحقيق العدالة الشاملة. العدالة المجتزأة أو غياب المحاسبة الكاملة لمجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية لن تؤسس لأي استقرار. من خلال المحاسبة وإنصاف الضحايا، يُمكننا تكريس مبدأ العدالة الانتقالية، الذي يُعد حجر الزاوية لبناء سلام طويل الأمد في سوريا. هذا السلام يجب أن يقوم على استبعاد كامل لكل الأفراد المتورطين في ارتكاب الجرائم الجسيمة من المشهد السياسي السوري. المجتمع الدولي مُطالب بدعم جهود المحاسبة في سوريا، وهناك إشارات إيجابية تُبشر بوجود دعم ملموس لتحقيق العدالة والمساءلة بما يُعزز أفق الحلول المستدامة."

    في مارس 2011، انطلقت الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، احتجاجًا على عقود من الاستبداد والقمع. ردّ النظام بالعنف الوحشي، فاعتقل وعذّب الآلاف من المدنيين، وأقام مئات السجون المروعة، مثل سجن صيدنايا. قصفت المدن بالبراميل المتفجرة، مما أجبر الملايين على النزوح واللجوء. وبعد 13 عامًا من الصراع، سقط النظام في 8 ديسمبر 2028 إثر انتفاضة مسلحة انطلقت من إدلب.

    كشفت سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر عن حجم الجرائم المروعة التي ارتكبها النظام، من الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري إلى التعذيب الممنهج والتهجير القسري. وثقت المنظمة مقاطع صادمة من داخل المعتقلات تُظهر ناجين قضوا عقودًا في ظروف غير إنسانية، غير مدركين أن العالم خارج أسوار السجون قد تغيّر. بعضهم لا يعلم أن حافظ الأسد، الذي أمر باعتقالهم، قد مات منذ سنوات، وأن ابنه بشار قد أكمل مسيرته القمعية. بل إن بعض الناجين كانوا يعتقدون أن مَن حررّهم هو صدام حسين، في دلالة مؤلمة على طول الزمن الذي قضوه في العزلة والتنكيل.

    تؤكد منظمة سام أن الجرائم المرتكبة في سوريا، بموجب القانون الدولي وميثاق روما الأساسي، تُصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية، ما يوجب محاسبة مرتكبيها ومنع إفلاتهم من العقاب. الإفلات من العقاب لا يُشكل فقط ظلمًا للضحايا، بل يُهدد أي فرصة لتحقيق سلام مستدام في سوريا، ويترك الباب مفتوحًا لتكرار المآسي.

    عمر عبدالله الكروش، خبير دولي في القانون الدولي الإنساني، قال:
    "ارتكبت فصائل الجيش السوري والشرطة العسكرية الاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والإخفاء القسري، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأخضعت عشرات الأشخاص لمحاكمات عسكرية جائرة في ظل إفلات من العقاب. وتعرضت نساء سوريات محتجزات للعنف الجنسي، بما فيه الاغتصاب، واحتُجز أطفال لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر مع أمهاتهم. لا تزال المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتُكبت من أشخاص رفيعي المستوى في الحكومة السابقة وتورطهم في انتهاكات جسيمة أمرًا ضروريًا. ندعو المجتمع الدولي إلى محاكمة أي منهم، بحسب القانون الجنائي الدولي."

    أكدت المنظمة ضرورة وقوف المجتمع الدولي مع الشعب السوري لاستعادة التعافي الذي يبدأ بتحقيق العدالة وضمان عدم إفلات مرتكبي جرائم الحرب من العقاب، مُشيرةً إلى أنه لا سلام حقيقي وآمن وديمقراطية شعبية حقيقية دون محاسبة مرتكبي الانتهاكات ضد أبناء سوريا، سواء كانوا عناصر من النظام أو حلفاءه.

    في ظل ما عاناه الشعب السوري من أهوال الحرب والانتهاكات الجسيمة، تُؤكد منظمة "سام" على أهمية تحقيق العدالة الجنائية بوصفها السبيل الوحيد لإنصاف الضحايا وضمان عدم تكرار هذه الجرائم. كما يتطلب الأمر اتخاذ خطوات جدية لتوثيق الجرائم المرتكبة من قِبل النظام السوري وحفظ ذاكرة هذه المرحلة السوداء من التاريخ. كما يُعد تعقب الأموال المهربة إلى الخارج واستعادتها جزءًا أساسيًا من جهود جبر الضرر، بما يضمن استخدامها في دعم الضحايا وإعادة بناء ما دمَّرته الحرب.

    واختتمت المنظمة دعوتها المجتمع الدولي إلى تعزيز جهوده لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في سوريا أمام المحاكم الدولية، مع التأكيد على أن العدالة ليست مجرد مطلب محلي، بل واجب عالمي لضمان حماية الكرامة الإنسانية وتحقيق المصالحة المستدامة. العدالة للسوريين ليست خيارًا بل التزامًا يفرضه الضمير الإنساني، ليس فقط لإنصاف الضحايا، بل لمنع تكرار مثل هذه المآسي في أي مكان آخر من العالم.


  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير