الفقر في اليمن مرآة لانهيار الدولة ومسؤولية إنسانية لا تحتمل التأجيل
  • 17/10/2025
  •  https://samrl.org/l?a5614 
    منظمة سام |

    جنيف - قالت منظمة سام للحقوق والحريات إنّ اليوم العالمي لمكافحة الفقر يمثّل محطةً أخلاقية وإنسانية لتجديد الالتزام بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ولتذكير العالم بمسؤوليته تجاه الملايين الذين يعيشون تحت وطأة الحرمان. وأشارت المنظمة إلى أنّ الفقر ليس مجرّد عجزٍ عن الدخل أو نقصٍ في الموارد، بل هو انتقاصٌ من الحق في الحياة الكريمة، وحرمانٌ من التعليم والصحة والأمن الغذائي والسكن والعمل. 

    وذكرت أنّ استمرار الصراعات، وتراجع التنمية، واتساع فجوة اللامساواة، جعل من الفقر ظاهرةً معولمةً تتجاوز الحدود، وتفرض على المجتمع الدولي واجبًا جماعيًا لمواجهتها. وأوضحت أنّ التحدي الحقيقي يكمن في الانتقال من المعالجات الإغاثية المؤقتة إلى سياساتٍ تنموية عادلة تضمن للإنسان مكانته وحقوقه الأساسية. وشدّدت على أنّ القضاء على الفقر لا يتحقق بالشعارات، بل بإرادةٍ سياسيةٍ صادقة، وعدالةٍ اقتصاديةٍ تضع الإنسان في قلب العملية التنموية.

    خطورة المؤشرات واتساع الاحتياج
    وذكرت المنظمة بهذه المناسبة أنّ اليمن يقف أمام واحدة من أشدّ الأزمات الإنسانية عالميًا؛ إذ يحتاج 19.5 مليون شخص إلى المساعدة والحماية في عام 2025، بينما تستهدف خطة الاستجابة 10.5 ملايين فقط بتمويل مطلوب قدره 2.47 مليار دولار، مؤكدةً أنّ الفجوة التمويلية تُبقي ملايين اليمنيين خارج نطاق الحماية الأساسية.

    الحرمان متعدد الأبعاد: اتساع الفقر خلف الأرقام
    وذكرت أنّ التحليل الوطني الأوّل للفقر متعدد الأبعاد بيّن أنّ نصف الأسر اليمنية تعيش فقرًا متعدد الأبعاد، وأن قرابة 90% من الأطفال يعانون حرمانًا في بُعدٍ واحدٍ على الأقل، بينما يواجه أكثر من ثلثي الأطفال حرمانًا في بُعدين فأكثر، مبينةً أنّ العبء أشدّ في الأرياف والأسر الأكبر حجمًا ولدى الأسر ذات التحصيل التعليمي المتدني لربّ الأسرة.

    الأمن الغذائي: أرقام تنذر بالخطر
    وأوضحت المنظمة أنّ توقعات يوليو/أغسطس 2025 أظهرت أنّ 18.1 مليون شخص من المتوقع أن يواجهوا انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي عند مستوى IPC3+ بحلول سبتمبر 2025، وأن عدد المديريات في حالة طوارئ (IPC4) قد يصل إلى 165، مؤكدةً تسجيل 67% من الأسر مستوى استهلاك غذائي غير كافٍ في يونيو 2025، مع لجوء 44% إلى استراتيجيات مواجهة غذائية قاسية وافتقار 4 من كل 5 أسر لمدخرات. 

    الفئات الأشد هشاشة: النزوح والجوع جنبًا إلى جنب
    وبيّنت أنّ النازحين داخليًا هم الأكثر تضرّرًا؛ إذ أفاد 27% من أسر النازحين بوجود فرد قضى يومًا كاملًا بلا طعام، مقارنةً بـ16% بين المقيمين، مؤكدةً أنّ ارتفاع معدلات الحرمان لدى الأسر التي تعولها نساء (53% باستراتيجيات مواجهة قاسية) يفاقم مخاطر الحماية ويؤثر مباشرةً في الحق في الغذاء والصحة والتعليم. 

    تقلّبات العملة والأسعار: صدمة دخل متواصلة
    وأكدت المنظمة أنّ الاقتصاد المنهك وازدواج السلطات النقدية وتراجع الإيرادات، إضافةً إلى الصدمات الخارجية، أدّت إلى تآكل القدرة الشرائية؛ فقد انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي بنحو 58% منذ 2015، وتجاوزت التضخمات في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا 30% في 2024، بينما سجّل الريال في 2025 تقلبات حادة (تدهور حتى محيط 2,065 ريال/دولار ثم تحسن مؤقتًا في أغسطس)، ما انعكس فورًا على أسعار الغذاء والوقود.

    منظور أوسع للاقتصاد: انكماش وحاجات متزايدة
    وأشارت إلى أنّ الانكماش الاقتصادي استمر في 2023–2024، مع توقّع تدهور الآفاق في 2025 تحت وطأة الحصار على صادرات النفط، والانقسام المؤسسي، وتراجع المساعدات، موضحةً أنّ 17 مليونًا يواجهون انعدام أمن غذائي، وأن 18 مليونًا يفتقرون إلى مياه وصرف صحي آمنين، فيما تلجأ الأسر إلى آليات تكيّف ضارة (سحب الأطفال من الدراسة 30%، والالتحاق بأعمال خطرة 22%)، بما يعمّق دوامة الفقر. 

    الخدمات الأساسية: صحة وتعليم على الحافة
    وشدّدت على أنّ هشاشة النظم الأساسية تفاقمت؛ إذ سيظل في 2025 قرابة 17.8 مليون شخص بلا رعاية صحية كافية، و17.4 مليونًا دون خدمات مياه وصرف صحي لائقة، فيما يظل 4.5 ملايين طفل خارج المدرسة، مع تضرر آلاف المدارس وتعطّل رواتب نحو 200 ألف معلم منذ 2023؛ ما يرفع مخاطر التسرب، وزواج الأطفال، وعمالة الأطفال. 

    الحماية والتمويل: ثغرات تُقوّض الاستجابة
    وأكدت المنظمة أنّ الاحتياجات الحمائية تتجاوز 16 مليون شخص، فيما لا تزال الفجوة التمويلية واسعة؛ إذ بلغت نسبة تمويل الخطة حتى وقت النشر نحو 21% فقط لعام 2025، محذّرةً من اتساع فجوة المساعدات الغذائية والصحية والحماية وإدارة المخيمات إذا استمر نقص التمويل والتدخلات المقيدة.

    مخاطر مرتفعة ورصد مشترك: إنذارات حمراء
    وأوردت أنّ التقرير المشترك للرصد الغذائي والتغذوي (أغسطس 2025) قدّر أنّ 17.1 مليونًا واجهوا مستويات أزمة أو أسوأ بين مايو–أغسطس، وأن 5.2 ملايين في طوارئ (IPC4)، مع تحذير من إمكان ظهور حالات كارثية (IPC5) بما لا يقل عن 41 ألف شخص في عدد من المديريات، علاوةً على تسجيل 372 إنذارًا حرجًا في مؤشرات رئيسية، منها تراجع الواردات الغذائية وتقلّبات سعر الصرف. 

    التمويل والوصول الإنساني: عوائق تتطلب حلولًا عملية
    وأوضحت أنّ تعليق/تقليص المساعدات الغذائية في مناطق واسعة، وإغلاق/تعليق دعم 196 مرفقًا صحيًا في 2024، وإغلاق عشرات مراكز علاج الإسهالات، قد فاقم ضعف الوصول للخدمات الأساسية، داعيةً الجهات المانحة إلى سدّ الفجوات ذات الأولوية عبر تدخلات نقدية مرنة، وتمويل متعدد السنوات، وتحسين آليات الاستهداف والمساءلة. 

    نداء حقوقي بمسارات متوازية
    وطالبت منظمة سام، أولًا، بضمان استئناف صرف رواتب جميع موظفي الخدمة العامة بلا تمييز سياسي، وتوحيد المؤسسات المالية وإعادة تمكين البنك المركزي ووقف الازدواج النقدي، ورفع القيود على التجارة والموانئ لتخفيض كلفة الغذاء والدواء، بالإضافة إلى مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في إدارة الإيرادات والمساعدات، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية الموجهة ودعم سلاسل الإمداد للغذاء والوقود، كما دعت إلى حماية الفئات الأكثر هشاشة (الأطفال، النساء، ذوو الإعاقة، النازحون)، وحثّت على تأهيل الزراعة والصيد وخلق فرص كسب معيشة مستدامة، مؤكدةً أنّ إنهاء الانتهاكات وبناء السلام المستدام هو الطريق الأنجع لكسر حلقة الفقر.

    التزام أخلاقي ورسالة اليوم العالمي
    واختتمت سام بالتأكيد على أنّ مكافحة الفقر في اليمن قضية حقوق إنسان قبل أن تكون قضية معيشية، وأن احترام الحق في الغذاء والصحة والتعليم والعمل الكريم يتطلب قرارات سياسية واقتصادية عاجلة، مع حشد تمويل كافٍ ورفع العوائق أمام العمل الإنساني، معتبرةً اليوم العالمي لمكافحة الفقر مناسبة لتجديد الالتزام بوضع الإنسان وكرامته في قلب السياسات العامة.

     


  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير