تأتي ذكرى اليوم العالمي للمرأة، ووضع شقائق الرجال في اليمن في أسوأ حالاته، إذ وبعد ثمان سنوات من الصراع المدمر، كان لهن القسمة الكبرى من الانتهاكات والتجاوزات التي تكشف بشكل جلي عن فظاعة الحرب وقسوتها.
وبهذه المناسبة، تصدر منظمة سام تقريرا خاصا يحمل عنوان "قيود تمييزية" عن الانتهاكات والقيود التي تستهدف المرأة اليمنية، والذي يسلط الضوء بشكل عام على الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في اليمن خلال فترة الحرب الدائرة منذ سبتمبر/أيلول 2014، مع تركيز أساسي على سلوك جماعة الحوثي في تقييد حرية وحركة المرأة اليمنية، إضافة إلى فرض الكثير من القيود على حريتها الشخصية والعامة، وقد أدى استغلال هذه الجماعة للوضع الأمني الذي تمر به اليمن، وسيطرتها على المشهد العام لفرض أجندتها العقائدية الخاصة وثقافتها التقليدية على المرأة والمجتمع، إلى تقييد حرية المرأة بشكل ملفت وغير مقبول حرمها الكثير من حقوقها التي كانت تتمتع بها كإنسان وعضو فاعل وناشط في المجتمع بصورة تخالف الاتفاقيات الدولية والدستور والقانون اليمني الذي يحترم كرامة الإنسان اليمني ويضمن حريته في التعبير والتجمع والتنقل.
لقد استغل الحوثيون الكثير من الأحكام القانونية التي تستند إلى العادات والتقاليد، والتي تمنح الرجال امتيازات وحقوق الوصاية الموسعة على النساء، الأمر الذي حوّل النساء لدى البعض لمجموعة قاصرة وحرمانها من شأنها العام والتمتع بالحقوق الأساسية المكفولة لها بموجب الدستور اليمني والشريعة الإسلامية بما في ذلك حق التنقل والسفر، عامدين إلى إعادة ترتيب المجتمع اليمني الذي حققت فيه المرأة اليمنية الكثير من الحقوق السياسية وفرضت شخصيتها المرتبطة بالاستقلالية والثقة في إدارة الشأن العام بما ينسجم مع توجهات الجماعة الفكرية، ما حرم النساء اليمنيات الكثير من الإنجازات وأعادهن خطوات إلى الوراء في تموضع يتسم بعدم المساواة والتمييز على أساس الجنس، وتحديد أدوارهن بالأدوار المنزلية والقبلية المعارضة للدستور اليمني.
وبرغم القيود القانونية والاجتماعية في مجتمع ذكوري، تتحكم فيه العادات والتقاليد والقوانين الخاصة، التي تفرض تطبيقاتها مع مرور الوقت على المجتمعات المحلية والقبلية والعائلية، إلا أن المرأة اليمنية استطاعت أن تشق لها طريقا للتمكين والنجاح العام على مستويات متعددة، المحلية والإقليمية والعالمية، واقتحمت مجالات كانت حتى وقت قريب حكرًا على الرجال، كمجلس النواب والوظائف العمومية"، كما برزن كقيادات فاعلات ضمن لجان الوساطة القبلية والمنظمات غير الحكومية.
إن التدابير القمعية الممارسة ضد النساء تزايدت على نحو ملحوظ خلال العام الماضي، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين مع فرض الجماعة سياسة المَحْرَم واشتراط موافقة ولي الأمر على ممارسة المرأة كافة أنواع الأنشطة، بما في ذلك التنقل والسفر. وامتثالًا لهذه السياسة، بدأت الخطوط الجوية اليمنية بطلب موافقة رسمية من ولي الأمر لحجز مقعد للنساء على متن رحلاتها، بل وأيضًا اشتراط مرافقة أحد أقارب المرأة لها حتى تصل إلى مقعدها. ولقد دأب الحوثيون على تقييد حركة المرأة ومصادرة حريّتها وتحجيم حقوقها تدريجياً عبر قرارات وأحكام دينية خاصّة بدلاً عن قوانين الدولة، وشملت كل مناحي حياة النساء المادية والمعنوية.
تنطوي سياسة جماعة الحوثي التي تنتهجها ضد النساء اليمنيات على انتهاكات خطيرة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، إذ يستغلون هيمنة السلاح والجماعات المسلحة التابعة لهم وغياب سيادة القانون في فرض قيود تعسفية وغير قانونية ضد المرأة اليمنية، وتحشيد الواقع الاجتماعي القائم على ثقافة أبوية تعلي من العار والشرف على حساب الكرامة الإنسانية والحرية الشخصية، بل واستغلال الوضع الاقتصادي ليستخدموا المرأة في أهداف عسكرية وأمنية ضد النساء المخالفات كما هو واضح في تجنيد ما يسمي بـ "الزينبات" ، مما يستدعي التدخل لتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمان عدم التكرار.
في إطار توثيقها لانتهاكات حقوق الإنسان، سلطت سام في هذا التقرير الضوء على القيود التي فرضتها جماعة الحوثي على المرأة اليمنية منذ سيطرتها على العاصمة في سبتمبر 2014 من خلال منهجية واضحة للوصول للمعلومات، والتحقيق فيها، بينها الشفافية والحياد والنزاهة والموضوعية. واعتمد فريق المنظمة بشكل كبير على المصادر المفتوحة ذات الموثوقية، كالتقارير الصادرة من المنظمات الأممية والتقارير الحقوقية المعتبرة، إضافة لعدد من الوسائل للحصول على المعلومات والوصول إلى الضحايا، عبر التواصل الالكتروني مع الضحايا ، والنزول الميداني للفريق لتوثيق بعض الوقائع والاستماع إليهم ولشهود العيان؛ حيث استخدمت المنظمة أيضاً الوسائل المتاحة للاتصال، كما تلقت العديد من البلاغات، وحصلت على العديد من المقاطع المتلفزة لقصص الضحايا، ونقلت بعضاً مما تذيعه وسائل إعلام أطراف النزاع في بياناتها وخطاباتها، وهي في كل ذلك قد تأكدت من المصادر، واعتمدت على ما اطمأنت إليه بعد الفحص والتحليل والمطابقة، على أن ما توصلت إليه المنظمة في هذا التقرير لا يحيط الواقع بكل حقائقه، بل هو كاشف لحجم انتهاكات حقوق الإنسان للفترة التي يشملها التقرير، حيث حاولت المنظمة أن يكون تقريرها موجزًا قدر الإمكان ليتناسب مع اليوم العالمي للمرأة، حيث يتضمن التقرير لأرقام إحصائية للانتهاكات التي تعرضت لها المرأة خلال فترة الصراع من قبل جميع الأطراف.
واستمعت "سام" إلى شهادات أخرى جاء في مضمونها استخدام الحوثيين الاختطاف والتعذيب على نطاق واسع ضد ناشطات أو مدنيات لأسباب مجهولة. تقول "سعاد" التي أمضت فترة اعتقالها في أحد سجون الحوثي "كنت مع عدد كبير من النساء المختطفات، وتم اقتياد بعضهن من الشوارع وأخريات استدرجن عن طريق الهاتف لاستلام سلة غذائية، ومنهن من اختطفن من بيوتهن بعد اقتحام منازلهن ونهب كل ممتلكاتهن، وأخريات تم اقتيادهن للمعتقلات من الحدائق العامة والمطاعم والمقاهي". وتضيف: "تتراوح فترة الاعتقال بين تسعة أشهر إلى سنة أو أكثر بسنوات"، مؤكدة على أنه "يتم تغطية أعين المختطفات من قبل فرقة الزينبيات قبل أخذهن إلى فلل في صنعاء، والفلل كانت تسمى بالمقر، حيث تم جمع أعداد كبيرة من المختطفات في بدروم الفلة. حيث تتعرض فيها المختطفات لتعذيب ممنهج بصنوف شتى، ولا يسمح لهن بالذهاب لدورة المياه. كما كان يتم استدعاؤهن في منتصف الليل للتحقيق، وكان يتم تعذيبهن في أماكن مهجورة، حيث يستخدم معهن الصاعق الكهربائي من قبل شخصين وأيديهن موثقة بالحبال، وأفواههن مغلقة بحبل يسحب للأعلى بعد رش الماء عليهن".
كما وثقت "سام" احتجاز عدد كبير من النساء في العاصمة صنعاء، حيث تحتفظ "سام" بأسماء أكثر من (30) اسما، وهو جزء من عدد أكبر من النساء اللواتي اعتقلن في سجون سرية تتبع أحد القيادات الأمنية البارزة التابعة لمليشيا الحوثي، لم تتمكن منظمة "سام" من معرفة مكان المعتقل السري غير القانوني.
وسجلت منظمة «سام» خلال الفترة من بداية الصراع في اليمن إلى نهاية ٢٠٢٢، أرقاما صادمة عن حجم الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة اليمنية، خلال الست السنوات من الحرب، حيث سجلت أكثر من ٥٠٠٠ حالة انتهاك حتى نهاية 202٢، شملت القتل، والإصابات الجسدية، والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، والتعذيب، ومنع من التنقل، إضافة إلى أكثر من 900,000 امرأة نازحة في مخيمات مأرب، ارتكبتها أطراف الصراع في اليمن، حيث تأتي مليشيا الحوثي في مقدمة الأطراف المنتهكة لحقوق المرأة بنسبة 70 %، تليها القوات الموالية للشرعية 18 %، ثم المجلس الانتقالي بنسبة 5 %، جهات أخرى 7 %، من قتل متعمد وإصابات بالغة بحق المدنيات والناشطات، والتي ترقى لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتبين الأرقام، أن عدد اليمنيات اللاتي قتلن خلال هذه الفترة بلغ ١١٠٠ امرأة، سقط العدد الأكبر منهن في مدينة «تعز» بعدد ٥٠٠ امرأة، تلتها «الحديدة» (٢٠٠)، «عدن» (٤٢)، «لحج» (4٥)، و "صعدة"(١٠0)، فيما أصيبت ١٥٠٠ امرأة، وكان لتعز أيضا النصيب الأكبر بينهن بعدد (1٦٠٠) امرأة. ومن بين إجمالي النساء اللواتي فقدن حقهن في الحياة (٦٠٠) امرأة قتلن نتيجة تعرضهن لشظايا قاتلة، و (٣٠٠) أخريات قتلن نتيجة لإصابات مباشرة بالرصاص، فيما قتلت (١٢٠) امرأة نتيجة إصابتهن بشظايا الألغام، و (١٥) امرأة نتيجة إصابتهن بشظايا العبوات الناسفة، فيما قتلت (٤٠) امرأة نتيجة جروح مختلفة، وقتلت (٣٠٠) امرأة بقصف طيران السعودية والإمارات.
تصدرت «مليشيا الحوثي» قائمة الجهات المسئولة عن الانتهاكات الواقعة بحق نساء، حيث قتلت ( ٦١٢) امرأة بالاشتراك مع قوات الرئيس السابق صالح خلال الفترة التي يغطيها التقرير، وقتلت وحدها بعد انفصالها عن قوات صالح ٥٠٠ امرأة، فيما قتلت قوات وطيران التحالف العربي ( ٢٤٥) امرأة، وقتلت طائرات بلا طيار أميركية (١٢) امرأة. بينما بلغ عدد المصابات ٢٢٠٠ امرأة، كانت النسبة الأكبر منهن في مدينة تعز بعدد وصل إلى ١٦٠٠ امرأة، وكان السبب الأكبر لإصابة النساء تعرضهن للشظايا، حيث وصل عددهن إلى 1١٠٠ امرأة، و٥35 أخريات أصبن بالرصاص. العدد الأكبر من الإصابات كان بفعل هجمات «مليشيا الحوثي وصالح» والتي نتج عنها إصابة 1312 امرأة، فيما أصابت «مليشيا الحوثي» وحدها ٣٠٠ أخريات، وأصابت قوات التحالف العربي (١٣٤) امرأة.
كما فرضت الجماعة العديد من القيود، وأصدرت العديد من الممنوعات التي تهدف تشديد الخناق على حياة الناس وتحديد نمط الحياة الذي يجب عليهم ممارستها، كحالة من فرض الوصاية على المجتمع، والمرأة على وجه التحديد، والتي تعدّ في طليعة المستهدفين في القوائم التي وصلت إلى وضع معايير لشكل ولون ومقاس الملبوسات التي ترتديها. وكل ذلك يأتي في سياق النهج الذي تستمرّ سلطة صنعاء المتمثّلة بجماعة أنصار الله (الحوثيين) باتباعه في التضييق على المجتمع، والتي تقوّض وبشكلٍ جسيم حقوقَ وحريّات النساء والفتيات في مناطق سيطرتها، وقد كشفت رسالة المقرر المعني بحقوق المرأة العديد من هذه القيود والممنوعات ضد المرأة على وجه الخصوص، مثل الحصول على خدمات الصحة الإنجابية في بعض مناطق سيطرتها، وقيّدت إلى حدٍّ كبير سفرَ النساء بدون مَحْرَم، وأصدرت أكثرَ من تعميمٍ يفرض رؤيةً نمطية لكيفية اللباس "الموافق للشريعة الإسلامية" للنساء حسب وصفهم. فضلًا عن المنع من العمل، والفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، وتعزيز المواقف التمييزية المعادية للمرأة؛ حيث قامت أكثر من مرة بمنع الاختلاط في أبحاث وحفلات تخرج عدد من الجامعات، ومنعت وطردت النساء من العمل، علاوة على أنّ عددًا من خطابات أنصار الله (الحوثيين)، عبر منصات مختلفة أشعلت نيران كراهية النساء في المناطق التي تحت نفوذها.
إن الأعراف المُقيِّدة للمرأة في اليمن ليس بالظاهرة الجديدة، إلا أن مثل هذه السياسات تُعد غير مسبوقة كونها تُهدد بإقصاء النساء تمامًا من المشاركة في الحياة العامة، وتعكس نَهج الدولة الثيوقراطية المتشددة والمحافظة التي يسعى الحوثيون لإقامتها في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وكلما ترسخت قبضة الجماعة على مفاصل السلطة، اكتسبت مثل هذه الإجراءات القمعية صبغة مؤسسية. تنعكس رغبة الحوثيين في فرض أجندة أيديولوجية معينة في جهود الجماعة لفرض الاحتفالات بالأعياد الدينية، وتجنيد ميليشيات نسوية لترصّد النساء الأخريات، فضلًا عن تغيير المناهج الدراسية، وإقامة معسكرات تدريب لتلقين الشباب والاستمرار في تجنيد الأطفال.
مازالت المرأة اليمنية تشكل النسبة الكبرى من النازحين بسبب الحرب إلى مخيمات النزوح، حيث إن هناك أكثر من مليون امرأة بحسب إحصائية أصدرتها إدارة مخيمات النازحين. ويعاني الكثير منهن من نقص شديد في الحاجيات الأساسية والصحية وأغلب الفتيات لا يحصلن على التعليم، ويشكل النزوح قيدا كبيرا على حرية المرأة وتمتعها بالحقوق الأساسية للمعيشة الكريمة، حيث تُحرم أغلب الفتيات النازحات من الحق في التعليم، والحصول على طفولة آمنة، وصحية، في حين أن عشرات الآلاف من الأسر بلا سكن لائق بل بلا مأوى، فهناك أكثر من 62002 فتاة لم تستطع الالتحاق بالتعليم، فالنزوح والتنقل يشكل عائقا لحصول النساء على حياة كريمة ولائقة.
حيث أصدرت جماعة أنصار الله توجيهات بمنع دخول المرأة أو العمل في العديد من الأماكن العامة في صنعاء. كما بدأ بعض أصحاب المقاهي والمطاعم في صنعاء بفرض الفصل بين الجنسين، أو منع دخول الرجال في بعض الحالات، لتجنب إغلاق أعمالهم من قبل أنصار الله، أو فرض غراما ٍت عليهم. وفي حالا ٍت معينة، أُجبروا على فصل الموظفات، مما أدى إلى عواقب اقتصادية وخيمة لتلك العاملات، كما توقفت العديد من القاعات والمقاهي عن استضافة الفعاليات الثقافية التي حضرها رجاٌل ونساء في السنوات الماضية.
تدعو «سام» جماعة الحوثي إلى وقف القيود التعسفية التي وضعتها لوقف ممارساتها المنتهكة لقواعد القانون الدولي بحق النساء بشكل فوري دون أية اشتراطات، كما تدعو الحكومة الشرعية إلى إدماج النساء في الحياة السياسية ومنحها حقها في المناصب القيادية السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى مراجعة القوانين التمييزية ضد المرأة، والتي تتعارض مع الاتفاقيات التي وقعتها الجمهورية اليمنية والتي تحد من قدرة النساء من الإسهام في الحياة المهمة.
وتطالب المنظمة بضرورة إطلاق سراح كافة المعتقلات اليمنيات والتأكيد على أن التوقيف والاعتقال يجب أن يتم وفقا للأوامر القضائية. وتدعو سام أطراف الصراع في اليمن، والمجتمع الدولي، على رأسها الأمم المتحدة، العمل على تحسين وضع النساء المفرج عنهن على المستوى المعيشي والصحي والنفسي، وتوفير الحماية القانونية من أي أخطار محتملة تهدد حياتهن واستقرارهن
تشدد «سام» على ضرورة تحسين وضع النساء النازحات وتوفير حياة لائقة بهن في كافة المجالات كالسكن اللائق والصحة والتعليم، وتدعو المجتمع المدني الى تكثيف جهوده وأنشطته في سبيل كسر القيود على النساء، مع ضرورة إيجاد حل سلمي يتوافق مع جهود السلام المبذولة من قبل المنظمات الدولية والعمل على إنشاء نظام ديمقراطي مدني يكفل للمواطنين اليمنيين التعددية السياسية وحماية الحقوق الأساسية