تقرير استقصائي يوثق جرائم الإخفاء القسري والتعذيب للمعتقلين السياسيين في اليمن
سنوات الجحيم
  • 03/10/2024
  •  https://samrl.org/l?a5378 
    منظمة سام |

    أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات، اليوم الخميس 3 أكتوبر، تقريرًا حقوقيًا يوثق فصولاً جديدة من نتائج تحقيقات استقصائية أجراها فريق المنظمة حول جرائم الإخفاء القسري والتعذيب للمعتقلين السياسيين في اليمن.

    ويأتي التقرير الاستقصائي "سنوات الجحيم" ضمن مشروع مراقبة العدالة من أجل المناصرة والإصلاح القانوني وحقوق الإنسان في اليمن، والذي يهدف إلى توثيق انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة الحرب في البلاد، بغية زيادة الوعي بحالة حقوق الإنسان، وحمايتها، عن طريق تمكين المجتمع المدني اليمني من مناصرة العدالة وتعزيز المساءلة.

    ووثقت سام في هذا التقرير 32 انتهاكاً طالت الحريات الشخصية في محافظتي صنعاء وعدن، خلال فترة الصراع من 2015 إلى 2023. تعرضت تلك الحالات -جميع الضحايا مدنيون- للاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري والتعذيب، واعتمدت المنظمة في عملية التوثيق على إجراء مقابلات ميدانية مع الضحايا وذويهم بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى رصد المعلومات ذات الصلة المنشورة عبر المواقع الإعلامية الموثوقة ومنصات التواصل الاجتماعي".

    وأشارت المنظمة إلى أن حالات الاعتقال والإخفاء والتعذيب الموثّقة في هذا التقرير اشتركت بعدد من السمات، أهمها: أنها جاءت بدوافع سياسية، وتشابهت في النمط، وجرت من دون أوامر قضائية، ولم يتم إبلاغ الضحايا بأسباب الاعتقال، كما أنهم أُخفوا قسريًا في الأيام أو الأشهر الأولى بعد الاعتقال، إضافة إلى توجيه تهم متشابهة لهم، تركز التحقيق حولها، وأبرزها الانتماء إلى حزب الإصلاح، والتخابر والعمل لصالح العدوان "التحالف العربي"، واتهام البعض منهم بتعكير السلم العام، بسبب كتاباتهم، إضافة إلى الاشتراك في الحرمان من الحقوق، بما في ذلك: منعهم من زيارة أهاليهم لهم، وعدم التمكن من حق الدفاع، بالإضافة إلى نهب ومصادرة ممتلكات غالبيتهم، ما يؤكد أن هناك منهجية واضحة في ممارسة الإخفاء القسري كنوع من التعذيب النفسي، في انتهاك لموجبات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. 

    وذكر التقرير أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) مسؤولة عما نسبته 88 ٪ من أصل 32 حالة وثقها المشروع من المعتقلين السياسيين وغير السياسيين، ممن استهدفهم التقرير، ومسؤولة عن معظم جرائم الإخفاء القسري والتعذيب التي تعرض لها المحتجزون ممن تربطهم علاقات سياسية مع الأحزاب اليمنية.

    وفقاً للشهادات التي جمعها فريق المنظمة، فإن أغلب الضحايا المحتجزين وُجّهت لهم أسئلة أثناء التحقيق، حول انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية، مع تكرارها في مراحل التحقيق، بأساليب وأشكال مختلفة، من التعذيب النفسي والجسدي للضحية. وعقب انتزاع "اعترافات تحت التعذيب" من المحتجزين، يتم اعتمادها وتحويلها إلى سلطات القضاء، كأساس في إسناد تلك التهم للضحايا، وصولاً إلى المحكمة وصدور حكم قضائي مبني على تهم ملفقة ناتجة عن مواقف سياسية وفكرية للضحية.

    تؤكد إفادات الضحايا التي وثقها فريق المنظمة، أن طرفي الصراع قد استخدما وسائل تعذيب قاسية، في مراكز الاعتقال، في صنعاء وعدن، اتسمت بالتكرار والمنهجية، وأحدثت آلامًا جسدية ونفسية للضحايا، بهدف إحراز نتيجة من التعذيب وانتزاع أدلة. وقد استمرت آثارها الجسدية والنفسية بعد الإفراج عن الضحايا، كالإصابة بأمراض مزمنة وحالات نفسية صعبة، جراء تعرضهم للإهمال الطبي في مراكز احتجاز تفتقر إلى الرعاية الصحية ومعدات الإسعافات الأولية، بحسب إفادة المحتجزين.

    خلص التقرير إلى أن أطراف الصراع في اليمن، اتبعت في مراكز الاحتجاز طرقاً مشتركة في التعذيب، اتسمت بالتكرار في معظم الوقائع، وقد تمثلت فـي: (الضرب بالعصي والهراوات الحديدية والأسلاك الكهربائية في جميع أنحاء الجسد، وإجبار الضحايا على الوقوف منتصبين على أطراف أصابع القدمين لفترات طويلة، وصلت بعضها إلى أربعٍ وعشرين ساعة، إضافة إلى تقييد الأقدام بالسلاسل الحديدية أثناء التحقيق، وتصفيد اليدين لفترات طويلة مع تغطية العيون، والركل والصفع على الوجه، وكذا الحرمان من الماء والطعام (التجويع) لفترات طويلة، وصبّ الماء البارد على الجسم وتعريضه للبرد الشديد، والحرمان من الذهاب إلى دورات المياه وعدم السماح بالتعرض للشمس أو الحصول على الأدوية، والتنقل المستمر بين سجون وزنازين مختلفة وضيقة مليئة بالقاذورات والأوبئة والحشرات)، فضلاً عن نهب أموال أسرة الضحية من قبل قيادات الحوثيين الذين يوهمون ذوي الضحية بأنهم سيفرجون عنه.

    كما سلط التقرير الضوء على حملة الاعتقالات التعسفية التي طالت العديد من الموظفين اليمنيين العاملين في وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية في العاصمة صنعاء، منذ 31 مايو/ أيار 2024، والتي توصف بأنها الأولى من نوعها في اليمن، وتهدد بصورة مباشرة الجهود الإنسانية وجهود المجتمع المدني في البلاد، كما أدت الاعتقالات الأخيرة إلى تكثيف التحريض ضد العاملين في مجال الإغاثة والمجتمع المدني، حيث تحث الحملات العامة والخطوط الساخنة المواطنين على الإبلاغ عن "الأنشطة المشبوهة". تهدد هذه الحملة سلامة وعمليات الجهود الإنسانية في اليمن، مع احتمال حدوث المزيد من الاعتقالات التي تلوح في الأفق.

    ولفتت منظمة سام إلى أن جريمتي الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب تمثلا منذ عقود، منهجية متبعة لدى أطراف الصراع في اليمن، لقمع المعارضين، وإسكات الأصوات المخالفة لتوجهات السلطات، ونشر الخوف في المجتمع، وفرض أمر واقع بقوة السلاح، وهو ما تسبب في تقليص هامش الحريات، وفي مقدمتها الحريات السياسية، وحرية الرأي، وانتهاك الحقوق الأساسية لا سيّما الحق في الحياة، والحق في السلامة الشخصية إضافة إلى إلحاق معاناة كبيرة بالضحايا وذويهم، منذ اللحظات الأولى للاعتقال.

    ونوهت بأن آثار الإخفاء القسري والتعذيب تتعدى حدود الضحية إلى ذويه الذين يعيشون حالة مستمرة من القلق والترقب، ويقومون بمحاولات حثيثة وشبه مستحيلة للوصول إلى معلومات حول أولادهم وأقاربهم المخفيين قسراً أو معرفة مصيرهم، بسبب انعدام الشفافية لدى الأطراف المنتهكة، وغالباً ما يجد الأهالي أنفسهم في مواجهة ضغوط وتحديات مالية ناتجة عن تكاليف البحث والمحاولات المستمرة للحصول على أي معلومات، إضافة إلى ما يتعرضون له من عمليات نصب واحتيال من قبل متنفذين، وكل ذلك يضاف إلى الأعباء المالية الثقيلة للأهالي، لمواجهة الاحتياجات المعيشية الضرورية واللازمة، جراء اختفاء المعيل، وهو الأمر الذي يهدد استقرارهم المادي والنفسي والاجتماعي.

    وأوضحت منظمة سام أن الإجراءات القضائية المنحازة تشكل  انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان في اليمن، حيث إن جميع المحاكمات -الموثقة من قبل منظمة سام- والتي قامت بها السلطات القضائية الخاضعة لسلطات جماعة الحوثي مبنية على اتهامات مشكوك في صحتها، وتخلو من أي إجراءات قانونية كفلها الدستور والقانون للضحايا، إضافة إلى أنها مبنية على دوافع سياسية وأيديلوجية وتهدف بشكل أساسي إلى إسكات الأفواه والحد من الانتقادات للجماعة وقياداتها، وبغض النظر عن حجم تلك الممارسات، فإنها لم تكن يوماً ضماناً ومدخلاً للاستقرار السياسي للمجتمع، بل على النقيض من ذلك، أدت تلك الانتهاكات إلى إحداث توترات اجتماعية وارتفاع حدة الكراهية، وتوسيع نطاق العدائية بين أنصار أطراف الصراع. 

    وأكد التقرير أن مؤسسات إنفاذ القانون في اليمن، بما في ذلك القضاء، ضمن أبرز المؤسسات التي طالتها الحرب، حيث تعرضت لاستقطاب حاد أسقط معه قدسية القضاء واستقلاليته، فشكلت كل سلطة في اليمن مجلس قضاء ومحكمة عليا ووزارة عدل خاصة بها، بالإضافة إلى تعيين نائب عام وقضاة للمعهد العالي للقضاء، وأصبحت أكثر فشلاً وهشاشة في الوفاء بمعايير المحاكمات العادلة، وتحولت إلى أداة من أدوات الصراع، ووسيلة للانتقام من الخصوم، وظهر ذلك جليا في عدد أحكام الإعدام التي صدرت من قبل المحاكم الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة ضد الخصوم، والتي وصلت بحسب إحصائية لمنظمة سام إلى أكثر من 550 حكماً بالإعدام من قبل المحاكم التابعة لجماعة الحوثي. 

    ووفقًا لتوصيات التقرير، فقد طالبت سام الحكومة اليمنية بإجراء تحقيق شفاف وشامل ونزيه حول الادعاءات بانتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها الاعتقال السياسي والإخفاء القسري والتعذيب، كما دعت المنظمة إلى ضمان الوصول الكامل ودون عوائق للمراقبين الدوليين والمستقلين إلى الأراضي اليمنية، بما في ذلك السجون ومراكز الاحتجاز التي تديرها قوات المجلس الانتقالي وجماعة الحوثي والتشكيلات الأمنية والعسكرية المختلفة، وإنشاء آليات رقابية قوية لمراقبة سلوك جميع القوات الأمنية والعسكرية والتشكيلات المسلحة، وضرورة محاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات من خلال محاكمات عادلة وشفافة.

    وأضافت أن ضحايا الممارسات غير القانونية وأسرهم ينتظرون ضمان وصولهم إلى سبل الانتصاف، بما يشمل التعويض واسترداد الحقوق وإعادة التأهيل والترضية وضمانات عدم التكرار في كافة أنحاء اليمن، والتأكيد أن أي تسوية أو عملية سلام يجري التفاوض عليها تتضمن مشاركة فعالة للضحايا والناجين، وتُعنى بحقوقهم في العدالة بشكل عادل ومنصف. إضافة إلى ذلك، ينبغي أن تشتمل هذه التسويات على خطوات واضحة لتحقيق مقتضيات العدالة الانتقالية، بما في ذلك التدابير التعويضية اللازمة.

     


  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير