السلام يجب أن يستند على أسس واضحة وشاملة ليكتب له النجاح
  • 21/09/2023
  •  https://samrl.org/l?a4981 
    منظمة سام |

    في يوم السلام العالمي الذي تصادف ذكراه يوم الـ 21 من سبتمبر، وبينما تحتفي شعوب الأرض بهذه المناسبة ، وما تحمله من دلالات سامية، لا زالت اليمن غارقة في مستنقع الصراع المستعر منذ تسع سنوات، بفعل انقلاب جماعة الحوثي  المسلح على مؤسسات الدولة الشرعية في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤، والذي أحدث دمارًا وانهيارًا مروعًا على كافة الصعد.

    لقد تحولت ذكرى هذه المناسبة السامية -يوم السلام العالمي-إلى كابوس مرعب، بفعل الانقلاب الذي  تسبب بانهيارات كبيرة في شتى مجالات الحياة وأولها جبهة السلام، إذ تحولت حياة اليمنيين بفعل الحرب التي فرضها الانقلابيون إلى جحيم مستعرة، ومآسٍ يومية ومعاناة في شتى مناحي الحياة  يواجهها اليمنيون في الداخل والخارج، حيث أصبحت اليمن  تعاني من أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، وتحولت أراضيه إلى ميدان تتبارى عليه -ومن أجله- الأطراف المحلية والإقليمية.

    إن استيلاء الحوثيين على مؤسسات الدولة وشهوتهم للتفرد بالسلطة باعتبارها حقا إلهيا حسب زعمهم، وانتقام صالح من شعبه بعد إجباره على التخلي عن السلطة، وتخبط التحالف العربي وارتباكه بين السعي لتحقيق مصالحه وتحقيق الأهداف التي تدخل من أجلها، وعجز الحكومة اليمنية الفاضح، وتنمر العديد من المليشيات المسلحة حرم اليمنيين من السلام، وساق اليمن إلى طريق المأساة والتفكك، وجعل منها واحدةً من أسوأ البلدان في العالم.

    لا يزال التدخل الإقليمي في الشأن اليمني "يزيد الأوضاع تعقيدا"، ويقوض أي فرصة للسلام في البلاد، من خلال تهييج الاحتراب بين الأطراف اليمنية، إذ لا تزال إيران وجماعات مرتبطة بها في العراق ولبنان تقدم الدعم العسكري واللوجستي لجماعة الحوثي بطرق احتيالية، فيما لا تزال الإمارات العربية المتحدة تقدم الدعم العسكري والسياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المشتركة الساعية لإعادة فصل جنوب اليمن عن شماله، إضافة إلى قوات ما يسمى بالمقاومة الوطنية التابعة لعضو مجلس القيادة الرئاسي والتي تتخذ من مدينة المخا غرب اليمن مقرا لها، ناهيك عن استمرار سيطرتها على موارد اقتصادية مهمة لليمن بما فيها موانئ وشركات نفطية وغازية، كما تواصل السعودية نهجها المرتبك ما بين قتالها الحوثيين وعقد مفاوضات سرية معهم ومراقبتها للأعمال العسكرية التي تنشب من وقت لآخر بين قوات الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، مع سعيها (السعودية) الدؤوب في تعظيم النفوذ وتقاسم المصالح في محافظة المهرة، وكل ذلك يزيد الأوضاع تعقيدًا ويجعلها عصية على كل المحاولات الرامية لإحلال السلام.

    في مقابل هذا  المشهد المنقسم والصراعي المتداخل والمعقد، يتجرع اليمنيون مأساة إنسانية طاحنة في ظل تدخل  دولي محدود للإمداد الغذائي والصحي، وتدهور واضح في سعر العملة الوطنية وتدني القدرة الشرائية لليمنيين. علاوةً على أن كل أطراف الصراع يواصلون ارتكاب المزيد من الانتهاكات والأعمال المقوضة لكيان الدولة ونهب الموارد وخرق القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.

    لقد وثقت سام وعدد من المنظمات الحقوقية والمحلية والإقليمية، العديد من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت من قبل أطراف الصراع، وتشكل عنوانا صارخا على حجم الانتهاكات الجسيمة، وفقدان السلام الشخصي والجماعي، وأبرز هذه الجرائم جرائم قتل مدنيين بوسائل متعددة، (كالقذائف العشوائية والقناصة والألغام التي تزرعها جماعة الحوثي، والغارات الجوية للتحالف العربي، وهجمات الطيران الدرونز الامريكية)، بالإضافة إلى الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب التي راح ضحيته أكثر من ١٥٠ مواطنا، إضافة إلى آلاف الانتهاكات بحق الأطفال على وجه الخصوص (التجنيد المستمر لهم)، فضلًا عن الاعتداء على الحريات الصحفية والحريات العامة، وفرض قيود تمييزية بحق النساء بما في ذلك الاعتقالات التعسفية بحقهن من قبل جماعة الحوثي.

    ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد من التجاوزات إذ يتعداه إلى ما هو أبعد، حيث تشير المعلومات إلى أن النظام القضائي في اليمن منقسم على نفسه ويخضع لتعليمات أطراف الصراع على الأرض، ولا يستطيع التعامل مع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ذات الطبيعة الجسيمة في القانون الدولي الإنساني، ويخشى على نفسه الاستهداف مع تخلخل نظام الحماية؛ في ظل غياب المؤشرات الجادة من مجلس الأمن الدولي لمناقشة تدخل نظام العدالة الجنائية الدولي في التحقيق بجرائم الحرب والجرائم الجسيمة التي شهدتها اليمن من بداية الصراع.

    لقد أصبح السلام في اليمن حلمًا بعيد المنال، في ظل الأزمات المتصاعدة وتعنت الأطراف وتمترسها خلف مطالبها الأنانية التي لا تراعي الوضع الإنساني والاقتصادي لليمنيين، واستثمارها  لآلام اليمنيين وأوجاعهم، وعدم اكتراثها لمطالبهم المتمثلة في تحقيق سلام شامل وعادل وحقيقي، يلبي آمالهم ويزيح عن كاهلهم تداعيات تسع سنوات من الصراع المدمر والكارثي.

    في حين يتحرك المجتمع الدولي لجمع الأطراف اليمنية في الرياض، لتوقيع اتفاق شامل لإطلاق النار، إلا أننا نلفت إلى أن اتفاقًا بالصيغة والملامح التي نراها لا يحقق سلامًا دائمًا إطلاقًا، ذلك أن ما نشهده من خطوات لا تعدو أن تكون إجراءات مسكنة وترحيل للمشاكل والأزمات حتى حين ويمنح الاطراف فرصة للاستعداد لمرحلة جديدة ستعود معها  الأمور إلى مربع الصفر.

    نؤكد -في سام- على أن السلام يجب أن يستند على أسس واضحة ليكتب له النجاح، وأن يُشرك فيه جميع الأطراف بما فيها المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وعائلات الضحايا، بحيث يتم الاتفاق على ملامح المرحلة الانتقالية -التي يجب أن يتشارك جميع الأطراف في رسمها- على أن يرافق ذلك تثبيت وقف إطلاق النار من قبل الأطراف وإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين وتوفير الخدمات الأساسية وتقديم الخدمات الطبية العاجلة للمصابين، وحماية المدنيين وتقديم العون للمتضررين منهم، وضمان حرية التنقل، والتأكيد على العدالة الانتقالية لمحاسبة منتهكي حقوق الانسان وتعويض الضحايا وجبر الأضرار، واستعادة الأموال المنهوبة من قبل المليشيات، إلى جانب إعادة الأراضي التي صودرت دون وجه حق، وإعادة إعمار البيوت التي دُمِّرت على يد أطراف الصراع المختلفة، وإغلاق مراكز الاعتقال السرية.

    يجب على الجميع تقديم المصلحة الوطنية علي المصلحة الخاصة، والتحرر من الأنانية التي جلبت وما زالت تجلب المزيد  من الأزمات والأوجاع، فاستمرار الحرب لن تخدم سوى أطراف تتاجر بآلام المدنيين وأوجاعهم، وتتخذها فرصة للتهرب من المساءلة عن الانتهاكات التي ارتكبتها بحقهم.

    إننا ندرك في سام أن سحب سلاح مليشيا الحوثي وكل المليشيات المسلحة الأخرى في الجنوب والغرب والشرق، وكذا التفكير جدياً بإيجاد قيادة يمنية ملتزمة لشعبها ومخلصة لوطنها يختارها الشعب اليمني، وإعادة الحق الديمقراطي للشعب اليمني في اختيار ممثليه بدون وصاية هو السبيل الأوحد لجلب السلام لليمنيين. وما من طريق أمام أطراف الصراع إلَّا طريق الحوار، واجتراح تسوية سياسية تنقذ اليمنيين من هذا الوضع الكارثي، فقد أثبتت سنوات الصراع أنه لا أحد يستطيع التغلب على الآخر بالسلاح.

    تدعو سام المجتمع الدولي إلى التعاطي بجدية وفاعلية مع الملف اليمني بعيدًا عن حسابات الجيوسياسية والقطبية، وأن تضطلع بمسؤوليتها -التي تمليها المواثيق الدولية والضمير الإنساني- في إلزام كافة الأطراف بالجلوس على طاولة التفاوض وصولًا إلى تسوية شاملة وعادلة لا تخضع لإملاءات وإرادات القوى الدولية والإقليمية، تسوية تأخذ في الاعتبار إرادة اليمنيين وتلبي تطلعاتهم في استعادة دولتهم السليبة.


  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير