تقدمت منظمة سام للحقوق والحريات والمجلس العربي، ببلاغ إلى مفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بشأن سياسة أطراف النزاع في تجنيد الأطفال في اليمن ، وخاصة جماعة الحوثي والتي تنطوي على انتهاكات خطيرة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان بحسب البلاغ.
أُعد البلاغ من قبل مجموعة محامين ومدافعين عن حقوق الإنسان ممن يعملون في منظمة سام للحقوق والحريات بالتعاون مع المجلس العربي. ويستند التقرير على معلومات وشهادات للضحايا وشهود عيان، وثقتها منظمة سام للحقوق والحريات، ويتضمن عشرات الشهادات التي أخذت من أطفال ضحايا التجنيد في اليمن.
يستند البلاغ على معلومات وثقتها منظمة سام للحقوق والحريات، ويحتوي على أمثلة جمعها باحثون وراصدون ميدانيون تراعي معايير الشفافية، والحياد والنزاهة والموضوعية. وقد حرص فريق سام على الوصول الى الضحايا والحصول على المعلومات منهم من خلال النشاط الميداني للفريق العامل داخل اليمن، والذي استطاع توثيق الوقائع عبر مقابلة شهود العيان وتوثيق أقوالهم.
كما استخدمت المنظمة وسائل الاتصال المتاحة وتلقت العديد من البلاغات وحصلت على العديد من مقاطع الفيديو المتلفزة لروايات الضحايا، ونقلت بعضًا مما تذيعه وسائل إعلام أطراف النزاع، فضلا عن استخدام فريق المنظمة المصادر المفتوحة ذات الموثوقية كالتقارير الصادرة من المنظمات الأممية والتقارير الحقوقية ذات المصداقية.
وسلط البلاغ الضوء على سياسة أطراف النزاع في تجنيد الأطفال في اليمن، وبشكل خاص الحوثيون، مستغلين تدهور الاقتصاد اليمني والفقر المدقع وتردي مستوى الخدمات والعصبية العشائرية. وهو ما أدى إلى ترك آلاف الطلاب مدارسهم بسبب التجنيد، والزج بالآلاف منهم إلى الخطوط الأمامية بشكل تراكمي ولسنوات قادمة، مما سيؤثر على تعافي المجتمع اليمني.
ولفت البلاغ إلى أن سياسة تجنيد الأطفال التي تنتهجها أطراف النزاع في اليمن، وبشكل خاص الحوثيون، تنطوي على انتهاكات خطيرة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، إذ يستغلون الواقع الاقتصادي المتردي وحالة الفقر المدقع وغياب التنمية لمواصلة تجنيد الأطفال، مما يفضي إلى انتهاك حقهم في التعليم، وفي التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية، والاختفاء القسري لكثيرين من الأطفال الذين تم تجنيدهم، مما يستدعي التدخل لتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار.
ونوه البلاغ بأن تجنيد الأطفال في اليمن لا يقتصر على مليشيا الحوثي فقط، إذ أشارت عدة تقارير محلية وأممية إلى تورط الحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي بتجنيد الأطفال مستغلة حاجة عائلاتهم الماسة للمال رغم توقيع الحكومة اليمنية اتفاقية مع الأمم المتحدة عام 2018 تتضمن خارطة طريق لوقف تجنيد واستخدام الأطفال في النزاع المسلح الدائر في البلاد.
ونقل البلاغ عن تقرير فريق الخبراء للعام 2020 أن قوات موالية للحكومة اليمنية أو التحالف العربي أو سماسرة تنفذ عمليات تجنيد واسعة للأطفال في محافظات تعز ولحج وأبين، وتنقلهم للتدرب في معسكرات سعودية من أجل الدفاع عن حدود المملكة من الهجمات البرية الحوثية.
وأشار البلاغ إلى أن تجنيد الأطفال شهد ازدياداً ملحوظاً منذ انقلاب مليشيا الحوثي على الحكومة الشرعية، مما أدى إلى تغيب الكثير من الطلاب عن المدارس والنزوح أو الهجرة إلى خارج البلاد، حيث أقام الحوثيون معسكرات لتجنيد الأطفال وثقتها وسائل الإعلام والتقارير التي قدمها مبعوثو مجلس الأمن. علاوةً على ذلك، يتم استخدام الأطفال من قبل ميليشيا الحوثي وإجبارهم على المشاركة في الأعمال العدائية، حيث تم تدريبهم على القتال، أو نقل الأسلحة والمعدات الحربية، وفي بعض الأحيان يتم استخدامهم لجمع معلومات عن المعارضين مقابل الحصول على احتياجاتهم الأساسية مثل الملبس والمأوى والطعام.
ولفت البلاغ إلى عدم وجود إحصائية دقيقة لعدد الأطفال المجندين في الحرب اليمنية، حيث تتفاوت هذه الأرقام بحسب تقديرات الأمم المتحدة التي قدرت في تقريرها للعام 2017 أن عدد الأطفال المجندين لدى جماعة الحوثي بلغ 1500 طفل، كما كشف تقرير لوكالة أسوشيتيد برس عن تجنيد جماعة الحوثي نحو 18 ألف طفل بنهاية عام 2018، فضلا عن الإحصائية التي أوردتها نشرة وزارة حقوق الإنسان التابعة للحكومة اليمنية والتي أشارت إلى تجنيد جماعة الحوثي نحو 30 ألف طفل منذ 2014.
وأورد البلاغ أن فريق سام الميداني رصد تجنيد 11310 طفلاً في 19 محافظة منذ عام 2014، بينهم 6269 طفلاً أعمارهم (8-11) عاما، و 580 طفلاً أعمارهم (12-14) عاما و 4461 طفلاً أعمارهم (15-17) عاما، مضيفا أنه وبحسب ترتيب المحافظات تأتي محافظة حجة في مقدمة المحافظات بعدد (1875) تليها محافظة صنعاء بعدد (1734) ثم محافظة ذمار (1585)، فيما تأتي محافظة تعز المنقسمة بين أطراف الصراع في المركز الرابع بعدد (1124) ثم أمانة العاصمة بعدد (1097).
ونقلت سام والمجلس العربي عن تقرير الخبراء الدوليين، أن الفترة من يونيو حزيران 2015 إلى فبراير/شباط 2020 شهدت تجنيد الحوثيين لصبية في جميع المحافظات اليمنية لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات، ممن جرى تجنيدهم في المدارس، والمناطق الفقيرة والحضرية ومراكز الاحتجاز من خلال التلقين والحوافز المالية والاختطاف، حيث تم استخدامهم في القتال، مما أدى إلى وفاة بعضهم وإصابة البعض الآخر. ولم تتوقف عمليات التجنيد عند الأطفال الذكور، إذ جندت جماعة الحوثي 34 فتاة تتراوح أعمارهن بين 13 و 17 عاما، في الفترة من يونيو/ حزيران 2015 إلى يونيو/حزيران 2020، لاستخدامهن كمخبرات ومجندات وحارسات ومسعفات وأعضاء ما يعرف بالزينبيات واللاتي توكل لهن مهام تفتيش النساء والمنازل، وتلقين النساء أفكار جماعة الحوثي، فضلا عن حفظ النظام داخل سجون النساء.
كما وثق معدّو البلاغ 17 معسكراً تابعاً لجماعة الحوثي مخصصاً لتدريب الأطفال المراد تجنيدهم، 4 منها في محافظة الحديدة، والأخرى تتوزع على المحافظات الأخرى مثل صنعاء وإب وذمار وصعدة وعمران، حيث يتلقى الأطفال في هذه المعسكرات تدريبات في مجالات اللياقة البدنية، واستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وزراعة الألغام ورمي القنابل وقذائف الهاون، موضحين أن هذه المعسكرات تقع تحت إشراف وزارة الدفاع التي تتبع جماعة الحوثي.
وأشار التحليل الذي أجرته منظمة سام إلى أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً محورياً في انخراط الأطفال في الأعمال القتالية، حيث إن 6126 طفلا ممن جُنّدوا كانوا من أسر معدومة الدخل، في حين أن 3194 طفلاً من أسر ذات دخل محدود، و 1990 طفلا من أسر ذات دخل متوسط. ووفق المعطيات التي بحوزة سام تصدرت جماعة الحوثي قائمة الجهات التي تجند الأطفال إذ جندت 10649 طفلاً، في حين جندت الحكومة الشرعية وحلفاؤها 507 أطفال، بينما تم تجنيد 54 طفلاً من قبل جماعات متطرفة من ضمنها تنظيم القاعدة.
وأضاف أن هناك أسبابا عديدة أخرى لتنامي ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن خلال الحرب دفعت أطراف الصراع وفي مقدمتهم جماعة الحوثي لاستغلال الأطفال وتحويلهم وقودا لمعركة لا علاقة لهم بها، بما في ذلك الخلفية الأيديولوجية والمذهبية، والعوامل الثقافية والاجتماعية والقبلية والمالية والتعليمية والسياسية.
وأورد البلاغ ما ذكره فريق الخبراء المعني باليمن من أن الحوثيين يواصلون التلقين العقائدي والتجنيد وفي بعض الحالات التدريب العسكري لأطفال في المخيمات الصيفية واستخدامهم كمقاتلين، لا سيما في محافظتي صنعاء والحديدة. بالإضافة إلى أن المشرفين الحوثيين على مستوى المجتمع المحلي يقومون بتجنيد الأطفال ومعظمهم من الفئات العمرية 13 إلى 17 عاما من خلال الإكراه وتهديد الآباء والمعلمين، ًوتقديم الإغراءات المادية والوعود بالاستشهاد للأطفال، وتسجيلهم في الدورات الثقافية والدينية الطائفية استناداً للأيديولوجية الحوثية، وهو ما أورده تقرير الخبراء الدوليين.
وتضمن البلاغ الصادر عن سام والمجلس العربي، جملة من التوصيات، منها: مطالبة جماعة الحوثي بالإفصاح عن أعداد الأطفال المجندين، وتسريح جميع الأطفال المجندين لديهم على الفور، بالإضافة إلى إغلاق جميع المعسكرات ومراكز الحشد التي تستخدم لتحفيز الأطفال على القتال، بالإضافة إلى وقف الخطاب الإعلامي المحرض على الكراهية والعنف وعدم استغلال المؤسسات التعليمية أو المناهج المدرسية أو الأنشطة التي تمجد القتال وتدعو إليه.
وشملت التوصيات أيضًا مطالبة الحكومة الشرعية بإصدار التشريعات التي تشدد العقوبة على المتورطين في تجنيد الأطفال واستخدامهم في أعمال القتال، وفتح مراكز التأهيل للأطفال المنخرطين في القتال قبل إعادتهم إلى أسرهم وإعادة دمجهم في المجتمع. كما يجب أيضًا على الحكومة الشرعية المصادقة على نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية لمساءلة المتورطين في جرائم تجنيد الأطفال.