جنيف - قالت منظمة سام للحقوق والحريات إنها تتابع بقلق بالغ ما وصفته بـ”الحملة المنسقة والممنهجة” التي تشنها جماعة الحوثي المسلحة في عدد من المحافظات اليمنية، والتي تشمل اعتقالات تعسفية بحق مواطنين، إلى جانب تصعيد تحريضي خطير عبر وسائل الإعلام الرسمية والمنصات التابعة للجماعة. واعتبرت المنظمة أن هذه الحملة تمثل انتهاكاً صريحاً للدستور اليمني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتشكل تهديداً جدياً على الحريات الأساسية في البلاد.
اعتقالات في محافظة المحويت
وأوردت “سام” أن جماعة الحوثي شنت خلال الأيام الماضية حملة اختطافات في محافظة المحويت، استهدفت عدداً من المواطنين على خلفية تداولهم مقطع فيديو يُظهر لحظة سقوط صاروخ تابع للجماعة في منطقة “عزلة ابن عبد الله”، وهي الحادثة التي حاولت الجماعة نسبها إلى غارة أمريكية. وبحسب مركز المحويت الإعلامي، فإن الاعتقالات جاءت بأوامر مباشرة من “عبدالله الطاووس”، المشرف الأمني للجماعة في المحافظة. وقد حصل المركز على أسماء ستة من المختطفين وهم: عبدالعزيز نايف الأشموري، محمد يحيى أحمد العبادي، نصار ناصر علي الأشموري، ميثاق عبدالله الحرازي، عصام عبده عبدالله مظنون، وأديب محمد محمد الصيراني.
اعتقالات في صنعاء
وفي العاصمة صنعاء، أكدت منظمة “سام” وقوع حملة أمنية طالت نحو ثلاثين مواطناً، وذلك على خلفية قيامهم بتصوير وتوثيق مشاهد لقصف استهدف سوق “فروة السكني”. وذكرت المنظمة أن هؤلاء المعتقلين تم توزيعهم على عدد من مراكز الشرطة، وأن غالبيتهم يقبعون حالياً في مركز شرطة “حمير” بأمانة العاصمة، وذلك وفقاً لما أورده الصحفي فارس الحميري في تغريدة له بتاريخ 21 أبريل 2025.
اعتقالات في محافظة الحديدة
أما في محافظة الحديدة، فقد وثقت “سام” حادثة اعتقال لثمانية مواطنين من مديرية الحوك بمدينة الحديدة، قاموا بتوثيق ونشر صور وفيديوهات لضحايا الغارات الجوية الأمريكية التي استهدفت منطقة “أمين مقبل”. ووفقاً لما نشره الصحفي مجاهد القب بتاريخ 9 أبريل 2025، فإن اثنين من المعتقلين تم توقيفهما لمجرد ظهور أصواتهم في مقاطع الفيديو المنتشرة.
تصعيد في التحريض الإعلامي والدعوات للإعدام
وأوردت المنظمة أن هذه الانتهاكات ترافقت مع حملة تحريضية خطيرة تقودها شخصيات إعلامية وقيادات بارزة في جماعة الحوثي عبر وسائل الإعلام الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي، تتضمن اتهامات جزافية للمواطنين بالتجسس والخيانة والتعامل مع “العدو الأمريكي والصهيوني”، وتتضمن دعوات صريحة لتنفيذ أحكام الإعدام ضدهم، دون تقديم أي أدلة قانونية أو ضمانات قضائية عادلة.
في كلمة متلفزة، قال رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة، مهدي المشاط، إن المعركة لا عنوان لها سوى "يهودي ومسلم"، ومن يقف في هذه المعركة أجهزة الأمن ترصد، ونتعامل بكل صرامة"، محذراً في الوقت ذاته من "كل من يستهويه الشيطان"، في خطاب اعتبرته "سام" استخداماً دينياً وسياسياً للتحريض والتبرير المسبق للقمع، يتنافى كلياً مع القوانين المحلية والدولية التي تحظر الخطاب الذي يحرض على العنف أو يبرر انتهاك حقوق الإنسان.
وأضافت منظمة سام للحقوق والحريات أن التصريحات الصادرة عن المشاط، تعكس توجهاً خطيراً نحو شرعنة الاعتقال والتحريض والتخويف، من خلال تقديم الدعم العلني للأجهزة الأمنية في حملاتها ضد من يُتهمون بالوقوف ضد "القضية"، دون تحديد قانوني واضح أو احترام للمعايير القضائية.
وذكرت سام أن قيادات أخرى مارست التحريض عبر منصات التواصل الاجتماعي، من بينها رئيس مجلس إدارة وكالة سبأ الخاضعة لسيطرة الحوثيين، نصر الدين عامر، الذي دعا بشكل صريح إلى إعدام من وصفهم بـ”عملاء العدو الأمريكي والصهيوني”، واعتبر أن القضاء والأجهزة الأمنية يجب أن تتحرك فوراً لمحاكمتهم. وأضاف في تغريدة له بتاريخ 23 أبريل 2025 أن “الشعب لن يرحمهم، والله أيضاً لن يرحمهم، وجهنم تستقبلهم”.
وفي السياق ذاته، طالب رئيس لجنة الأسرى التابعة للجماعة، عبدالقادر المرتضى، بتطبيق المادة (126) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، والتي تنص على الإعدام أو السجن المؤبد بحق من “يتعامل مع دولة عدوة”. وأكدت “سام” أن هذا التوظيف السياسي للنص القانوني دون محاكمة عادلة يمثل خطراً جسيماً على الحقوق الأساسية للمواطنين.
التحليل القانوني للانتهاكات
وشددت منظمة “سام” على أن ما تقوم به جماعة الحوثي يمثل انتهاكاً واضحاً للمادة (47) من الدستور اليمني التي تضمن عدم جواز الاعتقال أو الحبس إلا بأمر قضائي، والمادة (48) التي تكفل حقوق المعتقلين وضماناتهم القانونية. كما أن هذه الإجراءات تتعارض مع التزامات اليمن بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يحظر الاعتقال التعسفي في مادته التاسعة، ويكفل الحق في حرية التعبير في المادة (19)، وحق المحاكمة العادلة في المادة (14).
واعتبرت “سام” أن حملة التحريض القائمة على خطاب الكراهية والشيطنة التي تنفذها جماعة الحوثي ضد المواطنين، تحت مزاعم “العمالة” أو “التواطؤ”، هي مقدمة خطيرة لتبرير ممارسات قمعية وغير قانونية، وتغلق المجال العام أمام أي صوت مستقل أو ناقد، وتشكل بيئة خصبة لارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما فيها القتل خارج إطار القانون.
وشددت المنظمة على أن ما يجري هو توظيف سياسي خطير للمادة (126) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، والتي تنص على عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد بحق من يتعاون مع دولة عدوة، مؤكدة أن هذه المادة لا يمكن تطبيقها إلا ضمن محاكمة عادلة ومستوفية لكل الضمانات القانونية، وضمن سلطة قضائية مستقلة وغير خاضعة لهيمنة سياسية أو عسكرية.
دعوة إلى التحرك العاجل
وطالبت “سام” جماعة الحوثي بوقف كافة حملات الاعتقال التعسفي فوراً، والإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية التعبير عن آرائهم أو توثيقهم للأحداث، كما دعت الجماعة إلى الكف عن استخدام الإعلام الرسمي لنشر التحريض والدعوة للعنف ضد المواطنين.
وأكدت المنظمة أن محاسبة من يُتهم بالتعاون مع أطراف خارجية يجب أن تتم من خلال محاكمة عادلة تحترم الأصول القضائية والإجراءات القانونية، وليست عبر محاكمات صورية أو تصفيات سياسية بغطاء قانوني زائف.
ودعت “سام” المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان إلى ممارسة الضغط على جماعة الحوثي لوقف هذه الانتهاكات المتصاعدة، وحماية المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة. كما شددت على أهمية فتح تحقيق دولي في حالات الاعتقال التعسفي والتحريض العلني على العنف، الذي قد يرقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية في حال استمراره أو أدى إلى عمليات تصفية جسدية بحق المعتقلين.