في يوم مناهضة العنف ضد المرأة
اليمنيات يواجهن دائرة عنف لا تهدأ
  • 25/11/2025
  •  https://samrl.org/l?a5657 
    منظمة سام |

    جنيف - قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن التاسع والعشرين من نوفمبر، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، يأتي هذا العام واليمنيات يواجهن أحد أعنف السياقات في العالم من حيث حجم الانتهاكات وتشابكها، حيث تتقاطع عنف الحرب مع عنف الأسرة والأجهزة الأمنية والمليشيات والعنف الرقمي والعنف الهيكلي والقانوني، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الحماية والخدمات الأساسية، معتبرةً أن الاحتفاء بهذه المناسبة في اليمن لا معنى له ما لم يُترجم إلى التزام عملي بوقف الحرب، ومواجهة العنف البنيوي المتجذر في القوانين والأعراف، وضمان أن تعيش كل امرأة وفتاة حياة خالية من الخوف والعنف والتمييز، وأن تُعامل كفاعل كامل الحقوق في إعادة بناء السلام والعدالة في البلاد.

    اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة وسياق اليمن

    وذكرت سام أن العنف ضد المرأة في اليمن يكتسب بعدًا أكثر قسوة، حيث تتضاعف المخاطر خلال النزاع المسلح والأزمات الإنسانية والاقتصادية الممتدة منذ 2014، في بلد يُصنَّف باستمرار في ذيل مؤشرات الفجوة بين الجنسين عالميًا. 

    وأشارت المنظمة إلى أن اليمن يُعدّ من أكثر البلدان هشاشة في العالم، وأن سنوات الحرب والانهيار الاقتصادي والكوارث المناخية فاقمت أوضاع النساء والفتيات على نحو غير متناسب؛ إذ تُظهر البيانات الإنسانية أن ما يقرب من 80٪ من إجمالي 4.8 مليون نازح داخليًا هم من النساء والأطفال، وأن نحو ربع الأسر النازحة ترأسها نساء، الأمر الذي يضعهن في قلب دوامة الفقر والعنف وانعدام الحماية. 

    وأوردت سام أن اليمن احتل المرتبة 153 من أصل 153 دولة في مؤشرات المساواة بين الجنسين في تقييمات 2019–2020، ثم المرتبة 155 من أصل 156 دولة في مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2022، ما يعكس واقعًا بنيويًا من التمييز وعدم تكافؤ الفرص في التعليم والعمل والتمثيل السياسي، ويجعل العنف ضد المرأة نتيجة متوقعة لبنية اجتماعية وقانونية غير منصفة. 

    حجم العنف القائم على النوع الاجتماعي.. أرقام ودلالات

    وأوضحت سام، استنادًا إلى تحليلات مجموعات العمل الإنسانية المتخصصة في العنف القائم على النوع الاجتماعي، أن ما لا يقل عن 6.2 مليون امرأة وفتاة في اليمن يواجهن مخاطر متصاعدة من سوء المعاملة والاستغلال بأشكاله المتعددة، مع حاجة تُقدَّر بـ 6.2 مليون شخص إلى خدمات وحماية متصلة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2025، بينما لا تستهدف البرامج المتاحة سوى شريحة أقل بكثير من هذه الاحتياجات. 

    وبيّنت المنظمة أن النساء والفتيات يشكّلن ما يقرب من 80٪ من النازحين داخليًا، وأن 26٪ من الأسر النازحة حديثًا بين يناير ومايو 2025 ترأسها نساء، وأن البيئات المكتظة في المخيمات، التي تفتقر إلى تصميمات تراعي النوع الاجتماعي (مراحيض غير منفصلة، غياب الإضاءة الكافية، انعدام الخصوصية)، تزيد من مخاطر العنف الجنسي والتحرش والاستغلال، خاصة في ظل غياب آليات فعالة للإبلاغ والحماية. 

    وأضافت سام أن الأزمة لا تتوقف عند حجم المخاطر، بل تمتد إلى فجوات صارخة في الخدمات؛ إذ تشير البيانات إلى أن ما يقرب من 90٪ من المناطق الريفية تفتقر إلى خدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأن أقل من 5٪ من المرافق الصحية تقدم خدمات الإدارة السريرية لحالات الاغتصاب، ما يعني أن غالبية الناجيات من العنف الجنسي لا يحصلن على الرعاية الطبية والنفسية والقانونية المنقذة للحياة.

    وأشارت إلى أن تخفيضات التمويل الإنساني أجبرت وكالات أممية – وعلى رأسها صندوق الأمم المتحدة للسكان – على تقليص نحو 40٪ من برامج حماية المرأة، بما في ذلك تعليق الدعم لـ 10 مساحات آمنة للنساء والفتيات وإغلاق أو تعليق 22 مساحة أخرى، وهو ما يعني حرمان عشرات الآلاف من النساء والفتيات من خدمات إدارة الحالات والدعم النفسي والقانوني والمساعدة النقدية، في وقت يتزايد فيه العنف ولا يتراجع. 

    عنف الحرب والنزاع المسلح ضد النساء

    وأكدت سام أن النزاع المسلح في اليمن جعل جسد المرأة وحياتها وكرامتها جزءًا من ساحة الحرب، حيث وثّقت تقارير فريق الخبراء المعني باليمن استمرار الانتهاكات الواسعة والمنهجية للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل خارج نطاق القانون، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والعنف الجنسي المتصل بالنزاع، والاختفاء القسري للمدنيات.

    وأوردت أن تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن حول اليمن لعام 2023 وثّق حالة شابة في العشرين من عمرها اختطفت في صنعاء واحتُجزت تعسفًا لأكثر من 17 شهرًا، وتعرضت للتعذيب ومحاولات اغتصاب، وأشارت الضحية إلى وجود نحو 300 امرأة وفتاة أخرى – من بينهن قاصرات لا تتجاوز أعمارهن 12 عامًا – محتجزات في السجن المركزي على خلفية تهم ملفقة تتعلق بـ “الشرف”، في نمط يجمع بين عنف الدولة وعنف المجتمع القائم على الوصم. 

    وأشارت سام إلى ما أورده التقرير من أن الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب تمثل وجهًا آخر لعنف الحرب ضد النساء، إذ سجّل التقرير نفسه خلال الفترة من أكتوبر 2021 حتى سبتمبر 2022 ما مجموعه 591 ضحية مدنية للألغام والمتفجرات، بينهم 196 حالة وفاة و395 إصابة، وغالبيتهم من النساء والأطفال، ما يجعل التنقل اليومي إلى المدرسة أو العمل أو جلب المياه رحلة محفوفة بالموت.

    وأضافت المنظمة أن تصاعد النزاع أدى أيضًا إلى ارتفاع حاد في زواج الأطفال والعنف الجنسي والاستغلال، حيث تشير تقارير دولية إلى أن نسب زواج القاصرات تضاعفت تقريبًا بعد اندلاع الحرب، وأن الفتيات في سياق النزوح والحصار الاقتصادي يُدفعن إلى الزواج المبكر أو “زواج السياحة” أو الاتجار لأغراض الاستغلال الجنسي، في انتهاك صارخ لحقوق الطفل والمرأة. 

    العنف الرقمي ضد النساء والفتيات

    ونوهت منظمة سام للحقوق والحريات إلى أن العنف الرقمي ضد النساء والفتيات في اليمن بلغ مستويات خطيرة خلال السنوات الأخيرة، بعدما تحوّل الفضاء الإلكتروني إلى ساحة مفتوحة للابتزاز والمضايقات وانتهاك الخصوصية، في ظل عجز السلطات وضعف حماية المنصات الرقمية. وتوضح المنظمة أن هذا العنف يُمارَس عبر أساليب متعددة، أبرزها تسريب الصور أو تهديد الضحايا بنشرها، واستخدام الحسابات المزيفة، والضغط للإيقاع بالنساء في علاقات قسرية أو الحصول على المال، وهي ممارسات تستغل هشاشة السياق الاجتماعي والقانوني.

    وتُظهر تقارير حقوقية أن النساء يتعرضن لهذا العنف غالبًا من أشخاص يعرفنهم، مثل أصدقاء أو شركاء سابقين، ما يجعل التجربة أكثر قسوة لارتباطها بالخداع والخيانة. وقد وثّقت دراسات إقليمية ووطنية عشرات الحالات التي تطوّرت فيها المضايقات الرقمية إلى تهديدات مباشرة بالقتل أو الاغتصاب، وحتى محاولات انتحار نتيجة الضغط النفسي الهائل. كما تزداد خطورة هذا العنف في مجتمع يجرّم الضحية بدل الجاني، ويعامل الصور – حتى العادية منها – كـ"مادة حساسة" يمكن استخدامها لإلحاق الأذى الاجتماعي بالنساء.

    وتشير الوقائع إلى أن المنصات الرقمية، وفي مقدمتها فيسبوك، لم توفر حماية كافية للنساء اليمنيات، فقد وثقت منظمة العفو الدولية حالات سبع نساء تعرضن للابتزاز والمضايقة بين 2019 و2023، ولم تكن أي منهن تعرف كيفية استخدام آليات الإبلاغ أو حذف المحتوى المسيء. كما أن نشر الصور – سواء بالبُنية الحقيقية أو عبر التلاعب والفبركة – أدى إلى تدمير الحياة المهنية والاجتماعية لعدد منهن، وأصيبت بعضهن بالاكتئاب والعزلة، بل وأقدمت إحداهن على محاولة الانتحار بعد تهديدات متواصلة.

    وأوضحت سام أن الناجيات يواجهن سلسلة عوائق عند محاولة اللجوء للعدالة، تبدأ بالخوف من العائلة، وتمتد إلى ما هو أسوأ داخل أقسام الشرطة والنيابة، حيث تتعرض بعضهن للوم صريح أو تُتهم بأن مظهرها أو تواصلها هو السبب في استهدافها، فيما تُطلب من أخريات رشاوٍ مقابل تحريك الشكوى أو تنفيذ إجراءات الضبط. وفي حالات كثيرة، على الرغم من وجود وحدات لمكافحة الجرائم الإلكترونية في بعض المحافظات، فإن معظم النساء لا يعرفن بوجودها أصلاً، ما يعمّق عزلتهن ويقلل من فرص الحماية.

    وأشارت المنظمة إلى أن غياب إطار قانوني حديث يُفاقم الأزمة؛ فالقضاء ما زال يعتمد على نصوص عتيقة لا تتعامل مع الجرائم الرقمية بوضوح، مما يمنح القضاة مساحة واسعة لعدم ملاحقة الجناة أو إسقاط القضايا، كما أن نقص الكوادر النسائية داخل المؤسسات الأمنية يجعل كثيرًا من النساء يتوجّهن بدلًا من الإجراءات الرسمية إلى مبادرات محلية كـ"سند" أو متخصصي الأمن الرقمي، الذين يبذلون محاولات لحذف المحتوى المسيء لكنهم أنفسهم يواجهون صعوبات بسبب ضعف فهم المنصات العالمية للسياق اليمني المحافظ.

    واعتبرت سام أن هذا النوع من العنف لا يهدد النساء في حياتهن الخاصة فحسب، بل يقوّض مشاركتهن في المجال العام، إذ يدفع كثيرات إلى إغلاق حساباتهن أو التوقف عن العمل أو النشاط، ما يعمّق فجوة النوع الاجتماعي ويُبقي الفضاء الرقمي ذكوريًا ومليئًا بالعنف. كما أن الاستثمار في خطاب "الوصمة" يجعل الضحية أسيرة الخوف، بينما يتمتع الجناة بالإفلات شبه الكامل من العقاب.

    العنف في الفضاء العام والإعلام والوصم الاجتماعي

    وبيّنت سام أن العنف ضد المرأة في اليمن يمتد إلى الفضاء العام ووسائل الإعلام، حيث تتعرض الصحفيات والمدافعات عن حقوق الإنسان لحملات تشهير وتحريض عبر الإنترنت وخارجه، تتضمن اتهامات ملفقة تتعلق بالأخلاق واستخدام صور حقيقية أو مفبركة، ما يؤدي أحيانًا إلى احتجازهن وتعذيبهن في أماكن الاحتجاز، ويُجبر كثيرات على الانسحاب من المشهد العام أو ممارسة رقابة ذاتية مشددة على حضورهن وآرائهن. 

    وأشارت إلى أن دراسة حول واقع الإعلام في اليمن أظهرت أن النساء يشكّلن أقل من 20٪ من العاملين في الإعلام، وأنهن غائبات تمامًا عن 84٪ من البرامج الإخبارية، وأن نسبة من شغلن مناصب مدير عام أو نائب مدير عام لم تتجاوز 3٪، بينما لا يوجد قانون يحظر التحرش الجنسي في أماكن العمل أو يعاقب عليه صراحة، ما يجعل بيئة العمل الإعلامي – وغيره – حافلة بعنف غير مرئي ضد النساء، ويكرّس صورتهن كضحايا أو ربّات بيوت، لا كخبيرات وصاحبات قرار. 

    عنف الأجهزة الأمنية والمليشيات والعنف الجنسي المتصل بالنزاع

    وقالت سام إن عنف الأجهزة الأمنية والمليشيات المسلحة يُعد من أخطر أنماط العنف ضد النساء في اليمن، حيث لا يقتصر على الاعتقال التعسفي والتعذيب، بل يمتد إلى العنف الجنسي والابتزاز والوصم الاجتماعي، ويُستخدم أحيانًا كسلاح لإخماد المعارضة أو معاقبة عائلات الخصوم، في انتهاك مضاعف لكرامة النساء وحقهن في الأمان. 

    وأشارت المنظمة إلى أن تقارير أممية حديثة حول العنف الجنسي المتصل بالنزاع في اليمن، بما في ذلك تقارير فريق الخبراء المعني باليمن وتقارير مجموعات الخبراء البارزين، وثّقت استخدام العنف الجنسي كأداة استراتيجية للإذلال وكسر إرادة المعارضين، بما في ذلك حالات تجريد قريبات المعتقلين من ملابسهن أمامهم، ووقائع استعباد جنسي لمحتجزات، وولادة أطفال داخل أماكن الاحتجاز نتيجة اغتصابهن ثم فصلهم عن أمهاتهم لاحقًا. 

    وأوردت سام أن وحدة “الزينبيات” – وهي قوة أمنية نسائية تابعة لسلطات الأمر الواقع في صنعاء – تلعب دورًا محوريًا في هذا السياق؛ إذ أشارت تقارير فريق الخبراء إلى قيام عناصر هذه الوحدة بمداهمة منازل النساء، وتفتيشهن وضربهن، والمشاركة في تعذيب المحتجزات، واستخدام الصعق الكهربائي خلال المظاهرات وأثناء الاحتجاز، فضلًا عن تسليم النساء والفتيات إلى مسؤولين ومسلحين لاغتصابهن، في نمط يعكس توظيف النساء لقمع النساء عبر بنية قمعية مغلقة. 

    وأضافت المنظمة أن تقارير دولية – من بينها دراسات صادرة عن منظمات مثل Global Survivors Fund، ومنظمة Ecdhr – أكدت أن الناجيات من العنف الجنسي في اليمن، سواء داخل البلاد أو في دول اللجوء كجمهورية مصر العربية، يواجهن مزيجًا من الفقر والخوف من الترحيل وتهديدات “جرائم الشرف”، وأن بعضهن تعرّض للقتل أو لمحاولات قتل على يد أقارب بسبب الوصمة المرتبطة بالاغتصاب، ما يجعل الوصول إلى العدالة أكثر صعوبة ويعمّق دائرة الإفلات من العقاب.

    العنف الأسري

    وأكدت سام أن العنف داخل الأسرة هو الوجه الأكثر خفاءً وانتشارًا للعنف ضد المرأة في اليمن، حيث تشير الدراسات إلى أن العنف من الشريك الحميم يشكل النسبة الأكبر من حالات العنف المبلغ عنها، وأن العنف يحدث غالبًا داخل المنزل، بعيدًا عن أعين القانون والإعلام، وفي سياق أعراف تطبّع الضرب والقهر باعتبارهما “تأديبًا” مشروعًا. 

    ولفتت إلى أن دراسة ميدانية سابقة في صنعاء أظهرت أن 55٪ من النساء اللاتي سبق لهن الارتباط أبلغن عن تعرضهن لعنف جسدي من الشريك (كالضرب والحبس)، وأن 51٪ أبلغن عن تهديدات، و17٪ عن عنف جنسي، في حين لم تتجاوز نسبة من لجأن إلى الشرطة 3٪، بسبب الخوف من الوصم وضغوط الأسرة، وغياب ثقة النساء بمنظومة العدالة. 

    وأضافت سام أن زواج الأطفال – وهو شكل من أشكال العنف الهيكلي والجنسي في آن – يمثل أحد أخطر مظاهر العنف ضد الفتيات؛ إذ تشير التقديرات الدولية إلى أن ما يقرب من ثلث الفتيات في اليمن يتزوجن قبل سن 18 عامًا، وأن النسبة ترتفع في سياق النزوح والفقر والحرب، بل إن تقارير سابقة ذكرت أن زواج القاصرات تضاعف ثلاث مرات بين 2015 و2018، ليصبح آلية “تكيف” قسرية تلجأ إليها الأسر لمواجهة العوز أو لحماية البنات من عنف أوسع، بينما هو في الحقيقة عنف مقنن ضدهن.

    وأوردت أن الممارسات الضارة لا تتوقف عند الزواج المبكر؛ فظاهرة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) ما زالت حاضرة، حيث أظهرت المسوحات السكانية أن حوالي 19٪ من النساء في اليمن خضعن لشكل من أشكال الختان، بينما تصل النسب في بعض المحافظات الساحلية إلى ما بين 62٪ و80–85٪، وفي دراسة أحدث بمحافظات جنوبية وصلت النسبة إلى نحو 89٪، في ظل استمرار إجراء جزء من هذه العمليات على أيدي عاملين صحيين، بما يضفي عليها غطاءً طبيًا زائفًا. 

    العنف الهيكلي والقانوني والتمييز المؤسسي

    وقالت سام إن العنف ضد المرأة في اليمن لا يُختزل في الأذى الجسدي أو الجنسي المباشر، بل يتجذر أيضًا في قوانين وسياسات وممارسات تعزز التمييز، وتمنح مرتكبي العنف امتيازات قانونية، وتحرم النساء من الحماية والإنصاف، في ما يمكن وصفه بـ “العنف الهيكلي” الذي تنتجه المنظومة ولا يقتصر على الأفراد.

    وأشارت إلى أن قانون الأحوال الشخصية اليمني لا يزال يسمح بتزويج الفتيات دون 18 عامًا بموافقة الولي، رغم التوصيات المتكررة برفع سن الزواج إلى 18 عامًا، وأن قانون العقوبات يمنح معاملة تفضيلية لمن يرتكب ما يسمى “جرائم الشرف”، إذ تنص المادة 232 منه على عقوبة مخففة تصل إلى سنة واحدة فقط لمن يقتل زوجته أو قريباته بدعوى التلبس بالزنا، في حين تصل العقوبة في جرائم القتل الأخرى إلى الإعدام، ما يبعث برسالة خطيرة تُشرعن العنف القاتل ضد النساء. 

    وأوردت سام أن سلطات الأمر الواقع في صنعاء، إلى جانب أطراف أخرى في مناطق مختلفة، فرضت قيودًا صارمة على حرية تنقل النساء عبر شرط “المَحرَم”، ومنعت كثيرات من السفر أو العمل أو المشاركة في الأنشطة العامة دون وجود قريب ذكر، ما يقيّد حقهن في التنقل والعمل والتعليم والمشاركة المجتمعية، ويضاعف مخاطر الفقر والعنف، بل يقيّد أيضًا وصول النساء العاملات في الحقل الإنساني إلى المستفيدات الأكثر هشاشة.

    وأضافت المنظمة أن الفجوة الجندرية في التعليم والعمل تعكس بدورها شكلاً من أشكال العنف الهيكلي؛ إذ تبلغ مشاركة المرأة في سوق العمل نسبة متدنية للغاية (نحو 4.5–6٪ وفق استبيانات مختلفة)، مقابل أكثر من 50٪ للرجال، بينما تصل نسبة الأمية بين النساء إلى نحو 60٪، ويُحرم عدد كبير من الفتيات من الالتحاق بالمدارس أو الاستمرار فيها، خاصة في المناطق الريفية والمتأثرة بالنزاع، في حين تبقى السياسات العامة عاجزة عن سد هذه الفجوات.

    فجوات الحماية والخدمات وآثار نقص التمويل

    وأوضحت سام أن الفجوة بين حجم المخاطر والاحتياجات من جهة، وحجم الخدمات المتاحة من جهة أخرى، آخذة في الاتساع؛ إذ تشير بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن برامج العنف القائم على النوع الاجتماعي استهدفت في عام 2025 نحو 567,100 شخص فقط، في حين تُقدَّر أعداد النساء والفتيات المحتاجات إلى دعم منقذ للحياة بحوالي 9.6 مليون، ما يعني أن غالبية الناجيات والمهددات بالعنف يظللن خارج نطاق التغطية. 

    وأشارت إلى أن تعليق بعض مصادر التمويل – مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – أدى إلى حرمان نحو 400,000 امرأة وفتاة بشكل مباشر من خدمات حيوية، بما في ذلك إغلاق أو تعليق 22 مساحة آمنة، وحرمان 90,000 امرأة وفتاة من خدمات شاملة، و6,000 امرأة وفتاة من الدعم القانوني، وحرمان 9,741 امرأة وفتاة من المساعدة النقدية والقسائم، إضافة إلى إغلاق خمسة مراكز للدعم النفسي والاجتماعي حرمت 28,000 امرأة وفتاة وامرأة حامل من خدمات الرعاية قبل وبعد الولادة والدعم النفسي المنقذ للحياة.

    وأوردت سام أن استمرار القيود على التدخلات الخاصة بالحماية في بعض المناطق، وقيود المَحرَم على حركة الموظفات، وانقطاع الكهرباء لفترات طويلة في مناطق أخرى، كلها عوامل تعرقل تقديم الخدمات، في وقت تشير فيه تقديرات الأمم المتحدة إلى أن امرأة يمنية واحدة تموت كل ساعتين بسبب مضاعفات الحمل والولادة التي يمكن الوقاية منها، وأن أقل من نصف الولادات تُجرى بمساعدة كوادر صحية مؤهلة، فيما يظل الوصول إلى خدمات الصحة العقلية شبه منعدم، رغم تضاعف أعداد من يعبّرون عن أفكار انتحارية، وغالبُهن من النساء والفتيات.

    الأسباب الجذرية للعنف والعنف البنيوي المتعدد الأبعاد

    وقالت سام إن العنف ضد المرأة في اليمن هو نتيجة عوامل بنيوية عميقة؛ من الفقر المدقع، وانهيار سبل العيش، وارتفاع تكاليف المعيشة، إلى الأعراف الاجتماعية الأبوية التي تشرعن سيطرة الذكور وتطبع العقاب الجسدي والعنف الأسري، مرورًا بالثغرات القانونية، وضعف مؤسسات العدالة، والثقافة السائدة التي تلوم الضحية وتربط شرف الأسرة بجسد المرأة وسلوكها.

    وأشارت إلى أن أزمات الحرب والنزوح والجوع عمّقت هذه العوامل، حيث أُجبرت أسر كثيرة على اللجوء إلى استراتيجيات سلبية للبقاء، مثل تزويج القاصرات أو دفعهن إلى العمل الخطير أو التسول أو الهجرة غير النظامية، بينما تدفع الضغوط النفسية والاقتصادية بعض الرجال إلى ممارسة مزيد من العنف داخل الأسرة، في ظل غياب خدمات الإرشاد والدعم النفسي، وغياب برامج تتعامل مع الذكورية السامة وتعيد بناء نماذج جديدة للعلاقات المتساوية.

    وأوضحت سام أن العنف الرقمي تحديدًا يعكس التقاء عوامل اجتماعية وثقافية وقانونية وسياسية؛ فغياب قانون محدّث لمكافحة الجرائم الإلكترونية، وضعف قدرات الشرطة والنيابة في التعامل مع الشكاوى، وانتشار الخطاب التحريضي ضد الناشطات، جميعها عوامل تجعل الفضاء الرقمي امتدادًا للعنف البنيوي، حيث تُستخدم المنصات سلاحًا لإقصاء النساء من المجال العام ومعاقبتهن على المشاركة والتعبير عن الرأي. 

    التزامات الدولة وأطراف النزاع والمجتمع الدولي

    وأكدت سام أن على جميع أطراف النزاع في اليمن – بما فيها الحكومة المعترف بها دوليًا، وسلطات الأمر الواقع، وسائر المليشيات والقوى المسلحة – واجبًا قانونيًا وأخلاقيًا بوقف جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك العنف الجنسي المتصل بالنزاع، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وفرض القيود التمييزية على حركة النساء وعملهن، والالتزام التام بتطبيق القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، والتحقيق في الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها. 

    وأشارت إلى أن على المجتمع الدولي والدول المانحة تجنب السياسات التي تؤدي فعليًا إلى تقويض خدمات الحماية المنقذة للحياة، مثل التخفيضات الحادة في التمويل أو تعليق البرامج دون توفير بدائل، وأن عليهم دعم منظمات المجتمع المدني المحلية، بما فيها منظمات النساء والضحايا، وتمكينها من تقديم خدمات شاملة للناجيات، والمشاركة في تصميم سياسات العدالة الانتقالية وضمان عدم إفلات مرتكبي العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي من العقاب.

    المطالب والتوصيات

    تؤكد منظمة سام للحقوق والحريات أن أوضاع النساء والفتيات في اليمن وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من الخطورة، نتيجة تراكم سنوات الحرب، والانهيار الاقتصادي والمؤسسي، واتساع دائرة الانتهاكات من أطراف متعددة، وتطبيع العنف داخل الأسرة والمجتمع، وانتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي بأشكاله كافة. وانطلاقًا من مسؤوليتها الحقوقية، وإيمانها بضرورة مقاربة شاملة ترتكز على حماية المرأة وتمكينها، تعلن المنظمة جملة من المطالب والتوصيات:

    أولاً: على أطراف النزاع والسلطات الفعلية والرسمية

    1. الوقف الفوري لجميع أشكال العنف المرتبط بالنزاع، بما في ذلك الاستهداف المباشر للمدنيين، والعنف الجنسي، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب داخل السجون الرسمية وغير الرسمية.

    2. إغلاق السجون السرية ومراكز الاحتجاز غير القانونية، والسماح للجهات الحقوقية بالوصول إليها، والتحقيق في الانتهاكات المرتكبة ضد النساء، ومحاسبة المسؤولين عنها دون استثناء.

    3. إلغاء القيود التمييزية المفروضة على حرية تنقل النساء، بما في ذلك نظام "المحرم" الذي يحرمهن من التنقل والعمل والوصول للخدمات الإنسانية والعدالة.

    4. ضمان حماية النازحات واللاجئات داخليًا عبر تحسين بنية المخيمات، وتوفير مرافق آمنة تلائم احتياجات النساء والفتيات، بما في ذلك الإضاءة، والفصل بين المرافق، ونقاط الإبلاغ الآمنة.

    5. وقف استغلال الفتيات والنساء في الصراع المسلح، بما في ذلك التجنيد المباشر أو الإكراه على أدوار عسكرية أو أمنية، أو استخدامهن كأدوات للتجسس أو الضغط السياسي.

    ثانيًا: على الحكومة اليمنية والسلطات المحلية

    1. تبني إطار قانوني شامل لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، يجرّم بوضوح العنف الأسري والجنسي والرقمي، ويحدد آليات حماية فعّالة، وإجراءات إبلاغ آمنة للضحايا.

    2. المصادقة على تشريعات تضمن الحد الأدنى لسن الزواج بـ 18 عامًا، وتحظر جميع أشكال الزواج القسري وزواج الأطفال وزواج السياحة.

    3. إصلاح منظومة العدالة من خلال تدريب النيابة والقضاة وضباط الأمن على التعامل مع قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، وضمان وجود كادر نسائي متخصص.

    4. تعزيز آليات التحقيق في جرائم العنف الجنسي، وتوفير الحماية الفورية للضحايا والشهود، وتطبيق إجراءات سرية تمنع الانتقام والوصم.

    5. توفير خدمات حكومية مجانية للناجيات تشمل الدعم النفسي، والرعاية الصحية، والمساعدة القانونية، والمأوى الآمن.

    ثالثًا: في مجال مكافحة العنف الأسري والمجتمعي

    1. إطلاق استراتيجية وطنية لمناهضة العنف الأسري، تتضمن تعريفًا قانونيًا واضحًا للعنف من الشريك الحميم، وآليات حماية الطوارئ، وخطوط مساعدة سرية تعمل على مدار الساعة.

    2. دمج برامج التوعية في المدارس والجامعات لتعزيز ثقافة احترام المرأة ونبذ العنف القائم على النوع، وتغيير الصور النمطية.

    3. تنفيذ حملات إعلامية واسعة ضد الأعراف التي تشرعن العنف، ومنها خطاب "الشرف" الذي يُستخدم كأداة لتبرير الإيذاء والقتل أو إسكات النساء.

    4. تعزيز دور القيادات المجتمعية والدينية لتبني خطاب يناهض العنف، ويشجع على حماية النساء والفتيات، بدل تعزيز ممارسات اللوم والوصم.

    رابعًا: في مكافحة العنف الجنسي

    1. ضمان وصول الناجيات من العنف الجنسي إلى خدمات الرعاية الصحية المتكاملة، بما في ذلك الإدارة السريرية لحالات الاغتصاب، والدعم النفسي المتخصص.

    2. رفض أي محاولات للوساطة أو التسويات القبلية في قضايا العنف الجنسي، باعتبارها تمييعًا للعدالة وتشجيعًا للإفلات من العقاب.

    3. توفير مسارات آمنة للإبلاغ في المناطق الريفية والمحرومة، وتسهيل وصول الخدمات عبر فرق متنقلة أو مراكز مجتمعية محمية.

    خامسًا: في مكافحة العنف الرقمي

    1. سنّ قانون حديث للجرائم الإلكترونية يحدد بوضوح جريمة الابتزاز، والانتهاك الرقمي للخصوصية، والتشهير المبني على النوع الاجتماعي، ويضمن حماية فعالة للضحايا.

    2. إلزام منصات التواصل الاجتماعي بالتعاون مع الجهات الحقوقية لتطوير آليات إبلاغ فعّالة باللغة العربية وبما يتوافق مع السياق اليمني المحافظ.

    3. إنشاء وحدات متخصصة للتحقيق الرقمي داخل النيابات والأجهزة الأمنية مزوّدة بكادر محترف ومنهجي، مع ضمان وجود كوادر نسائية.

    4. تعزيز الثقافة الرقمية من خلال برامج توعية حول حماية الحسابات، وتجنب الوقوع في الابتزاز، والتعامل مع المحتوى المسيء.

    سادسًا: في مكافحة العنف الهيكلي وتمكين المرأة

    1. إعادة هيكلة السياسات الحكومية لضمان إدماج المرأة في التعليم والعمل وصنع القرار، وإزالة القيود التي تُقصي النساء عن الحياة العامة.

    2. تمويل مشاريع اقتصادية موجهة للنساء والفتيات لتوفير الاستقلال الاقتصادي الذي يقلل تعرضهن للعنف، لا سيما في المناطق الريفية والفقيرة.

    3. تضمين منظور النوع الاجتماعي في جميع برامج إعادة الإعمار والتنمية لضمان عدم تكريس الفجوة الجندرية في الخدمات وتوزيع الموارد.

    4. وضع آليات وطنية لرصد ورصد وتوثيق العنف القائم على النوع بشكل دوري، لخلق قاعدة بيانات تُستخدم في السياسات المستقبلية.

    سابعًا: على المجتمع الدولي

    1. زيادة التمويل الموجّه لبرامج حماية النساء والفتيات، وضمان استمرار المساحات الآمنة والخدمات النفسية والقانونية والصحية.

    2. دعم مبادرات بناء القدرات المؤسسية للمنظمات المحلية العاملة في مجال حقوق المرأة وتوثيق الانتهاكات.

    3. الضغط على أطراف النزاع لاحترام التزاماتها بموجب القانون الدولي، والسماح بدخول المنظمات الإنسانية، ووقف استهداف النساء في النزاع.

    4. دعم برامج الوقاية في المدى الطويل عبر تعزيز التعليم، والصحة، والتمكين الاقتصادي، بوصفها الركائز الأساسية لمجتمع أقل عنفًا وأكثر مساواة.

    تؤكد منظمة سام للحقوق والحريات على أن حماية النساء ليست "مسألة ثانوية" يمكن تأجيلها، بل ركيزة أساسية لتحقيق السلام والعدالة والاستقرار في اليمن، وتشدد المنظمة على أن إنهاء دوائر العنف – بكل أشكالها – يتطلب إرادة سياسية وتشريعية ومجتمعية جادة، وإلا ستظل الفتيات والنساء في قلب الانتهاكات اليومية دون حماية أو إنصاف.

     

  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير