أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات، اليوم الثلاثاء، ٢٠ فبراير ٢٠٢٤، إحاطتها الحقوقية السنوية الشاملة للعام 2023، والتي تضمنت عدد من المحاور الهامة، أولها قدمت الإحاطة قراءة شاملة للسياق السياسي والاقتصادي والبيئي في اليمن خلال ٢٠٢٣ ، بينما تطرق المحور الثاني إلى توثيق وتحليل لانتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت خلال عام 2023 وأثرها على حقوق الإنسان في اليمن، بما في ذلك القتل العمد للمدنيين، والقصف العشوائي للأحياء السكنية، واستهداف المدارس والمستشفيات، والتشريد القسري، والتعذيب والانتهاكات الجنسية، كما استعرض تقرير سام تأثير الأزمة الإنسانية على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في الصحة والتعليم والسكن اللائق ، بينما تضمن المحور الثالث الأنشطة والأعمال الحقوقية التي نفذتها المنظمة خلال العام.
وفي محور الأنشطة ، قالت المنظمة لقد كان عام ٢٠٢٣ مليئا بالانجازات والإخفاقات، وواجهنا الكثير من التحديات العملية واللوجستية ومع ذلك فإننا حققنا الكثير في مسيرة عمل المنظمة ، وهو إنجاز يعود بالفضل إلى الفريق الذي عمل في الميدان، وواجه التحديات ، وتجاوز العوائق بإصرار، في هذا الباب نسرد أهم الأرقام المنجزة خلال ٢٠٢٣، حيث أنجزت المنظمة ١٢٠ نشاطاً حقوقياً ، منها ٧٢ بياناً حقوقياً شملت العديد من الانتهاكات التي وقعت خلال ٢٠٢٣ ،
منها ١٥ بيانا مشتركا مع منظمات محلية وأخرى خارجية ، و ١٠ تقارير نوعية ، دراسة حقوقية واحدة ، ٣ بلاغات لآليات الأمم المتحدة ، ٦ ندوات وفعاليات حقوقية وتوعوية ونقاشية ، إضافة إلى ٣ مشاريع حقوقية ، وتطوير موقعها بإضافة نافذة للأرشيف الحقوقي للبيانات والتقارير التي أصدرتها المنظمة خلال فترة وجودها ، كما ساهمت المنظمة في التفاعلات الإعلامية المتلفزة وعبر مواقع التواصل من خلال التصريحات والمقابلات ، اتسمت أنشطة هذا العام مثل كل عام ، بالتنوع، وركز بدرجة كبيرة على التأهيل والتأثير، نحن فخورون بالعمل الذي قمنا به في عام 2023، ونلتزم بمواصلة العمل من أجل حقوق الإنسان في اليمن.
وأكدت سام أن عام ٢٠٢٣، شهد تطورات في الوضع السياسي تشير إلى حالة مراوحة عسكرية وسياسية بين أطراف الصراع في اليمن، ولم يتم تحقيق أي تقدم فعلي في المشهد السياسي، وقد أصبح وقف إطلاق النار غير المعلن هو الوضع السائد. ففي الشمال، قامت جماعة الحوثي بتعزيز قواتها العسكرية وأجرت عروضًا عسكرية لاستعراض قدراتها العسكرية، بما في ذلك القوات الصاروخية والطيران المسير، كما توجهت إلى جبهات أخرى وأقامت عروضًا عسكرية في محافظة الحديدة وسط تهديدات من وزير الدفاع في جماعة الحوثي بتحرير اليمن ومواجهة العدوان.
مؤكدة أن الحوثيين يرفضون الدخول في حوار مباشر مع الحكومة، ولكنهم يستمرون في المشاركة في محادثات مع المملكة السعودية مباشرة. يهدفون من ذلك إلى زيادة الضغط على المملكة من أجل تحقيق المكاسب السياسية والاعتراف الدولي، مستغلين التقارب السعودي الإيراني الذي تتم رعايته من قبل الصين ، والخلافات داخل المجلس الرئاسي الذي أثرت على عمله
كما أشارت الإحاطة إلى أن قضية اللامركزية أصبحت عنوانا مركزيا في المرحلة المقبلة، حيث فرض الحراك الحضرمي أجندته بقوة، في ظل الصراع والانقسام داخل المجلس الرئاسي ، وضبابية موقف التحالف العربي .
انتهاكات حقوق الإنسان
وأوردت الإحاطة أنه خلال العام ٢٠٢٣ لوحظ انخفاض نسبة عدد الانتهاكات بصورة كبيرة عن السنوات الماضية، والسبب يعود بحسب تحليل المنظمة إلى الهدنة غير المعلنة بين الأطراف، وانخفاض مستوى التصعيد في الجبهات، الذي انعكس بصورة كبيرة على القيود والانتهاكات ضد المدنيين، منوهًا بأن الانتهاكات التي وقعت في السنوات الماضية استمرت دون أي تخفيف، مثل المحاكمات غير العادلة، والمحتجزين في المعتقلات، والنقاط المسلحة التي تحد من حرية النقل، ومصادرة الأموال والمنازل التي على ذمة قضايا متعلقة بالرأي السياسي، وأحكام الإعدام الصادرة من المحاكم التابعة لحكومة أنصار الله الحوثية في العاصمة صنعاء. .
وبينت المنظمة أنها رصدت خلال الفترة يناير 2023 - ديسمبر 2023، ٢٧٧٨ انتهاكاً ، تتوزع ٦٢١ انتهاك حق الحياة، و ٦٠٦ انتهاكات الاعتداء الجسدي والإصابات، ٤١١ انتهاك الاعتقالات التعسفية، و ٥٠ انتهاكاً خاصا بالإخفاء القسري، و٨٨ انتهاكاً بالتعذيب، و ١٠٧ انتهاك لحقوق الطفل، و ٥ انتهاكات لحالات العنف الجنسي، و ٦٨٤ انتهاكاً للممتلكات الخاصة، و ٢٠٦ انتهاكات خاصة بالممتلكات العامة.
من حيث تصنيف الجهات المرتكبة للانتهاك، أشارت المنظمة إلى أن أنصار الله "الحوثي" تصدروا قائمة المنتهكين لعام ٢٠٢٣، بواقع ٢١٢١ انتهاكاً، و ١٥٨ انتهاكاً ارتكب من قبل ما يسمى بقوات الحزام الأمني، و ٩٥ انتهاكاً للقوات الحكومة الشرعية، و ٢٦ انتهاكاً ارتكبت من قبل النخبة الحضرمية، ١٠٢ انتهاك سجلت ضد مجهول، ١٥٦ انتهاكاً ارتكب من قبل تنظيم القاعدة.
ولفتت المنظمة إلى الوضع الإنساني مؤكدة أن مدينة تعزمازالت تعاني من خسائر كبيرة جراء تعطيل الحوثيين للمساعدات، حيث يواجه سكان المدينة أزمة إنسانية حادة منذ عام 2015 عندما أغلق الحوثيين جميع الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدينة وخارجها، وقد تسبب إغلاق الطرق في قيود كبيرة على تدفق السلع الأساسية، بما في ذلك الأدوية والغذاء، وأيضًا على وصول المساعدات الإنسانية إلى المدينة. مذكرة بما ذكره برنامج الغذاء العالمي أنه سجل حوادث متكررة لنهب المساعدات الإنسانية، حيث قام الحوثيون بالاستيلاء على شاحنات الغذاء وإمدادات المساعدات الموجهة إلى المجتمعات الضعيفة. وغالباً ما يتم تحويل المساعدات إلى مقاتليهم وأصحاب المصلحة، كما يفرض الحوثيون تأخيرات وقيودا بيروقراطية واسعة النطاق على مراقبة برنامج الأغذية العالمي ، وأشارت المنظمة الى أن الحوثيين يفرضون بشكل روتيني "ضرائب" غير رسمية على المساعدات الغذائية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ويستنزفون الإمدادات في هذه العملية، وهذا يقوض فعالية المساعدات ووصولها إلى من هم في أمس الحاجة إليها.
مجال الإفلات من العقاب
اعتبرت سام أن التطورات السياسية المتسارعة للوصول إلى حل سياسي، يضمن وقفا شاملا لإطلاق النار، ووقف العمليات العسكرية، يدفع الأطراف الراعية إلى تجنب الحديث عن المساءلة الجنائية في الوقت الحالي، خشية أن يتسبب ذلك في تعنت الأطراف السياسية ورفضها الدخول في مفاوضات سياسية، مما يلقي بظلال مظلمة على مستقبل العدالة والنزاهة في البلاد. موضحة أن الحرب تسببت في خلق حالة من الاضطراب المستمر في عمل مؤسسات إنفاذ القانون، وخلق حالة استقطاب حاد، جعل كل طرف من الأطراف السياسية يحرص على الاستئثار بتعيين القضاة التنفيذيين في المؤسسات القضائية، سواء المحكمة العليا أو محاكم الاستئناف او النيابات العامة، واستخدام القضاء كأداة من أدوات الصراع، حيث أصبح من الصعب تحقيق العدالة وتطبيق قوانين حقوق الإنسان في اليمن.
الملف الإقتصادي
أشارت الإحاطة إلى استمرار أزمة اليمن الاقتصادية والإنسانية في ظل الصراع المسلح الدائر منذ ما يقارب عقد من الزمن، مبينًا تأثير ممارسات الحوثيين غير القانونية في جمع الضرائب والجمارك على تفاقم الأزمة وإحداث أضرار كبيرة بالمواطنين والاقتصاد، وهو ما يستدعي إيجاد حل عسكري وسياسي يساعد في إنهاض الاقتصاد وتخفيف الأزمة الإنسانية. وذكرت الإحاطة أن جماعة انصار الله الحوثية فاقمت الوضع الاقتصادي من خلال فرضها للضرائب التعسفية وغير القانونية على التجارة والنشاط الاقتصادي خلال العام الماضي، مع الإشارة إلى أن رجال الميليشيات يطالبون الآن بما يزيد عن 50-80٪ من قيمة العديد من السلع التجارية في الجمارك والضرائب. كما يواجه التجار مطالب مستحيلة، ومصادرة روتينية للبضائع، والتهديد بالعنف إذا رفضوا دفع تعريفات باهظة غير رسمية، وهو ما أدى إلى خنق معظم النشاط التجاري في مناطق الحوثيين خارج التهريب والأسواق السوداء.
كما أشارت إلى أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر أدت إلى زيادة تكلفة الواردات، وهذا يغذي التضخم داخل اليمن، مما يجعل الإمدادات الشحيحة بالفعل أقل تكلفة، كما تسببت في ارتفاع أقساط التأمين وتكاليف الشحن إلى الموانئ اليمنية، مما جعل الواردات الغذائية أكثر تكلفة، مضيفًا أن العديد من التجار الأجانب قاموا بتخفيض أحجام البضائع بسبب المخاوف الأمنية في أعالي البحار. وقد أدى ذلك إلى انخفاض حاد في واردات السلع الغذائية إلى اليمن عبر ميناء الحديدة الرئيسي.
الضرر الذي يلحق بالتعافي الاقتصادي الأوسع نطاقا
في التغير المناخي والتلوث البيئي أوردت الإحاطة أن اليمن يتعرض لتأثيرات التغير المناخي المتزايدة، بما في ذلك زيادة تكرار الأحداث المناخية المتطرفة، إذ تشهد البلاد زيادة في تكرار الفيضانات والأعاصير والعواصف الرملية، مما يتسبب في خسائر بشرية ومادية جسيمة. وقد تتسبب هذه الأحداث المناخية المتطرفة في تدمير البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات، مما يزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وآخرها في العام 2023 كان إعصار تيج الذي ضرب محافظة المهرة وأجزاء من جزيرة سقطرى، لافتًا إلى أن الجهود الدولية والمحلية لمكافحة التغير المناخي في اليمن تُعَد ضعيفة نظرًا للتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجهها البلاد.
وأضاف أن صناعة النفط والغاز تشكل تحديات بيئية كبيرة وتعرض البيئة البحرية والساحلية في اليمن لخطر التلوث النفطي، علاوة على ذلك، هناك ما يتعلق بالتلوث الناتج عن عمليات إنتاج النفط في حقول النفط في شبوة وحضرموت ومأرب وما سببه من آثار كارثية على السكان بهذه المحافظات سواء بانتشار أمراض السرطان والفشل الكلوي أو تأثر أراضيهم الزراعية وتلوث المياه الجوفية.
واختتمت الإحاطة الحديث عن التحديات والفرص التي تواجه العمل الحقوقي في اليمن من الانقسام السياسي الذي تعيشه اليمن، في التصنيف السياسي للعمل، والعاملين، تسبب في خلق ضغوط ساهمت في الحد من التحرك والانتشار والوصول إلى المعلومة، كما أن تعرض الكثير من المنظمات للمضايقات، ورفض تجديد أو منح التراخيص القانونية، أو منح التصاريح لتنفيذ الأنشطة العامة، إضافة إلى تعرض بعض الأعضاء للاعتقالات أو المحاكمات، جزء من التحديات التي واجهتها المنظمة.
بالإضافة إلى ذلك، واجهت سام صعوبة في الحصول على التمويل اللازم لاستمرار عملها، داخليا أو خارجيا، حيث بناء العلاقات مع المنظمات والسفارات بحاجة لمعايير لا علاقة لها بالكفاءة والإنجاز، كما أنها واجهت التحدي الثقافي والمجتمعي حيث يرى الكثير أن العمل الحقوقي عمل خارجي، لا علاقة له بالداخل، وبالتالي يواجه العاملون في المنظمات خاصة الحقوقية الكثير من الاتهامات والصعوبات في التعامل مع القضايا.
المنظمة أوصت بضرورة دعم المجتمع الدولي للعمل الحقوقي، من خلال توفير التمويل اللازم، ورفع الضغوط على الحكومات لاحترام حقوق الإنسان، مع ضرورة تعزيز الوعي الحقوقي لدى المجتمع، من خلال نشر الثقافة الحقوقية، وتثقيف الأفراد بحقوقهم، بالإضافة إلى دعم منظمات المجتمع المدني الحقوقية، من خلال توفير الدعم المالي واللوجستي، وضمان استقلاليتها.