تعز - محمد فرحان
في مستشفى الروضة بمدينة تعز الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية يرقد الطفل محمد غالب سيف (15) سنة، في حالة صحية غير مستقرة مع الوجع والألم.
تم إسعافه بداية شهر يوليو من قريته حراز بمديرية جبل حبشي غرب مدينة تعز، بعد تعرضه لانفجار لغم أرضي، وتم نقله إلى مدينة تعز؛ حيث استغرقت رحلة نقله (4) ساعات كما تقول والدته وهو بحالة خطيرة نتيجة عدم توقف نزيف الدم من رجله التي تعرضت لانفجار لغم أرضي ولا يزال يرقد في المستشفى حتى اليوم 15 يوليو 2022م.
مشاعر مختلطة من الألم والخوف عاشتها والدته أثناء نقله في سيارة غير مخصصة للإسعاف عاشتها كما تقول لـ "سام" وهي تشاهد طفلها يصارع الموت وصراخه من الأوجاع لا يتوقف، كان الأمر بالنسبة لها أشبه بكابوس مرعب لم تكن تتخيل في حياتها أنها ستقف يوما ترى فيه طفلها الذي تعتمد عليه في حياتها ممددًا ومضرجًا بدمائه بين الحياة والموت، تتناثر الشظايا في أجزاء جسده الهزيل كما تصف.
وتتابع حديثها بالكثير من عبارات الحزن، حيث تصف ما حدث لولدها محمد فتقول: "إنه خرج كالعادة يرعى الأغنام في الجبال القريبة من قريتهم حراز وهي قرية من قرى ريف تعز الغربي، حيث يخرج كل يوم لرعي الأغنام والذي يعتبر مصدر دخل وحيد للأسرة".
ترك محمد الدراسة بعد وفاة والده كما تؤكد والدته في حديثها بعد تعرضه لجلطة قلبية توفي بسببها، وكان على محمد أن يتولى أمر رعاية الأغنام، فهو الطفل الأكبر الذي يمكن أن تعتمد عليه والدته في توفير مصاريف ومتطلبات المعيشة الأساسية من خلال رعي الأغنام.
في أحد الأيام الأولى من شهر يوليو الجاري خرج محمد كالعادة لرعي الأغنام وكان على موعد مع إعاقة دائمة وحزن ألبسا أيام أسرته بالسواد؛ حيث تصف والدته هذا اليوم أنه يوم مؤلم وعاشت صدمته بالبكاء "حين سمعت صوت انفجار اللغم وعرفت أنه انفجر بابني كنت أصيح وأبكي وفقدت القدرة على التماسك من شدة الصدمة“.
وتضيف وهي تستذكر ما حدث أن شقيقه هو من قام بحمله بعد أن سقط على الأرض شبه ميت وإحدى رجليه التي داس بها على اللغم مبتورة وكان ينزف بغزارة، و "كنت أصرخ وأستنجد بسكان القرية من أجل إنقاذ ابني من الموت".
الكثير من العبرات والأسى الممزوج بصوتها وهي تتحدث عما حدث وتبدو منهكة وهي تراقب حالة ولدها محمد الذي يتألم من آثار انفجار اللغم فهو غير قادر حتى على الجلوس كما تؤكد والدته وطوال الوقت يتوجع ولا ينام إلا بمسكنات.
إلى جانب معاناة الأم وهي تعيش وجع ولدها على سرير العناية الطبية في مستشفى الروضة بمديرية القاهرة، فهي أيضًا تكابد الكثير من المعاناة من أجل الحصول على تكاليف علاجه الباهظة ووضعهم المادي لا يمكّنهم من استمرار العلاج في المستشفى؛ الأمر الذي دفع بناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي إلى إطلاق نداء إنساني، شارحين وضع الأسرة التي يرقد طفلها في المستشفى نتيجة إصاباته المختلفة وبتر رجله بسبب لغم أرضى من بقايا ما زرعته جماعة الحوثي في المناطق التي كانت تسيطر عليها في مديرية جبل حبشي، كما أكدت.
محمد فقد رجله لكن أمله كبير كما تقول أمه أن يتعافى ويجد رجلا صناعية تمكنه من أن يعود إلى حياته الطبيعية من جديد ويستمر في العمل ورعي الأغنام من أجل توفير متطلبات المعيشة لأسرته.
تضاعفت معاناة الطفل محمد الآن بعد أن أصبحت رجله اليسرى مبتورة، فقبل خمس سنوات تم بتر يده اليسرى نتيجة حادثة سقوط ونتيجة التأخر في إسعافه ومحاولة علاجه بطريقة بدائية نتيجة عدم قدرة الأسرة على علاجها في حينها تضاعف وضعه بشكل خطير وقرر الأطباء بتر يده ومع ما حدث له مؤخرًا بفقده رجله نتيجة انفجار لغم أرضي فقد أصبح بلا يد وبلا رجل، يستلقي على السرير تحرسه عيون أمه بالدعاء حينًا والبكاء حينًا آخر معلقة آمالها على أن يجد الرعاية الكافية ويتم عمل رجل صناعية له وتأهيله للعودة إلى الحياة ليصبح قادرًا - على الأقل - على المشي دون مساعدة من أحد.
دموع أم محمد المنهمرة على حالة ولدها وهي جواره على مدار الوقت في المستشفى وفي ظل وضعه الصحي الذي لم يحدث فيه أي تحسن فهي كما تقول تخاف أن تفقده فهو بين الحياة والموت.
حالة إنسانية غاية في الوجع في ظل قلة الحيلة وفقر ذات اليد لأسرة محمد الريفية فالحرب حولت حياة السكان في اليمن إلى جحيم لا يطاق نفسيًا واقتصاديًا، فمثل أم محمد هناك قصص إنسانية لمئات من النساء تفاصيل وجعهن في نفس الإطار، يتألمن من أجل أولادهن وغير قادرات على عمل شيء يغير من معاناتهم التي خلقتها الحرب على كل المستويات الصحية والتعليمية والنفسية والاقتصادية.