دراسة ميدانية لسام حول تأثير النزاع المسلح على الصحة النفسية للأطفال اليمنيين
طفولة معذبة
  • 20/11/2023
  •  https://samrl.org/l?a5059 
    منظمة سام |

    أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات، اليوم الاثنين، دراسة ميدانية بعنوان (طفولة معذبة..الجروح الخفية للحرب) حول تأثير النزاع المسلح على الصحة النفسية للأطفال اليمنيين خلال مارس/آذار 2015- ديسمبر/كانون الأول 2022.

    وقالت سام إن الدراسة تهدف إلى الوقوف على حجم المشكلة وطبيعة الأضرار وإبراز آثارها وتقديم المقترحات والحلول التي تسهم في التخفيف من هذه الآثار التي قد يترتب عليها أضرارًا كبيرة وطويلة المدى على الأطفال.

    وذكرت الدراسة أن النزاع المسلح في اليمن أدى إلى دمار هائل وتشريد للسكان، ما أثر بشكل بالغ على جميع جوانب الحياة وخصوصًا الأطفال، حيث واجه هؤلاء الأطفال في اليمن تحديات كبيرة وآثار نفسية خطيرة، وهو أمر بدهي كون الأطفال هم الأكثر عرضة للانفعالات النفسية والاضطرابات العاطفية الناتجة عن الصراع كالقصف، والهدم، والأصوات المرتفعة، ومشاهد القتل والدماء.

    واعتبرت سام في دراستها أن النزاع المسلح يعد واحدًا من أكثر الأزمات؛ التي تؤثر على البشرية، وتترك آثارًا كارثية على الأفراد والمجتمعات بأكملها، حيث تخلق حالة من عدم الاستقرار المادي والمعنوي والنفسي، وينتج عنها أضرارًا فادحة على الطبقة الفقيرة، فانقطاع الماء والكهرباء وتضاؤل فرص العمل وانعدام الأمن الغذائي تُسبب التوترات العصبية والنفسية والإحباط، وهي أسباب كافية للأمراض الجسدية والنفسية مثل، اضطراب العاطفة، والقلق، والاكتئاب، والهياج، والذعر، والعدوانية وغيره.

    وجادلت الدراسة بأن كل هذه المآسي ولّدت لدى الأطفال شعورًا بالخوف والقلق والصدمة وفقدان الأمان، ورافق ذلك شعور الطفل المتأثر بالحرب بأنه مستهدف وأن حياته مهددة، وأنه قد يقتل في أية لحظة، وعرّض النزاع المسلح الأطفال اليمنيين يوميًا لضغط نفسي هائل، لافتةً إلى أن الأكثر فداحة مواجهة هؤلاء الأطفال لصعوبات جمة في الحصول على الرعاية الصحية النفسية والدعم اللازم، وهو ما تسبب بتأثيرات سلبية على صحتهم النفسية ونموهم تفضي بهم الى الانطواء والعزلة والانسحابية.

    إلى ذلك، قالت سام إن جميع أطراف الصراع ارتكبت العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان والطفل خصوصا، شملت تلك الانتهاكات، قتل أعداد كبيرة من الأطفال وإصابة آخرين نتيجة القصف الجوي والمدفعي أو بسبب الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي بكثافة في مناطق سكانية وطرق عامة وشوارع رئيسية ومنازل وأماكن عبور يرتادها الأطفال بشكلٍ يومي وفي مزارع ومنازل المواطنين كما جرفت السيول ألغاما من مناطق المواجهات المسلحة إلى مناطق مأهولة بالسكان وانفجرت كثير منها لتصيب الأطفال العائدين من مناطق النزوح إلى منازلهم، وتسببت بقتل الأطفال وتشوههم، وإصابة كثير منهم بإعاقات دائمة.

    وأضافت أن من ضمن الانتهاكات، اختطاف عدد من الأطفال في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وممارسة التعذيب النفسي والجسدي عليهم، إضافة الى تجنيد الأطفال واستخدامهم كوقود في الصراع المسلح.

    وبينت أن النزاع المستمر منذ تسع سنوات تسبب بكثير من الآثار غير المباشرة على الأطفال، نتيجة فقدان آلاف من ذوي الأطفال، الذي أسفر عن حرمان الأطفال من حياة الطفولة المعتادة، وتحملهم مسؤوليات تفوق طاقاتهم، إذ أصبح معظمهم مُعيلين لأسرهم، من خلال التوجه إلى أشغال شاقة وأعمال خطرة أو التسول في الشوارع.

    ومن الآثار غير المباشرة، شن هجمات على مدارس واحتلالها وتحويلها ثكنات واستخدامها لأغراض عسكرية، حيث أدت الهجمات إلى أضرار فادحة بالمدارس أو تدميرها نتيجة الغارات والقصف والاشتباكات، وما تسببت به من قتل وإصابة طلاب ومعلمين، وما خلفته من آثار نفسية بالغة السوء على الطلاب والطالبات. كما تحولت كثير من المدارس إلى أماكن خطرة بفعل بقايا الأسلحة والأجسام المتفجرة من مخلفات القذائف سواء بداخل أو في محيط تلك المدارس القريبة من نقاط وخطوط التماس.

    علاوة على ما نتج عن النزاع المسلح من مخاطر صحية ومن تداعيات على القطاع الصحي؛ إذ فتكت الأمراض بالأطفال وأصيب الملايين منهم بسوء التغذية الحاد والتقزّم الدائم والكوليرا وغيرها.

    الدراسة التي أعدها باحثو سام اعتمدت على المنهج الوصفي، والاستبانة أداة لجمع البيانات التي قام بجمعها فريق البحث الميداني التابع للمنظمة من عينة الدراسة التي بلغت (50) طفلا تم اختيارهم من الفئة العمرية ما بين 7- 13 عاما من الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح بالإضافة الى (35) حالة من ذوي الاطفال.

    وتكوّن مجتمع البحث من الأطفال الذين تعرضوا لآثار واضطرابات نفسية نتيجة الحرب والتهجير القسري وذويهم. وتحدد هذا المجتمع مكانيًا في محافظات تعز وصنعاء ومارب، حيث تم توزيع عينة الدراسة على المحافظات الثلاث، بما يراعي التنوع في خصائص وأبعاد الظاهرة، ويشمل المناطق التي تشهد صراعًا عسكريًا مستمرًا بوتيرة عالية منذ سنوات.

    وشملت دراسة (أربعة محاور)، حيث تضمن المحور الأول الإطار العام للدراسة، الذي تناول مشكلة الدراسة وأبعادها، شاملة الأهداف والأسئلة والحدود الزمانية والمكانية والمصطلحات المستخدمة فيها، إضافة الى منهجية الدراسة وأدواتها وعيناتها.

    وتضمن المحور الثاني (الإطار القانوني)، الذي قدم عرضًا عامًا لواقع حقوق الإنسان وحقوق الأطفال في اليمن، خلال فترة النزاع المسلح في اليمن، كخلفية عامة تساعد على فهم تفاصيل الدراسة، حيث استعرض القوانين الدولية الإنسانية التي تحكم النزاعات المسلحة وحماية الأطفال، مثل اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في زمن النزاع المسلح، وغيرها. كما تطرق إلى اتفاقية منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، الخاصة بحقوق الأطفال.

    وتناول المحور الثالث الإطار النظري لمتغيرات الدراسة، حيث قدم لمحة عن النزاع المسلح في اليمن وانعكاساته على واقع الصحة النفسية في البلاد، وتداعيات هذا النزاع على شريحة الأطفال وما خلفه من آثار نفسية مختلفة على صحة الأطفال النفسية والعقلية. في حين ركز المحور الرابع على تحليل وعرض نتائج الدراسة، وعرض أبرز استنتاجات الدراسة.

    وخلصت الدراسة إلى أنّ الصراع المسلح في اليمن أدى إلى تدهور الصحة النفسية على أوسع نطاق، وتتسبب بالعديد من الآثار النفسية والاضطرابات النفسية لدى الأطفال والتي تُصيب الأطفال بدرجات متفاوتة.

    وتضمنت نتائج الدراسة الميدانية التي أجراها فريق سام البحثي أالإشارة إلى ما خلّفته الحرب تأثيرات عميقة على الأطفال نجمت عن التجارب المؤلمة التي عاشوها في بيئتهم، ما يُعّطل إحساسهم بالأمان والاِستقرار ويجعلهم أكثر عرضةً للمخاطر المختلفة، وأنّ تضرر صحة الأطفال النفسية والعقلية تؤدي إلى خلل وظيفي يعرقل قدرتهم على الأداء الجيد في المدرسة، أو القيام بالواجبات المنزلية، أو الانخراط في العلاقات الاجتماعية.

    وأوردت النتائج أنّ دور الأسرة؛ محوريٌّ، لمساعدة الأطفال على مواجهة الأزمات والتحديات، وتجاوز تأثيراتها، كما أنّ الإجابة عن أسئلة الأطفال، ومحاولة توضيح ما يدور من حولهم، وإفساح المجال أمامهم للتعبير عما في دواخلهم؛ يُعدّ سببًا مهمًّا، من أجل التخلّص من الأشياء المتراكمة في نفسية الطفل، بالإضافة إلى ضرورة تقبل جميع سلوكيات الأطفال كونها تُعبّر دومًا عمّا في داخلهم، بحسب الدراسة.

    واشتملت الدراسة على توصيات على مستوى الحكومة ووزاراتها المعنية، من ضمنها زيادة تمويل برامج الرعاية النفسية والاجتماعية للأطفال المتأثرين بالحرب، وتوفير الدعم القانوني للأطفال الذين تعرضوا للاستغلال والعنف الحربي، وتعزيز التشريعات والقوانين لحماية حقوق الطفل وتأمين بيئة آمنة ومستدامة لنموهم.

    كما تضمنت التوصيات دعوة الحكومات والمنظمات غير الحكومية وهيئات الأمم المتحدة لزيادة الاهتمام بقضايا الصحة النفسية في اليمن، والاهتمام بقضية ضحايا الحرب وتعويضهم قدر الإمكان لتجاوز أزماتهم المادية وتشريع القوانين التي تكفل ذلك، بالإضافة إلى توصيات أخرى على مستوى الأسرة والمجتمع والمؤسسات الصحية والتعليمية.

     


  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير