الإعدام السياسي في اليمن عقوبة في يد السلطة
  • 27/06/2024
  •  https://samrl.org/l?a5301 
    منظمة سام |

    جنيف- أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات دراسة قانونية عن الإعدام السياسي في اليمن، أعدها الدكتور نبيل عبد الواسع، والتي تهدف في أحد جوانبها إلى معرفة مدى توظيف سلطة الأمر الواقع لنصوص عقوبة الإعدام في تصفية المخالفين، خدمة لمصالحها السياسية، من خلال تجريد القضاء من استقلاليته وانتهاك الضمانات المقررة للمحاكمة العادلة.

    واتبعت الدراسة منهجية قانونية متخصصة تهدف في الجانب النظري منها إلى تناول تأصيل عقوبة الإعدام وتحديد معطياتها وطبيعة توظيف السلطة السياسية لها وتتبع تداعيات ذلك التوظيف ومآلاته. وتبنى الدراسة على افتراض قيام علاقة بين كثرة نصوص عقوبة الإعدام عامة، وسعة نصوص التجريم السياسي المعاقب عليها بالإعدام خاصة، وبين توظيف السلطة السياسية لذلك في تصفية مخالفيها، من خلال استخدام القضاء المجرد من الاستقلالية وانتهاك مبادئ المحاكمة العادلة.

    وعالجت الدراسة العديد من التساؤلات (الإشكالات) التي تدور حول طبيعة العلاقة المتداخلة بين نصوص الإعدام والسلطة السياسية والقضاء وحدود التأثير والتأثر بينهما، والتي يمكن اختزالها في الإشكالية الأساسية التي تتمثل في: كيف تستخدم سلطة الأمر الواقع (جماعة الحوثي ) عقوبة الإعدام السياسي ضد المختلف معها؟

    واستخدت الدراسة المنهج الاستقرائي والمنهج التحليلي، من خلال تناول الأحكام العامة المتعلقة بعقوبة الإعدام وكل ما يتصل بها وتحليل النصوص التشريعية التي تتضمنها والأحكام القضائية التي تقضي بها، والسياق العام الذي وردت به، وكيف تم توظيف السلطة السياسية لها من خلال المعطيات المتعلقة باستقلال القضاء ومبادئ المحاكمة العادلة.

    وقُسمت الورقة البحثية إلى ثلاثة محاور: يشمل المحور الأول؛ الإعدام باعتباره عقوبة تثير الكثير من الجدل في الطبيعة الذاتية وكذلك في التوظيف السياسي. ويتناول المحور الثاني؛ عقوبة الإعدام في اليمن من خلال المقارنة بين واقعها الحالي وآفاقها المستقبلية. ويتناول المحور الثالث؛ سلطة الإعدام في اليمن التي قضت على استقلالية القضاء الذي انعدمت معه وتبعا له ضمانات المحاكمة لضحايا الإعدام. توصلت على إثرها الدراسة إلى العديد من النتائج والتوصيات.

    وذكرت  الدراسة أنه مع الإسراف التشريعي في نصوص عقوبة الإعدام، يأتي الدور السلبي للسلطة الحاكمة في التوظيف السياسي السيئ لعقوبة الإعدام وهو ما كرسته سلطة الأمر الواقع في صنعاء التي بالغت حد الإسراف في الحكم بعقوبة الإعدام على مخالفيها السياسيين.

    وأوردت الدراسة أن سلطة الأمر الواقع (جماعة الحوثي) بعد استيلائها على السلطة في صنعاء 2014، تحت قوة السلاح، وفقدانها للشرعية وعدم وجود رؤية واضحة لديها لتسيير الدولة، عمدت إلى التدمير المادي لمؤسسات الدولة والمعنوي لفكرة دولة المؤسسات واحترام القانون، وأفرغت معه المبادئ الدستورية من مضمونها.

    وأوضحت أن الجماعة جردت القضاء من الفعالية وأحالته إلى آلة لتصفية الحسابات السياسية مع المخالفين عبر تقنية الإعدام السياسي، وهو الأمر الذي يستتبع بالضرورة إهدار كل ضمانات المحاكمة العادلة، مبينةً أن ذلك يتجلى بوضوح من خلال الاطلاع على الإجراءات التي يتبعها قضاء الإعدام في المحاكمات التي ينفذها للمخالفين للسلطة، والمدونة في الأحكام القضائية الصادرة، والتي تبين بجلاء مدى جراءة السلطة على انتهاك المبادئ الدولية والدستورية والقانونية ومدى تبعية وخضوع القضاء.

    وأضافت الدراسة القانونية التي أصدرتها "سام" أن جماعة الحوثي جردت مؤسسات الدولة من مضمونها وإحالتها إلى أدوات في خدمة مصالح الجماعة ومنها القضاء الذي أحالته إلى فم ناطق بإرادتها ولتحقيق مصالحها، وكذا تصفية مخالفيها بعقوبة الإعدام التي يطغى عليها الجانب السياسي.

    وقال الباحث إن جماعة الحوثي تعتبر كل معارض لفكر سلطة الأمر الواقع مجرما سياسيا طالما مارس حقه الدستوري في التعبير إذا ما اعترض على أي من سياساتها المؤدلجة أو تصرفاتها بأي شكل وعلى أي مستوى، لافتًا إلى أنها حولت عقوبة الإعدام إلى سيف مسلط على رقاب مخالفيها في السياسة والفكر، حيث أصدر قضاة جماعة الحوثي منذ الاستيلاء على السلطة مئات الأحكام بالإعدام ضد مخالفيهم، ممن لا يتفقون مع فكر الجماعة وسياستها أو عقيدتها الطائفية أو من ينتقد ممارستها العنصرية أو الاستبدادية.

    وأشار إلى أن الجماعة  استغلت مجموعة القضاة المحسوبين عليها طائفيا والموالين لها والخاضعين لسيطرتها الذين أعادت تعيينهم في المحاكم الجزائية والجزائية المتخصصة لإصدار أحكام قضائية بالإعدام استنادا إلى النصوص التشريعية المتعلقة بقضايا أمن الدولة.

    ولفتت الورقة البحثية إلى أن هيمنة سلطة الأمر الواقع على القضاء تتجسد من خلال تقويضها التام لاستقلالية القضاء وإحالته إلى مجرد أداة ناطقة بأحكام الإعدام الذي يتجلى بطبيعة الحال في عدم مراعاته أي من قواعد وضمانات المحاكمة العادلة للضحايا المحكوم عليهم، حيث أصدرت ما يقارب 150 حكما بالإعدام على 350 مدان، لدوافع سياسية ضد مخالفيها.

     وبينت الدراسة أن سلطة الأمر الواقع في صنعاء ذهبت إلى انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء بالتعيينات الشمولية للمحسوبين عليها بطرق غير معيارية، وإخضاع أعمال القضاة للرقابة السياسية عن طريق تشكيل كيان مواز للإشراف على اعمال السلطة القضائية تحت مسمى والتي تمارس الضغط والتنكيل بالقضاة وتفرض إملاءاتها السياسية عليهم من خلالها في استهداف صريح وفج للنصوص الدستورية والقانونية.

    وأضافت أن سلطة جماعة الحوثي عملت على تفكيك عرى السلطة القضائية وتجريدها من الضمانات التقليدية للاستقلالية، يتجلى ذلك في العديد من المظاهر منها؛ إعادة تشكيل المحكمة العليا، والدوائر المنضوية في إطارها وجهاز النيابة العامة وهيئة التفتيش القضائي على أساس عنصري للعناصر المنتمية للجماعة والموالين لها، إضافة إلى تشكيل المحاكم/ النيابات الجزائية المتخصصة التي تنظر في القضايا الجنائية الجسيمة ذات الصلة بقضايا الشأن العام والمحاكمات ذات الطابع السياسي والفكري، الإرهاب والقضايا الاقتصادية.

    وأوردت دراسة "سام" أن من مظاهر تفكيك السلطة القضائية اختيار الملتحقين الجدد في القضاء والعاملين في جهاز النيابة العامة المختارين للدراسة في المعهد الأعلى للقضاء على أساس عنصري وتمييزي واستبعاد الكفاءات الوطنية ومعايير المساواة والأفضلية وكذا استبعاد المرأة من الالتحاق بسلك القضاء.

    وذكرت أن النصوص الدولية والوطنية أوجبت رفض الحجج والأدلة التي يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب أو المعاملات الأخرى اللاإنسانية والمهينة، لكن سلطة قضاء الإعدام الحوثية قامت بالعكس تماما لتلك المقتضيات القانونية من خلال ثلاثة محاور؛ الأول أنها لم تحقق في وقائع التعذيب والمعاملات المسيئة والمهينة والماسة بالكرامة الإنسانية التي يتعرض لها الضحايا في السجون الحوثية، والثاني: أنه لم يتم تحديد مسؤولية القائمين بالانتهاكات والتعذيب، مما يعني التواطؤ مع الجناة لتسهيل افلاتهم من العقاب، والثالث: أن قضاء الإعدام السياسي أسند كل الأحكام الصادرة عنه، على تلك الأدلة التي انتزعت من الضحايا بالإكراه وتحت التعذيب في المرحلة السابقة للمحاكمة.

    ونوهت الورقة البحثية بأن تجريد السلطة القضائية من استقلاليتها يترتب عليه استمرار حدوث المزيد من الانتهاكات المنظمة، خاصة وأن الإفلات من العقاب في اليمن سبب رئيسي لاستمرار الصراع ولارتكاب المزيد من الانتهاكات، ونتيجة في نفس الوقت لحالة الصراع المنفلت من القيود القانونية والقيمية والأخلاقية.

    وجادلت الدراسة بأن تطور السياسة العقابية بخصوص عقوبة الإعدام بما يصل من تطور وتداعيات على المستوى الدولي، بقدر ما يرتبط بخصوصية تأثير العوامل والظروف الوطنية للقول معه بإمكانية إلغاء العقوبة، فإنه يبقى متأثرا بالبيئة السياسية والتشريعية والدينية والاجتماعية في اليمن، يمكن الذهاب إلى القول بصعوبة الإﻟﻐﺎﺀ بشكل مطلق. إذ يتوجب في مرحلة أولى معرفة القيود التي تحد من فكرة الإلغاء وفي مرحلة ثانية التفريق بين أنواع العقوبات وحالاتها، ليمكن على ضوء ذلك التقرير في شأن كل نوع على حده بناء على الواقع الذي تتيحه تلك القيود.

    وأوصت الدراسة المجتمع الدولي والهيئات الدولية بمطالبة سلطة الأمر الواقع والضغط عليها لوضع حد لاستخدام أحكام الإعدام التعسفي، والاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، التي تشكل انتهاكات صارخة للقانون الدولي، وتفعيل دوره في رصد ومراقبة الانتهاكات التي تُرتكب في المحاكمات التي تتم أمام قضاء سلطة الأمر الواقع التي لا تحترم الالتزامات الدولية، ولا تضع حرية الإنسان وحقوقه وكرامته في الاعتبار.

    كما دعت المجتمع الدولي إلى تشكيل آلية تحقيق جنائي على النحو الذي أوصى به فريق الخبراء البارزين مع منحها تفويضا بإنشاء ملفات قضايا لاستخدامها من جانب سلطات الادعاء المختصة، بالإضافة إلى تسخير آليات مختصة للرصد والرقابة، بحيث يكون لها حق استقبال أي شكاوى تردها بشأن الانتهاكات التي تمس حقوق المتهمين قبل أو أثناء مرحلة المحاكمة، على ان تكون ذات حصانة تمكنها من زيارة مراكز الاعتقال وتقديم الخدمات اللازمة لمساعدة الضحايا بتوفير المساعدة القضائية كالاستعانة بمحامٍ أو إبلاغ عائلة الضحية أو إيقاف الانتهاك أو الاعتقال في ظروف إنسانية وفي أماكن خاضعة للإشراف القضائي، وبعد ذلك رفع تقارير دورية عن واقع تلك الأقضية الوطنية، ليتسنى لها اتخاذ ما يلزم لحماية هذه الحقوق.

    ودعت الحكومة الشرعية إلى الحرص على إحالة المتسببين في الانتهاكات الإنسانية للمحاكمات خاصة وأن البعض منها يرتقي إلى جرائم الحرب، لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، والالتزام بدقة النص الجنائي ووضوحه بالنسبة للتجريم السياسي المعاقب عليه بالإعدام على الأقل، مع أن إلغاء العقوبة في الجرائم السياسية هو الأولى والأجدر بالاتباع، كما خاطبت الحكومة الشرعية بضرورة دعوة الهيئات المحلية والدولية المختصة للتحقيق في قضايا الإعدام في السياق الأوسع للاحتجاز التعسفي واستخدام التعذيب لانتزاع الاعترافات.

    وأوصت الورقة البحثية سلطة الأمر الواقع (الحوثية) بتنزيه القضاء عن رغبات وأهواء السلطة التنفيذية أو محاولة استخدامه في تصفية الحسابات السياسية. وعدم المس من استقلاليته كسلطة لا وظيفة، أو الرقابة على أعمالهم.

    وطالبتها بضرورة إلغاء أحكام الإعدام الصادرة بحق اليمنيين الذين تم احتجازهم تعسفيا، وحُكم عليهم بالإعدام دون محاكمة عادلة، والتوقف الفوري عن الحكم بالعقوبة. وتعويض ضحايا أحكام الإعدام الجائرة.


  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير